تجول السيارات الكهربائية طرقاتنا لتشكل جزءاً أساسياً من المدن الذكية وقطاع النقل المتطوّر. يتنافس صنّاع السيارات على تقديم أحدث الخدمات ضمن هذه المركبات التي تنقل القيادة إلى مرحلة جديدة أكثر ابتكاراً وراحة.
انتشرت محطات شحن السيارات الكهربائية في منطقة الشرق الأوسط وحول العالم كدافع لتحقيق الاستدامة. ومن شأن هذه المحطات أن تعكس رؤية الدول المستقبلية التي ترتكز على الحلول الصديقة للبيئة وتنويع مصادر الطاقة واعتماد السيارات الكهربائية بشكل أكبر للحدّ من الانبعاثات الكربونية والتحول إلى الاقتصاد الأخضر. في هذا السياق، اتخذت دول الخليج والمنطقة خطوات مهمة في هذا الاتجاه مع التوسع بمشاريع محطات شحن السيارات الكهربائية. لكن بعد هذه المحطات، ها نحن اليوم في حديثنا عن الشحن اللاسلكي الذي سيلغي استخدام الأسلاك المزعجة لشحن السيارات الكهربائية في المحطة لركن السيارة فقط في المكان المخصص حينما يحين وقت الشحن. تهدف الشركات المصنعة إلى تعزيز تجربة الشحن اللاسلكي التي لا تزال بمراحلها الأولى.
الشحن اللاسلكي وآلية العمل
يرتكز الشحن اللاسلكي على تحويل الطاقة إلى السيارة من خلال القوة المغناطيسية، فبمجرّد اقتراب السيارة من المحطة يتم توليد حقل مغناطيسي لاسلكياً إلى ملفات السيارة دون الحاجة إلى كابلات. إلى جانب العوامل الايجابية التي توفرها السيارات الكهربائية من محطات والشحن إلا ان التقنية المغناطيسية تخطّت الأمر وهي تعتبر اليوم من أهم الاساليب التي توفر سهولة كبيرة لمستخدمي السيارات الكهربائية الأحدث للتحول إلى الطاقة المستدامة والحدّ من الانبعاثات الكربونية السامة المضرة بالبيئة.
يوفر الشحن اللاسلكي الوقت مقارنةً بتوصيل الكابلات لشحن السيارة بالطرق التقليدية من المحطة، فضلاً عن جمال السيارة الخارجي حيث لا وجود لنافذة شحن ظاهرة. أما بالنسبة للمواقع المخصصة للشحن اللاسلكي فلا داعي لمحطات كبيرة فيمكن تثبيت آلية الشحن في أماكن عدّة بالأرض. تمثل السيارات الكهربائية التي تُشحن لاسلكياً مرحلة مهمة من تطور البنية التحتية الفعالة مما يوفر تجربة قيادة فائقة للمستخدمين الذين يواكبون نمو التكنولوجيا أيضاً بهذا المجال. ويرى الخبراء أنه من الممكن أن تمتد قنوات الشحن اللاسلكي في المدن والشوارع ومواقف السيارات العامة ليتمكن السائقون من شحن سياراتهم أثناء دوام عملهم مثلاً.
ما زال الشحن اللاسلكي بمراحل الاختبار على أن يتم طرح منصات لاسلكية للسيارات الكهربائية بشكل أوسع في السوق مع مطلع العام 2025. كما تفتح هذه التقنية فرصة جديدة تماماً للشبكة ولزيادة قيمة السيارة أيضاً، وقد أعربت شركة تسلا عن رغبتها بالتوسع بهذه الصناعة للتقدم بعملية الشحن اللاسلكي.
عقبات تعيق حلم التوسع اللاسكي
تواجه تقنية الشحن اللاسلكي عقبات وتحديات في مرحلة التجارب مما يؤخر موعد طرحها في السوق الاستهلاكي. على مستوى التمويل، تحتاج محطات الشحن اللاسلكي أموالاً طائلة لبنائها. كما تحتاج هذه التقنية إلى بنية تحتية خاصة بالشحن اللاسلكي والسيارات الكهربائية الحديثة فهي لا تتوافق مع البنية التحتية للسيارات التقليدية. من أجل ذلك، تعمل شركات التكنولوجيا بالتعاون مع المعنيين لتطوير البنية التحتية المطلوبة وتحديث كامل الطرقات وزيادة كفاءة عملية الشحن اللاسلكي ومساعدة السيارات على تحديد محطات الشحن اللاسلكي.
يتطلب الشحن اللاسلكي اعادة تحديث السيارات الكهربائية لتتوافق بطارياتها مع التقنية اللاسلكية وعبر تحميلها بجهاز استقبال الطاقة الذي يتلقى الترددات المغناطيسية بسرعة ودقة عالية. غياب الصيانة وارتفاع النفقات المرتبطة بهذه العمليات تعيق انتشار محطات الشحن اللاسلكي. كما تتأثر كلفة الشحن اللاسلكي للسيارات بحسب موقع الشحن وعادةً ما يكون الخيار في المنزل وهو يُعد المكان الأفضل والأكثر فعالية وحيثما تكون كلفة الطاقة في مثل هذه الأمكنة أقل من محطات الشحن العامة. كما تختلف فعالية الشحن بحسب طراز السيارة الكهربائية وقدرتها على استقبال سعة أكبر من الطاقة. وتشمل اللوازم المستقبلية زيادة الطلب على المهارات والكفاءات الشابة للعمل مع السيارات الكهربائية ومعرفة دمج التكنولوجيا فيها ومعالجة الثغرات التي قد تطرأ على المركبة والتي تختلف عن ثغرات المركبة التقليدية.
قد تستغرق بطارية السيارة الكهربائية وقتاً طويلاً للشحن لاسلكياً وذلك بحسب نوع البطارية وسرعة الجهاز اللاسلكي.
الخليج نحو السيارات الكهربائية
تتقدم دول الخليج بسوق السيارات الهجينة التي تعتمد على الكهرباء حيث اتخذت حكومات المنطقة خطوات جدية بهذا المجال للارتقاء بتجربة القيادة وخفض نسبة التلوث أيضاً. بحسب الدراسات، من المتوقع أن يصل حجم سوق السيارات الكهربائية 0.67 تريليون دولار في عام 2024 على مستوى العالم وإلى 1.39 تريليون دولار بحلول عام 2029. أما على مستوى دول الخليج، فقد يسجل حجم السوق في الامارات العربية المتحدة 5 مليارات بحلول عام 2029 بمعدل نمو سنوي بنسبة 31% خلال الفترة الممتدة من 2024 لغاية 2029. تتصدر الامارات قائمة الدول في استخدامها للسيارات الكهربائية فهي تعتبر بين الأعلى على مستوى عالمي من حيث عدد محطات الشحن الموجودة لديها والتي يبلغ عددها 240 محطة عامة تقع غالبيتها في دبي. وتعمل الهيئات المعنية في الامارات على تطوير البنية التحتية الرقمية في البلاد لمحطات الشحن مع توفير كلفة الوقود المطلوبة لها مع تشجيع السائقين على التوجه نحو السيارات الكهربائية واعتمادها بدلاً من السيارات التقليدية.
من جانبها، تعتزم قطر اعتماد السيارات الكهربائية على طرقاتها لتحقق أقل نسبة من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2030. ولهذا الهدف تعمل قطر على انشاء وتركيب نحو 100 محطة شحن للسيارات الكهربائية والتي كان من المتوقع أن تكون قد خفّضت التلوث في عام 2022 لنسبة 7% تقريباً.
من جهتها، تعتمد المملكة العربية السعودية أيضاً السيارات الكهربائية كجزء من خطتها لتحقيق الاستدامة والتنمية بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030. تستثمر المملكة العربية السعودية في إنشاء محطات شحن السيارات الكهربائية لتحويل العدد الأكبر من السيارات العادية إلى سيارات صديقة للبيئة على أن تحقق الحيادية الكربونية بحلول عام 2060 وخفض نسبة الانبعاثات الكربونية في الرياض إلى النصف بحلول عام 2030. وتسعى المملكة إلى اتمام عدد كبير من الشراكات منذ سنوات عدّة لدعم السيارات الكهربائية وتكثيف وجودها في العاصمة السعودية.
شروط انتشار السيارات الكهربائية
لا يمكن أن تتواجد السيارات الكهربائية أو أن ينشط سوقها الاستهلاكي في حال لم تتوفر بعض الشروط الأساسية على مستوى الشوارع والمدن وحتى الصناعة بالعموم. فيتعذّر على المدن غير المتطورة تكنولوجياً وتقنياً أن تخوض تجربة السيارة الكهربائية في شوارعها. تختلف السيارة الكهربائية عن السيارة التقليدية في الكثير من العوامل التي تجعلها تتفوق على السيارة العادية لذا يتطلب ذلك تأمين البيئة الحاضنة المناسبة.
على المستوى التشغيلي والصناعي، من المهم أن تتأمن في الشرق الأوسط محطات صيانة وآليات لفحص السيارات الكهربائية في حال حدوث أي عطل. كما من المهم تطوير المهارات واليد العاملة في المجال للتعامل مع أعطال السيارة الكهربائية ومع أنظمة البرامج الذكية الموصولة بالسيارة. علاوةً على ذلك، يجب أن تؤمن الدول التي يتزايد فيها الطلب على السيارات الكهربائية التراخيص المطلوبة لقيادة هذا النوع من السيارات وتسهيل الحصول على التصريح لتركيب عداد كهرباء لشحن السيارة. بالتوازي من المهم توسيع خطط انشاء محطات الشحن في مختلف المناطق ضمن البلد الواحد لخدمة كل السائقين بمرونة.
مع ارتفاع أسعار الوقود قد تكون السيارات الكهربائية العادية واللاسلكية محط أنظار معظم دول العالم التي تتجه بشكل شبه كامل نحو هذه التقنية. ولذلك يتوقع الخبراء أن تتزايد الابتكارات في هذا المجال حيث ستصبح السيارات الكهربائية المركبات الأكثر استخداماً عالمياً.
بحسب الخبراء، تمتلك شركات السيارات خططاً كبيرة لصناعة السيارات الكهربائية وتطويرها من الداخل والخارج مع تشدد الحكومات على تطبيق السياسة الخضراء أي اعتماد الحلول الصديقة للبيئة فضلاً عن التجربة المميّزة التي تقدمّها المركبة الكهربائية من سلاسة ومرونة وهدوء أثناء القيادة. ينمو سوق السيارات الكهربائية بثبات واعداً بثورة جديدة طويلة المدى في عالم صناعة السيارات، فهل نستغني عن المركبات التقليدية ونعتمد السيارات الكهربائية مدى الحياة؟