يقترب العالم الفضائي من حدود جديدة لم تعد بعيدة المنال، فمن المتوقع أن تبلغ قيمة اقتصاد الفضاء 1.8 تريليون دولار بحلول عام 2025 مع توسع نطاق التقنيات والحلول الذكية والأجهزة الالكترونية التي تعتمد على الأقمار الصناعية المدعومة من الذكاء الاصطناعي وفقاً للتقارير.
توجّه التقنيات الحديثة العلماء نحو عالم فضائي جديد كما توفّر لهم مجموعة واسعة من الخدمات. وفي هذا السياق، يؤكد المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية أن الذكاء الاصطناعي والتقنيات الكمية (Quantum Technology) بشكل خاص يشكّلان ثورة كبيرة وفعلية. فإلى جانب الشبكات وأجهزة الكمبيوتر، تضفي التقنيات الكمية تغييرات عدّة على قطاع الفضاء فهي تساهم بتحسين نوعية الصور والتواصل بين رواد الفضاء. على عكس أجهزة الكمبيوتر التقليدية، تعمل أجهزة الكمبيوتر الكمية على تحسين المسارات الفضائية لانجاز المهام الطويلة وتجنّب الحوادث والحدّ منها. وفيما يختبر السوق أهمية القطاع الفضائي تدرس شركات التكنولوجيا وغيرها قدراتها الحقيقية التي تؤهلها للتقدّم على سطح الأرض والاستثمار بالأقمار الصناعية واختبار تقنيات جديدة لتسيير العمل مما يؤهل الدول لأن تصبح مركزاً قائماً بحدّ ذاته لاقتصاد الفضاء. تقدم تقنيات الفضاء قيمة اضافية لمجموعة أكبر من الصناعات التي تُعيد هيكلة ذاتها. هذا بالاضافة إلى تأثير القطاع الفضائي على المجتمع وعلى أداء الهواتف الذكية والحوسبة السحابية بأكملها.
إقتصاد الفضاء أوسع وأكثر شمولية
وسط توقعات بارتفاع قيمة اقتصاد الفضاء خلال السنوات المقبلة قد يتجاوز بذلك نمو الناتج المحلي الاجمالي العالمي. في ظلّ النمو السريع، تظهر حاجتنا إلى حلول عملية للسيطرة على الأعمال انطلاقاً من تعزيز الاتصالات، والارتقاء بكيفية تحديد المواقع والملاحة والتوقيت. كما يلعب قطاع الفضاء دوراً حاسماً في خفض التحديات والحدّ منها وخصوصاً تلك التي تتجسّد بالكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية وتحسين الاستجابة إلى المتطلبات الانسانية وتوسيع نطاق الرقمنة لتشمل كل الخدمات في الفضاء وعلى الأرض.
مع تمكين مزيد من العمليات في الفضاء، ارتفع عدد الأقمار الصناعية المستخدمة والتي يتم اطلاقها سنوياً بمعدل 50%. هذا وتستثمر مجموعات أكبر بما فيها الجهات الحكومية وغير الحكومية في مجال الفضاء حيث بلغت الاستثمارات أعلى مستوياتها على الاطلاق وتجاوزت 70 مليار دولار بين عامي 2021 و2022.
تشير الدراسات إلى توسع نطاق تكنولوجيا الفضاء حيث ستستفيد سلسلة التوريد والنقل من الخدمات اللوجستية الأكثر كفاءة وفعالية وأقل كلفة. كما من المتوقع أن تستفيد قطاعات أخرى مثل الزراعة وتكنولوجيا المعلومات والتأمين والبناء من الإيرادات التي تقدر بمليارات الدولارات، وفعالية التكلفة والفوائد البيئية التي توفرها التقنيات المعتمدة على الفضاء. على العكس مما يعتقده البعض، يمكن أن يلعب كل قطاع على حدة دوره بتطوير قطاع الفضاء وأن يكون محركاً لاقتصاد الفضاء.
التقنيات الكمية والذكاء الاصطناعي إلى الواجهة
تتيح التقنيات الكمية وحلول الذكاء الاصطناعي فرصاً أكبر للتحكم بالبيانات والمعلومات المتنقلة بين الفرق الموجودة في الفضاء والمراكز على الأرض بشكل آمن وآني. كما تخدم التقنيات الكمية الاتصالات وعمليات رصد الاشارات في الفضاء ومراقبة أي من التغيرات المفاجئة حول الكوكب. أما من ناحية الأداء فيساعد الذكاء الاصطناعي في تقديم صور الأقمار الصناعية بكفاءة عالية وجودة أكبر. ويرى خبراء التكنولوجيا ان الأنظمة الذكية في مجال الفضاء تعد من أكثر القطاعات انتعاشاً في السنوات المقبلة وهي تلقى صداها حالياً.
يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل كمية كبيرة من البيانات التي ترسلها المركبات الفضائية حيث يتم نقل البيانات إلى مراكز العمليات على كوكب الأرض بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي. هذا وتقوم المركبات الحديثة بمناورات متتالية للتنقل الذكي آلياً مما يسمح لرواد الفضاء باستكشاف سطح الكواكب الخارجية بصورة أوضح وبشكل أوسع مع خفض كلفة المهام الفضائية.
وفي مسيرة التحول الرقمي، يبدو ان الأبحاث الاستكشافية انتقلت أيضاً إلى مرحلة جديدة من التطوّر مع بدء اعتماد الذكاء الاصطناعي في المهمات الفضائية. تكتسب وكالات الفضاء خبرة واسعة في كيفية دمج التكنولوجيا واستخدام الأنظمة والتقنيات الذكية لاستخراج المعلومات وتحليلها. لقد تجاوز الذكاء الاصطناعي دوره كمساعد بسيط ويلعب الآن دوراً مركزياً في استقلالية استكشاف الفضاء. هناك عدة طرق يتم من خلالها استخدام الذكاء الاصطناعي، يساهم كل منها في مهام أكثر تقدماً ونجاحاً:
تخطيط المهمة
يعد الذكاء الاصطناعي مهماً لانجاز العمليات المعقدة أو لتخطيط المهمة، حيث يساعد في تحليل كميات هائلة من البيانات لتحديد نوافذ الإطلاق الأمثل، حساب الاحتياجات من الوقود، اختيار أفضل المسارات للمسابير الفضائية.
توفير الملاحة المستقلة
يمكن للمركبات الفضائية المجهزة بقدرات الذكاء الاصطناعي أن تتنقل في الفضاء بشكل مستقل. كما تساهم الأنظمة الذكية بمعالجة البيانات المكانية في الوقت الآني، إجراء تعديلات على مسارات الطيران، الاستجابة للتغيرات في ظروف الفضاء دون تدخل الإنسان.
إتخاذ القرارات الصائبة
تفعيل قدرات الذكاء الاصطناعي على اتخاذ القرارات أثناء مراحل المهمة والحاسمة وخصوصاً في حال واجهت المركبة الفضائية موقفاً غير متوقع. كما تستجيب حلول الذكاء الاصطناعي إلى المشاكل الآنية وتعمل على حلّها.
التعلم الآلي لأنظمة الاتصالات
تعتبر خوارزميات التعلم الآلي مفيدة في تحسين أنظمة الاتصالات ونقل البيانات من الفضاء حيث يمكن التنبؤ بالاضطرابات في روابط الاتصالات الناجمة عن عوامل مثل النشاط الشمسي، اتخاذ خطوات لتقليل هذه الاضطرابات وضمان التدفق المستمر للبيانات العلمية المهمة إلى الأرض.
يتوسع أفق استكشاف الفضاء بسرعة مع تكامل تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتَعِد هذه التطورات بإعادة تحديد نهجنا في استكشاف الكون.
السياسات العربية لقطاع الفضاء
تحرص الدول العربية على أن تشكل جزءاً مهماً من نهضة قطاع الفضاء والمشاركة بتنظيم الاطار العملي الوطني كخطوة أولية لتوجية هذا القطاع في البلاد. وتهدف السياسات الوطنية المنصوص عليها الى التنسيق بين الجهات المعنية في القطاع الفضائي نظراً لايمان الدول بدور التكنولوجيا ومستقبل الفضاء ودوره بتعزيز الاقتصاد ونموه. لهذه الغاية، تعزز دول المنطقة والخليج الكفاءات المحلية المتخصصة بهذا المجال وتطوير القدرات المتوفرة وثقافة الابتكار.
ففي العام 2016، أصدرت الامارات العربية المتحدة السياسة الوطنية للفضاء لترسيخ مكانة الامارات اقليمياً وعالمياً. تهدف هذه السياسة إلى تطوير القطاع الفضائي وتعزيز المنافسة وتكثيف المهام الفضائية العلمية. كما توفر الامارات من خلال هذه السياسة بيئة آمنة للممارسات في الفضاء ودعم الاستدامة وريادة الدولة في مجال الفضاء. تأتي مشاركة رواد فضاء اماراتيين ضمن هذه السياسة لتجسيد جهود الدولة في هذا القطاع. فلغاية اليوم تجاوز حجم استثمارات الامارات في تكنولوجيا الفضاء 20 مليار درهم ويشمل ذلك تطوير الأقمار الصناعية وتزويد شركات الاتصالات بها، ودعم الرحلات الفضائية.
تُطلق بدورها المملكة العربية السعودية مبادرتها لتطوير قدراتها الفضائية واستخدام التقنيات الحديثة في هذا المجال لرصد علامات الاستشعار ومتابعة ملاحة الأقمار الصناعية وتأمين الاتصال الخارجي. تتوقع المملكة تجاوز نمو قطاع الفضاء محلياً المعدلات العالمية لتتراوح الزيادة السنوية المركبة بين 11% و13% بحلول عام 2025 مقارنةً بنسبة 9% على المستوى العالمي. وفي السياق نفسه، وصل حجم سوق الفضاء في المملكة العربية السعودية إلى 400 مليون دولار حسبما كشف تقرير صادر عن هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية السعودية.
وكذلك، برزت قطر في مجال الفضاء مع تزايد الاستثمارات في اكتشاف ما هو خارج كوكب الأرض ومن المتوقع أن يشهد هذا السوق مزيداً من النمو والتطور مما يوفر فرصاً كثيرة وتحديات في الوقت نفسه للاستمرار رغم المنافسة. وبالفعل، حفّزت خطط الحكومة القطرية قطاع الفضاء من خلال تعاونات ومبادرات مع شركات كبرى.
كما ترصد الكويت التغييرات القائمة لتعزز مكانتها في مجال الفضاء تأكيداً على الدور الحيوي لاكتشاف الفضاء والتكنولوجيا خارج كوكب الأرض. وتواصل دولة الكويت جهودها على الصعيد التقني من خلال انشاء مركز الكويت الوطني لأبحاث الفضاء، والذي يمثّل نقلة نوعية بمجال العلوم والتكنولوجيا الفضائية وخطوة استراتيجية لتعزيز مكانة الكويت كمركز اقليمي في هذا المجال المتطور. يدعم المركز الابتكارات وتطوير مشاريع الفضاء من خلال توفير البيئة المناسبة للباحثين ورواد الفضاء في الدولة. وكما كانت دائماً، لا تزال الكويت تؤكد دعمها الدائم للكوادر الوطنية وخصوصاً في مجالات العلوم والأبحاث والتكنولوجيا والرقمنة مواكبة العصر السريع. يأتي انجاز هذا المركز بعد اطلاق القمر الصناعي الكويتي الأول، كويت – سات 1 وهو ما يعكس إلتزام الكويت بتطوير قدراتها في مجال الفضاء. ويستقطب المركز الكفاءات والمهارات المحلية لتحقيق مزيد من الانجازات على المستوى المحلي والدولي لتعزز بذلك الكويت حضورها بين الدول المنافسة مما يفتح لها آفاقاً جديدة لتكون في الطليعة.
يبدو مستقبل الذكاء الاصطناعي في استكشاف الفضاء مشرقًا وواعدًا. فمع مواكبة الخطوات التكنولوجية، نذكّر أن كل اكتشاف يساهم في سرد أكبر للإبداع البشري والسعي الدؤوب لفك أسرار الكون.
لا شك ان اكتشافات الذكاء الاصطناعي تحتاج لمزيد من التطوير والتجارب المتتالية لتحسينها اذ أن قطاع الفضاء يتطلّب عمليات ادارية عالية المستوى والدقة لضمان نجاحها.