يحمل التحول الرقمي في طياته خدمات ومميّزات عدّة قلبت عالمنا رأساً على عقب في مختلف مجالات الأعمال. وتسعى مؤسسات اليوم إلى تطبيق الرقمنة بما يتوافق مع متطلبات السوق والعملاء وتحسين التجربة والارتقاء بالاداء. في ظلّ هذا الوضع، لم يتم التركيز على سلبيات التحول الرقمي ومخاطره التي تتطلّب استعداداً كبيراً لها للحدّ من تأثيرها.
ترتقي الحلول الذكية بأداء الخدمات وتساعد الشركات على اتخاذ القرارات الاستراتيجية المناسبة ورسم رؤية واضحة لتحقيق التطوير الشامل على المدى البعيد. كما تسعى مؤسسات القطاعين العام والخاص إلى زيادة الكفاءة التشغيلية من خلال رقمنة الآلات ودمج التكنولوجيا في مختلف التطبيقات. ورغم الايجابيات اللامتناهية، جانب مظلم للتحول الرقمي قد يؤثر سلباً على المستخدم والعملاء والشركات على حدّ سواء. تتمثل هذه السلبيات بمدى قدرات فريق العمل على التعامل مع التحولات السريعة، الحاجة إلى المهارات الشابة وفقدان الكفاءة المطلوبة، التكاليف الباهظة لتطبيق التحول الرقمي بكل جوانبه من دون تمييز. بالاضافة إلى معرفة كيفية ادارة البيانات وتحليلها بالشكل الصحيح دون المس بخصوصية المستخدم ودمج الأنظمة الذكية مع الأنظمة القديمة بمرونة وانسيابية. غالباً ما تكون المخاطر والتحديات والتكاليف المتصورة لاعتماد التكنولوجيا الحديثة عنصراً أساسياً يجعل من رجال الأعمال يتريّثون في ابتعادهم عن الأساليب التقليدية. ومع ذلك، يكون الحل الوحيد من خلال فهم معالم التحول الرقمي لمعرفة التصرّف مع المخاوف الناتجة عنه بشكل أفضل.
مخاوف وتحديات تترافق مع التحول الرقمي
تتعامل الشركات مع التطور السريع بكثير من الحذر لتتجاوز تحديات الرقمنة بنجاح. فما هي التحديات المترتبة والسلبيات التي يمكن التحدث عنها؟ على عكس ما يعتقد البعض، للتحول الرقمي تأثيره السلبي أيضاً وقد تكون نتائجه معاكسة في حال لم يتم التعامل معه كما يجب. من أهم التحديات التي قد تواجهها الشركات مع تطبيق التحول الرقمي زيادة التعقيد في مراحل العمل. فمع ابتعاد الشركات عن أساليب التشغيل التقليدية، يبدأ البحث عن أنظمة حديثة ذكية قد تكون أكثر تعقيداً مقارنةً بالقديمة. ويُحذر الخبراء من تبني حلول الرقمنة وتطبيق التحول الرقمي بشكل مجتزأ مما يزيد الأمر صعوبة. في هذا الإطار، يمكن تحديد تجزئة البيانات، على وجه الخصوص، باعتبارها واحدة من أكبر العوائق أمام التحول الرقمي. هذا لا يلغي الدور الايجابي للتكنولوجيا في تجزئة البيانات مع اعتماد الذكاء الاصطناعي لادارة البيانات آلياً ودمج التكنولوجيا الخاصة بها وبناء بنية تحتية أكثر تماسكاً.
ومن السلبيات التي يمكن الإشارة إليها:
الافتقار إلى المعلومات الكافية
يعتبر التحول الرقمي مفهوماً جديداً نسبياً، فلا تزال شركات عدة تفتقد إلى السياسة الخاصة لتوحيد التكنولوجيا في أعمالها وادراك كيفية تطبيق الرقمنة للاستفادة القصوى منها. هذا الأمر يحدّ من الابتكارات والانجازات على مستوى الأعمال ويمنع الشركات من ايجاد الحلول المطلوبة لتسيير الأعمال. لا يمكن توحيد التحول الرقمي، اذ لا يمكن لكل الشركات التكيّف مع هذا التحول أو التعامل معه بالطريقة نفسها بحسب الخطوات المعتمدة للوصول إلى النضج الرقمي الكافي وتحديد محركات القيمة الاضافية من الحلول الذكية.
التكاليف الباهظة
يعتقد العديد من رجال الأعمال ان التكاليف الباهظة لتحقيق التحول الرقمي أو تنفيذه هي أحد اهم أسباب فشل الرقمنة بحدّ ذاتها. فتحتاج الشركة إلى الاستثمار في أجهزتها الالكترونية وتشغيل برامج جديدة وتدريب الموظفين على كيفية استخدام الحلول الذكية والأداوت الرقمية. وفي حال غياب التمويل المطلوب، سيتعذّر على الشركة مواكبة التحولات هذه والدخول إلى الرقمنة من بابها العريض. بالإضافة إلى ذلك، قد يتطلب من الشركات إعادة تقييم عملياتها التشغيلية وإجراءاتها المتخذة الحالية لتتناسب مع خطط التحول الرقمي، فقد تكون هناك تكاليف كبيرة مرتبطة بالتقييم وإجراء التغييرات. لهذا الهدف، يمكن للشركات اعتماد سياسة مركزية التكنولوجيا وأتمتة العمليات وتحسين الادارة المالية وتوفير الخوادم المطلوبة لنقل الأعمال إلى السحابة مما لا يتطلب كلفة عالية. وكما هي الحال مع العديد من جوانب التحول الرقمي، يمكنك دائماً إعادة الاستثمار في الأصول الرقمية الجديدة والتكنولوجيا المتقدمة، مثل أطر عمل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، مع الوصول إلى مرحلة النضج الرقمي.
الفشل في تطبيق التحول الرقمي
كون تحول الشركات إلى الرقمنة وتطبيق التحول الرقمي الشامل يشكلان تحدياً فعلياً تكون احتمالية الفشل كبيرة. يخشى أصحاب الاعمال من الفشل في تحقيق التحول الرقمي والبحث عن طرق أسهل (بدلاً من المشاريع المعرضة للفشل) لتكون البديل في بعض الأحيان. ففي حال لم تسِرْ خطط التحول الرقمي كما يجب يمكن أن تتعرّض الشركة بسبب ذلك إلى خسائر مالية كبيرة تمتد تداعياتها لسنوات إلى الأمام. وفي الواقع تفشل معظم محاولات التحول إلى الحلول الرقمية في حال لم تكن الشركة وفريق عملها على استعداد لكل التحديات الممكنة مع ادراك متطلبات المرحلة المقبلة. لتجنّب الخسائر، يجب على فريق العمل تحديد الاقسام التي يجب رقمنتها والمهارات المطلوبة من أجل ذلك واختيار الحلول التكنولوجية على هذا الأساس وتعزيز ثقافة الرقمنة لدى الشركة.
الافتقار إلى المهارات الرقمية
قد تحتاج فرق العمل إلى ورش تدريبية لتعلم أسرار الحلول الذكية وكيفية استخدامها والتكيّف مع طرق العمل الجديدة. من ناحية أخرى، يخشى البعض من فقدان وظيفته مع تطبيق الرقمنة الكاملة حيث قد تحلّ الآلة مكان اليد العاملة البشرية. ويمكن أن يسبب ذلك اضطرابات لدى الموظفين وشعورهم بالتوتر مما سيؤثر على انتاجيتهم ومعنوياتهم. لتجنّب هذه المشاكل، يجب على الشركات اعتماد الشفافية في الخطوات التي تريد اتخاذها وتدريب الموظفين لديها للاستعداد لاعتماد التكنولوجيا لتكون وسيلة تسهّل عملهم وليس منافسة لهم. وقد يكون ذلك دافعاً للكثير من الموظفين، لتطوير مهاراتهم وتعلم مهارات رقمية جديدة، مما يوفر فرصاً أكبر للتقدم في سوق العمل.
زيادة عمليات الاختراق
أخطر التحديات التي يعززها التحول الرقمي زيادة عمليات الاختراق الالكتروني وانتهاك البيانات والهجمات السيبرانية. فمع زيادة حركة البيانات بين العملاء، تزداد احتمالية حدوث خروقات بشرية وتسرب البيانات. على ضوء ذلك، تحتاج الشركات إلى اتخاذ تدابير أمنية الكترونية للحفاظ على أمنها الرقمي. ومع ذلك، فإن شركات عدّة تندفع نحو الاستثمار بالأمن السيبراني للحدّ من المشاكل المذكورة. ففي عام 2024، وصل متوسط الكلفة العالمية لاختراقات البيانات إلى 4.88 ملايين دولار ومن المتوقع ان تبقى وتيرة هذه الهجمات تصاعدية في حال لم يتم التصدي لها بالشكل المناسب خصوصاً وان العالم الرقمي يعرّض المستخدمين إلى اختراقات يومية مع غياب تدابير الحماية اللازمة.
تحويل الصعوبات إلى خدمات
قد يكون تنفيذ التحول الرقمي مهمة معقدة وشاقة لبعض المؤسسات والشركات وخصوصاً تلك التي لا تتمتع بالمزايا المطلوبة لتبني التكنولوجيا الحديثة، لكن هذا لا يلغي أهمية الانتقال إلى الحلول الذكية للمنافسة في السوق المحلي والدولي. فمن خلال اتخاذ الاجراءات الواضحة لادارة البيانات والاستثمار الصحيح وتخزين المعلومات كما يجب، يمكن تحويل صعوبات التحول الرقمي إلى مميزات يستفيد منها الشركة والعملاء والموظفون على المدى الطويل.
لن يتوقف النمو والتطور السريع في ظلّ التقدم التكنولوجي المستمر، ومع ذلك، علينا الاستفادة من كل الخدمات المتاحة لنا بالطريقة الايجابية رغم كل الصعوبات المتمثلة لضمان تطور الأعمال وإتمام خطوات التحول الرقمي بالتوازي مع دعم البنية التحتية الرقمية ودمج الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وغيرها من التقنيات الحديثة لخدمة هذا التحول الضروري.