Advertisement

منتهي الصلاحية
تقارير وتغطيات
Typography
  • Smaller Small Medium Big Bigger
  • Default Helvetica Segoe Georgia Times

إن التكيف مع تغيّر المناخ أي التعامل مع الحياة في عالم لم تعد فيه الظروف المناخية والطقس أمراً مسلماً به، يبدأ من خلال فهم المخاطر المناخية وتقدير مدى قوتها والقدرة على كيفية ادارتها. وكما تشير كل التقارير، تلعب التكنولوجيا دوراً حاسماً في هذا الأمر للتكيف مع المناخ العالمي.

يعالج الباحثون مشكلة تغيّر المناخ بطرق مبتكرة عدّة وتسهّل بدورها الحلول التكنولوجية طرق تحديد مصادر الانبعاثات السامة والحدّ من تداعيات ذلك مع زيادة كفاءة استخدام الطاقة والطاقة البديلة المكوّنة من كمية منخفضة من الكربون بل وحتى إزالة الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري العالمي الزائدة من الغلاف الجوي. يبحث العلماء بكل الإمكانات الممكنة لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري وآثاره، فلا يمكننا أن نأمل بمنع تغيّر المناخ والحدّ من آفات هذه الظاهرة بالطرق التقليدية دون تدخّل الابتكار التكنولوجي.

تغييرات بهذا الحجم لا تحدث بين ليلةٍ وضحاها بل يجب على قادة الأعمال اتخاذ التدابير الاستباقية لاعتماد التكنولوجيا بكل أشكالها لحلّ أزمة المناخ. تتيح الحلول التقنية خفض كمية الانبعاثات في المصانع مثلاً إلى جانب ادراك كيفية اتخاذ التدابير المطلوبة لاستخدام الطاقة بكفاءة مع احترام المعايير العالمية لسلامة البيئة. وبينما تزيد المخاوف، تبحث الشركات السبل المؤاتية للتوفيق بين تطوير حلولها مع استخدام الطاقة المتجددة والمثابرة في التحسينات التكنولوجية لدعم الايرادات. بدورها، أنشأت الحكومات أيضاً برامج تحفيزية تعمل على تشجيع ومكافأة القطاع الخاص على اتخاذ الخطوات اللازمة لزيادة الكفاءة وخفض الانبعاثات الكربونية وتتبع كل الخطوات لتحقيق الاستدامة.

 

تحديد المشكلة ومحاولة معالجتها!

تبدأ الشركات خطوتها الأولى نحو خفض الانبعاثات الكربونية مع تحديد الأسباب المؤدية إلى هذه الانبعاثات ومصدرها. وفي غضون ذلك، حذّرت شركات التكنولوجيا الكبرى من مخاطر النمو الرقمي السريع مع زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات التي تعتبر أحد أهم أسباب التلوّث حيث تحتاج إلى نسبة عالية من الطاقة مما يولّد بالتالي انبعاثات كربونية أكثر تؤدي للاحتباس الحراري العالمي الذي ارتفع بشكل كبير خلال السنوات الخمس الماضية.

لم تكن شركات التكنولوجيا مكتوفة اليدين بل أبرمت شراكات عدّة تصبّ لهذه الغاية مع سعيها إلى دعم الطاقة المتجددة وحماية البيئة. في هذا الاطار، تعلن شركة غوغل عن جهودها المتواصلة للحدّ من الانبعاثات الكربونية مع زيادة استهلاك الطاقة في مراكز البيانات التابعة لها بالاضافة إلى المواقع الالكترونية والتطبيقات الذكية والخدمات الرقمية على شبكة الانترنت وروبوتات الدردشة التي تحتاج إلى الذكاء الاصطناعي. وقد أبرمت الأخيرة صفقة بقيمة 10 ملايين دولار مع إحدى أهم شركات التكنولوجيا الناشئة لإزالة انبعاثات الكربون المسببة للتلوث الهوائي. 

وإلى جانب غوغل تعهّدت شركة مايكروسوفت العالمية بتحقيق صافي انبعاثات كربوينة صفرية في عملياتها التشغيلية بحلول عام 2030. من جهتها، أعلنت شركة أمازون عن قدرتها بالوصول إلى انبعاثات صفرية بحلول عام 2040 مع تركيزها على استخدام الطاقة المتجددة في عملياتها أيضاً ضمن جميع مراكزها حول العالم؛ فقد انخفض اجمالي انبعاثاتها بنسبة 3% عام 2023 مع استهلاك الطاقة المتجددة. وسبق أن استثمرت أمازون 112 مشروعاً جديداً للطاقة المتجددة في العام 2023 مع ادراك الخبراء في الشركة ان اعتماد الذكاء الاصطناعي بشكل مستمر يتطلب قوة حاسوبية أكبر لدعم حركة البيانات.

 

دمج التكنولوجيا في سياسة المناخ

تعمل الحكومات والوزارات المعنية على حلّ مشكلة المناخ والتحول المناخي مع اعتماد حلول قادرة على تحقيق التوازن بين استخدام الأجهزة بأقل ضرر ممكن. في هذا الاطار، تؤكد دول المنطقة التزامها بخفض الانبعاثات الكربونية من خلال مبادرات وبرامج اعادة التدوير.

الامارات ليست بعيدة عن هذا الواقع، فقد حددت هدفها بخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 40% بحلول عام 2030 كخطوة لبناء مستقبل مزدهر والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050. ومن بين الخطط المعتمدة في هذا المجال، مطالبة دولة الامارات الشركات المحلية بمراقبة انبعاثاتها خصوصاً تلك التي تنتج أطناناً من ثاني أكسيد الكربون سنوياً. الأمر نفسه ينطبق على سائر دول المنطقة التي تتبع استراتيجية محددة للحفاظ على أمنها البيئي المستدام ومنها المملكة العربية السعودية تلني تتبع نهجاً غنياً لتحقيق رؤية خفض الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2030. ولهذا الهدف، تلتزم المملكة بتوليد 50% من الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة بحلول 2030 كما تشمل استراتيجيتها تعزيز كفاءة الطاقة المتجددة والاستثمار فيها ودعم المبادرات التي تخدم هذا البرنامج.

من جهتها، تعمل قطر على دعم الخطط الاستراتيجية لخفض الانبعاثات الكربونية والوصول إلى قطر الخضراء مع تنويع اقتصادها المستدام ومواكبة التحولات مما يضمن تحسين كفاءة الخدمات مع استخدام الطاقة المتجددة والتركيز أيضاً على التوازن بين تلبية احتياجات العملاء في الرقمنة والتكنولوجيا مع الحفاظ على البيئة في آن معاً.  لكن كيف لعبت التكنولوجيا دورها في خفض هذه الانبعاثات على مختلف المستويات؟

السيارات الذكية: تعتبر سيارات الوقود التقليدية من أسباب تدفق الانبعاثات الكربونية الكثيفة يومياً إلى أن جاءت السيارات الذكية، ذاتية القيادة، لتحدّ من المشكلة إلى حدّ كبير. ولأن الانتقال الكلي إلى هذه السيارات يستغرق وقتاً، تطلق الحكومات خططها لدعم مبيعات السيارات الذكية والعمل على توسيع مراكز الشحن للسيارات الكهربائية وتوفير البنية التحتية المطلوبة في الوقت نفسه. على الخط نفسه، يعتبر قطاع النقل الذكي من أهم المساهمين في خفض نسبة الانبعاثات السامة سنوياً مع تنظيم سير المركبات الذكية في الوقت الفعلي.

الطاقة في المدن الذكية: تعتمد المدن الذكية على الطاقة المستدامة والمتجددة فهي تدمج مصادر الطاقة المتجددة في الشبكات الكهربائية بشكل أكثر فعالية. يعيش اليوم 55% من سكان العالم في المناطق الحضرية، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 68% بحلول عام 2050. تلعب المدن الذكية دوراً محورياً في تحقيق أهداف الحكومات الخضراء من خلال تسخير التقنيات الجديدة وأتمتة العمليات في مختلف القطاعات مع التنويه بأن 70% من الانبعاثات الكربونية تكون ناتجة عن المدن حول العالم. هنا تكون الحلول الرقمية ليست خياراً فقط بل ضرورة لاعتماد الطاقة النظيفة وتحسين الكفاءة التشغيلية وخفض البصمة الكربونية.  

التحول الرقمي: تُعد رقمنة القطاعات من أولوية الحكومات اليوم وتكشف الدراسات الحديثة أهمية التقنيات في ادارة العمليات التشغيلية وتلبية متطلبات السوق واحتياجات العملاء. في هذا الصدد، حققت حكومات المنطقة، أي دول الشرق الأوسط ودول الخليج العربية تقدماً كبيراً في الرقمنة مواكبةً للتطورات السريعة. وقد شهدت المملكة العربية السعودية تطورات نوعية في هذا المجال حيث دخلت قائمة أفضل 10 دول عالمياً والأولى في الشرق الأوسط في مؤشر تطور الحكومة الالكترونية. وتؤكد بذلك المملكة مكانتها الرقمية مع تبني التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين بالاضافة إلى الحوسبة السحابية، وتطوير المدن الذكية. وتوصّلت مدينة الرياض إلى مواكبة المشهد الرقمي وتعزيز أداء الحكومة والمؤسسات في المملكة باستخدام التقنية واتاحة قطاع الأعمال فرصة للنمو إلى جانب المصانع والشركات. كل ذلك مع التنبيه إلى مشاكل المناخ ومحاربة التحول المناخي عبر تحويل المملكة العربية السعودية إلى مدينة ذكية تنخفض فيها نسبة الانبعاثات الكربونية وتعتمد على الطاقة المتجددة لمنتجاتها.

كما يؤكد الخبراء جهود الامارات في تحويل مجتمعها إلى مجتمع رقمي وتحقيق التنمية المستدامة وخفض النسبة الكربونية في البلاد. ومن أجل هذا الهدف، تم الاعلان عن خطة دبي الحضرية 2040 التي ترتكز على اعتماد الطاقة المتجددة بالدرجة الأولى والحد من البصمة الكربونية.

 

الجيل الخامس وشركات الاتصالات والتحول المناخي؟

تربط بعض الدراسات بين الجيل الخامس والاتصالات وخفض نسبة الانبعاثات الكربونية بما ما يُقدّر بنمو 20%. فإن السرعة العالية التي يتمتع بها الجيل الخامس يمكنها أن تنعكس بشكل ايجابي على مراحل خفض البصمة الكربونية والتحكم بالطاقة المضرة.  توفر شبكة الجيل الخامس قدرة أفضل على الاتصال أي استخدام أقل للطاقة. انطلاقاً من ذلك، تكثف الحكومات جهودها لتوسيع نطاق شبكات الجيل الخامس وتوفير بنية تحتية للأجهزة الالكترونية المتصلة بالشبكة.

وكان لشركات الاتصالات أيضاً بصمتها في تقليل الانبعاثات الكربونية حيث أعلنت عن العديد من التعاونات لمكافحة التغيّر المناخي ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما تهدف شركات الاتصالات اليوم إلى تعزيز استخدام الطاقة النظيفة ودعم الشبكات الأكثر ابتكاراً وتطوير البنية التحتية للحفاظ على البيئة وصولاً إلى تحقيق صفر انبعاثات.

على هذا الخط، أعلنت شركة الاتصالات "زين السعودية" عام 2023 شراكتها مع شركة "البحر الأحمر الدولية" لتدشين شبكة الجيل الخامس خالية من الانبعاثات الكربونية على مستوى العالم. من جهتها، تتوقع هواوي أن تشكل الطاقة المتجددة أكثر من 50% من توليد الكهرباء بحلول عام 2030 لتحسين تجربة العملاء في الاتصالات، كما ستدخل الرقمنة في أكثر من 50% من القطاعات. وتلتزم هواوي بدعم الحلول النظيفة المستدامة لتحقيق الحياد الكربوني.

هذا وقد سرّعت فودافون عمان الخطى في محاربة التغيير المناخي وتوسيع تغطية الجيل الخامس مما أعاد تشكيل مشهد الاتصالات والرقمنة في البلاد. وتمكّنت فودافون من بناء شراكات عدّة خلال السنوات الماضية بهدف البحث المستمر عن امكانية تعزيز مؤهلاتها الداعمة للحلول الخضراء من خلال اكتشاف تقنيات جديدة صديقة للبيئة.

تستغل شركات الاتصالات قوة الجيل الخامس وغيره من التقنيات لتعزيز الجانب البيئي من عملياتها وتعزيز كفاءة خدماتها لبناء عالم أكثر ذكاءً واستدامة. ويؤكد خبراء في المجال دور التقنيات الحديثة في تلبية نمو حركة البيانات والاحتياجات المستقبلية وتحقيق الحياد الكربوني في الوقت عينه.

 

طرق كفيلة بتقليل البصمة الكربونية

تحدد الدراسات بعض الخطوات التي يمكن أن تتبعها الشركات في مختلف القطاعات لتقليل البصمة الكربونية لديها:

أولاً، تمكين فرق العمل وتزويدهم بالأدوات المطلوبة لفلترة الآلات من الانبعاثات السامة الكربونية.

ثانياً، تصميم برامج لاعادة التدوير والحرص على الصيانة المستمرة لمنتجات أكثر أماناً.  

ثالثاً، التأكد من استخدام الأداوت الحديثة التي تتطلب نسبة أقل من الطاقة مقارنةً بالأدوات التقليدية مما يسرّع تقدّم الشركة نحو هدفها في تحقيق الحياد الكربوني.

رابعاً، تعزيز شبكات الاتصالات والأجهزة الذكية المتصلة لادارة الأعمال عن بُعد بمرونة. ويحرص مشغلو الاتصالات ومزودو الخدمات على تقديم تجربة متميّزة لاثراء العملاء والتعامل مع مزيد من المشاكل والتحديات بالطريقة الأنسب.

خامساً، اعتماد تكنولوجيا إنترنت الأشياء، هو عالم الأجهزة المتصلة لمشاركة البيانات وجمعها وأتمتة العمليات التشغيلية ومراقبة التغييرات المناخية. يمكن لأجهزة الاستشعار إرسال تنبيهات عبر الهاتف المحمول للكشف عن الثغرة والعمل على حلّها استباقياً.

لا شكّ أن استمرار النمو الرقمي يتطلب تدابير أوسع واستراتيجيات ثابتة لمواكبة الواقع المتغيّر إلا أن خطط مواجهة الانبعاثات الكربونية تحتاج إلى ملايين الدولارات لتنفيذها. فوفقاً للتقارير الأخيرة، يحتاج العالم إلى 4 تريليونات دولار سنوياً مخصصة لتكنولوجيا الطاقة النظيفة بحلول 2030 وبالتالي الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول 2050.