يرسم خبراء التقنية وباحثون في مجال التكنولوجيا والأمن السيبراني ورواد القطاع صورة مثيرة للقلق عن مخاطر كارثية قد يسببها الذكاء الاصطناعي للبشرية خلال السنوات المقبلة. فإن أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة والتي يستخدمها عدد كبير من الأفراد حول العالم قد تهدد وجود البشرية وتُفقد الانسان السيطرة.
يعرب خبراء التقنية عن قلقهم حيال النمو السريع للذكاء الاصطناعي، هذه التقنية التي تطورت بشدّة لتتخطى بقوتها القدرات البشرية والوصول إلى مستويات متقدمة. يملك الذكاء الاصطناعي اليوم قدرات تحوّلية أثرت على المجتمع والاقتصاد وكافة القطاعات لتحقيق مزيد من الانتاجية ودفع الايرادات والتغلّب على كل التحديات. لكن في الوقت نفسه، تأتي هذه التكنولوجيا بمخاطر كارثية على البشرية فقد تخرج أنظمة الذكاء الاصطناعي عن السيطرة. أمام هذه التحولات، ترى الوزارات المعنية ضرورة اتخاذ القرارات المناسبة لادارة مخاطر الذكاء الاصطناعي في المرحلة المقبلة واقرار التشريعات اللازمة المرتبطة بكل الابتكارات والتقنيات الناشئة والتي قد تشكل خطراً مجتمعياً مع تطوّرها. يشارك ايلون ماسك رأيه مع الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي معتقداً أن الذكاء الاصطناعي قد يكون من أكبر التهديدات للبشرية ومن الضروري وضع الضوابط التنظيمية لمنع هذه التكنولوجيا من التحول وتجاوز الانسان والسيطرة عليه. وهنا يكمن السؤال: هل سيتمكّن الانسان من اللحاق بهذه التطورات والتعامل مع المخاطر المحتملة المرتبطة بنمو الآلات الذكية وانتشارها؟
مخاوف وتحذيرات... هل التهديد حقيقي؟
يعتقد البعض أن الذكاء الاصطناعي لا يشكل تهديداً وجودياً كبيراً كما قد يبدو للوهلة الأولى. فتعمل نماذج روبوت الدردشة مثل ChatGPT، بناءً على خوارزميات وتعليمات مدربة. يقول الخبراء ان السيطرة على هذه النماذج ممكن اذ يمكن التحكم بها ويمكن النظر اليها بنظرة تفاؤل على عكس ما ينتشر من معلومات تشاؤمية. ومع ذلك، لا تغيب المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي في حال لم تتم ادارته بشكل صحيح مما يسمح بتطور هذه التكنولوجيا بطريقة مستقلة لتتجاوز الذكاء البشري وربما تصبح المنافس الأول له.
تختلف آراء قادة التكنولوجيا، فبعيداً عن النظرة التفاؤلية، يعتبر قسم منهم أنه يجب ابطاء التطور الحاصل خصوصاً وان الذكاء الاصطناعي يزداد تعقيداً وتحدياته لا يمكن التنبؤ بها حالياً. في حال استمر التطور في هذه الوتيرة، قد يكتسب الذكاء الاصطناعي قدرات جديدة مثل التفكير والتحليل والتخطيط موازية لقدرات الانسان. في 29 سبتمبر 2024، وقعت ثلاث ولايات قضائية غربية كبرى - رائدة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي - اتفاقية لتنظيم أنظمة الذكاء الاصطناعي. وقد التزمت الدول الموقعة على الاتفاقية بالالتزام بجميع متطلباتها. تدعم الشركات أيضًا اعتماد هذه الاتفاقية، نظرًا لأن القوانين الوطنية المختلفة المتعلقة بالملكية الفكرية تمثل عقبات أمام تطوير هذه التكنولوجيا.
تعطي الاتفاقية، التي وقعتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، الأولوية لحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية في تنظيم أنظمة الذكاء الاصطناعي في كل من القطاعين العام والخاص. وتحدد الاتفاقية، التي تم تطويرها على مدى عامين من قبل أكثر من 50 دولة، متطلبات مسؤولية الدول الموقعة عن أي نتائج ضارة أو تمييزية ناجمة عن أنظمة الذكاء الاصطناعي. وينص على احترام أنظمة الذكاء الاصطناعي لحقوق المساواة والخصوصية. وهذه هي أول اتفاقية ملزمة قانونياً من نوعها، حيث تجمع بين مختلف البلدان وتثبت أن المجتمع الدولي يستعد لمواجهة التحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي. وتظهر الاتفاقية أن المجتمع العالمي لديه رؤية مشتركة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويتطلب الابتكار المشترك احترام القيم العالمية وتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون. ومع ذلك، فإن تنظيم الذكاء الاصطناعي ليس دائماً بالأمر السهل حيث أثار تنظيم الذكاء الاصطناعي الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي، والذي دخل حيز التنفيذ، جدلاً كبيراً بين أوساط قطاع التكنولوجيا.
مخاوف أمنية سببها أيضاً تطوّر الذكاء الاصطناعي الذي قد يدعم نمو الأسلحة النووية والأسلحة المدمرة. أما الأسلحة المستقلة وأنظمة المراقبة المدعومة من الذكاء الاصطناعي فتثير مخاوف الحكومات لتهديدات الأمن القومي وانتهاكها خصوصية الأفراد. فإذا لم يتم ضبط الذكاء الاصطناعي في هذه الحالة يمكن أن يتخذ قرارات غير مفهومة وغير مبررة تثير الشكوك حول العدالة وكيفية المساءلة. توضح بعض الدراسات ان المخاوف الحقيقية والمخاطر المحدقة ليست من الذكاء الاصطناعي بل من الطريقة التي يُستخدم فيها بشكل غير مسؤول أو مضر بالمصلحة العامة. لهذا السبب يشدد القانون على تحقيق التوازن بين النمو السريع وكيفية دمج التكنولوجيا وتوظيفها بكل جوانب حياتنا والوصول إلى كل امكانات الذكاء الاصطناعي الكاملة وغيره من التقنيات دون تعرّض البشرية للخطر.
تدفع المنافسة العالية في الأسواق العالمية الشركات إلى تسريع وتيرة النمو الرقمي وتطوير الأنظمة الذكية على حساب الانسان نفسه في بعض الأحيان. على ضوء ذلك، يُطلق خبراء التقنية صافرة الانذار معلنين ان هناك احتمال أن يهدد الذكاء الاصطناعي البشرية بالانقراض خلال السنوات العشر المقبلة في حال لم يتم تطبيق الرقابة الضرورية أو في حال أصبح الذكاء الاصطناعي قادراً على تصميم نفسه بنفسه.
الذكاء الاصطناعي: منافس أو مساعد؟
ايجابات غير مؤكدة حول هذا السؤال ما اذا كان الذكاء الاصطناعي تحول من مجرّد تكنولوجيا مساعدة للانسان في مهامه العديدة أو أصبح منافساً له في الكثير من القطاعات. بعيداً من علامات الاستفهام، يجتمع الخبراء على رأي واحد مفاده ان التكنولوجيا تقدم للانسان فرصاً هائلة يجب عليه معرفة الاستفادة منها وعدم استخدامها لالغاء وجوده.
نماذج جديدة من الذكاء الاصطناعي يشهدها مستخدمو التكنولوجيا، تحمل قدرات هائلة. تحاكي هذه النماذج التفكير البشري وتتمتع بمميزات كثيرة تضاهي نماذج الذكاء الاصطناعي الأخرى. تحلل نماذج الذكاء الاصطناعي الصور والرد على الاسئلة وتشغيل عدد من الخدمات على المنصات الذكية. تعتبر اليوم نماذج الذكاء الاصطناعي فائقة فهي قادرة على ممارسة الألعاب الالكترونية ووضع مخطط للسفر خلال بضع ثوان. فخلال السنوات الماضية، ومع نهوض الثورة الصناعية الرابعة، حققت نماذج الذكاء الاصطناعي نتائج قياسية في الاختبارات مؤكدةً مكانتها في العديد من المعايير التحليلية.
تعيد شركات التكنولوجيا تركيزها لتنظيم سباقها مع الشركات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي وتطويره. تُخصص مليارات الدولارات سنوياً لاستغلال قدرات الرقمنة فمن المتوقع أن تنفق مايكروسوفت 80 مليار دولار على مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي بينما تخصص شركة ميتا 65 مليار دولار في مجال الذكاء الاصطناعي لعام 2025. وبحسب التوقعات التقنية، سيصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي إلى تريليون دولار بحلول عام 2030 على أن يكون قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي هو الأسرع نمواً ويساهم بدفع الابتكار ويفتح آفاقاً جديدة لأتمتة الأعمال والعمليات التشغيلية. بدورها، تدعم شركة أمازون البنية التحتية للذكاء الاصطناعي مع استثمار أكثر من 100 مليار دولار خلال العاىم الجاري. هذا وسيمكّن الذكاء الاصطناعي المبرمجين من التركيز على المهام الاستراتيجية وتوفير الوقت للمهام الأصعب.
تخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي وروبوتات الدردشة مليارات الأشخاص حول العالم كما تعرض الحكومات خططها لتطوير البنية التحتية المخصصة للذكاء الاصطناعي وتلبية متطلبات المستخدمين بما يتوافق مع خطة تحقيق التحول الرقمي الشامل والطلب المتزايد على الأدوات والأجهزة المدعومة من الذكاء الاصطناعي.
تحذيرات حقيقية بشأن الذكاء الاصطناعي والتدخل مطلوب للحدّ من التطور السريع وتجنّب الكارثة. فبين الخدمات المقدمة وأهمية اعتماد التقنيات الذكية لتسهيل حياتنا، يبقى الأهم تحقيق التوازن بين تسخير الذكاء الاصطناعي وحماية الأفراد من مخاطره. فاستناداً إلى آراء مسؤولين تنفيذيين في شركات ذكاء اصطناعي ورواد في مجال الأمن السيبراني، يشكل الذكاء الاصطناعي خطراً حقيقياً ولا يمكن التغاضي عن الأمر مع مخاوف من فقدان السيطرة على الأنظمة المتطورة. لهذا الأمر، من المهم اتخاذ الخطوات المطلوبة التي تهدف إلى مواجهة تهديدات التكنولوجيا بما في ذلك انتشار الذكاء الاصطناعي وفرض ضمانات تنظيمية وقيود لاستخدام الذكاء الاصطناعي وأجهزة الكمبيوتر دون تشكيل خطر على الأمن القومي والعالمي.