هل حدث لك أن شاهدت اعلاناً على مواقع التواصل الاجتماعي يرتبط بحديثك مع الأصدقاء؟ أم أن أحد التطبيقات اقترح لك ذات مرّة فكرة خطرت في بالك ولم يسبق لك أن بحثت عنها على الانترنت؟ هذا ليس سحراً. إنها الخوارزميات التي تتنبأ بسلوكنا وتحدد محتوانا على الشبكة.
يستند عمل المواقع الالكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي على الخوارزميات الخفية لتقديم المحتوى الأنسب وفقاً لاهتمامات كل مستخدم. وتستند الشركات إلى تحليل بيانات العملاء لتحسين التفاعلات والارتقاء باستراتيجية التسويق على الانترنت. تُعد الخوارزميات أداة حيوية لفهم ردود فعل العملاء خلف الشاشة وترتيب المحتوى على هذا الأساس. من تيك توك إلى يوتيوب وانستغرام، تراقب الخوارزميات ما نتابعه يومياً، إذ أن أكثر من 80% من المحتوى المشاهد على منصة يوتيوب يأتي بناءً على هذه الخوارزميات. تختلف اهتمامات المستخدمين بحسب فئتهم العمرية، فكلما أمضينا وقتاً أطول على مواقع التواصل الاجتماعي، كلّما تمكّنت الخوارزميات من رصد سلوكنا واحتياجاتنا بشفافية أكبر.
رحلة تطوّر الخوارزميات
تطوّرت الخوارزميات عبر الوقت لتمتلك قوتها اليوم وهي تقوم بمهام عدّة تستفيد منها الشركات لغايات متنوعّة. من المهام البسيطة إلى المشاكل الأكثر تعقيداً، تُحيط بنا الخوارزميات وتأثيرها الواسع عبر آلاف المواقع الالكترونية. يستخدم الذكاء الاصطناعي الخوارزميات للعثور على بيانات المستخدمين على شبكة الانترنت، وهي تجمع سلسلة من المعلومات عن حياتنا اليومية بناءً على نشاطنا المتكرر على مواقع التواصل الاجتماعي لتتوقع تفضيلات المستخدم وتقدّم له الاقتراحات الملائمة. كما يمكن للخوارزميات أن تحدد ما اذا كان المحتوى الذي نراه حقيقيا أو مزيّفاً لتشكّل مضمون العالم الرقمي. أكثر من أربعة آلاف شركة حول العالم أبرزها أمازون وميتا وغوغل، تعتمد على بيانات المستخدمين وتنقلها إلى الخوارزميات لتحليلها، فهي تعرف بذلك كمية كبيرة من المعلومات بتفاصيلها مهما اعتقدنا ان بياناتنا بأمان.
فبمجرّد البحث على محرّك غوغل، تنتقل بياناتنا إلى الشركة لتقوم من خلالها بتحديد استراتيجيتها التسويقية. كما تلعب ملفات تعريف الارتباط أو Cookies دوراً مهماً في عمليات المتابعة فهي تظهر للمستخدم على شكل نصوص صغيرة عند تصفّح أي موقع إلكتروني. تحتوي ملفات تعريف الارتباط أو سجلات التتبع معلومات مهمّة حول المستخدم مثل اسمه أو اللغة التي يتقنها أو مقرّه. تترك شركات الاعلان ومستخدمو الطرف الثالث سجلات تتبع لجمع بيانات المستخدمين، فما ان تتم الموافقة يمكن قراءة البيانات. لا يقتصر عمل ملفات التعريف على مراقبة المحرّك الرقمي للكمبيوتر بل سجلات المتصفّح والجهاز الذي يستخدمه أيضاً.
بعدما يتم تتبع سلوك المستخدمين، تضع الشركات ملفات تعريف الارتباط مقابل المال على مواقع عدّة في آن حيث يتم بعد ذلك انشاء ملفات تعريف شخصية وتوضع الاعلانات المخصصة. كما تُستخدم الخوارزميات في بعض الدول حول العالم لمراقبة المواطنين وتقييم سلوكهم.
في ظلّ التحول الرقمي السريع، يخشى خبراء التقنية تداعيات التقدّم هذا والذي قد يزيد المجتمعات تعقيداً وتوتراً مع دخول المعلومات المضللة وارتفاع عدد الهجمات السيبرانية والانتهاكات الالكترونية. كما يعتقد البعض الآخر من الخبراء ان الخوارزميات هي ليست إلا وسيلة للتحكم بالعالم على الانترنت بحجّة تحسين تجربة المستخدم والارتقاء بالخدمات. لكن الدراسات أكّدت ان شركات التكنولوجيا تمكّنت من ضبط العالم الرقمي إلى حدّ ما للحدّ من عمليات الاحتيال على المنصات الذكية.
تبني الخوارزميات واقعاً جديداً مدعوماً من الذكاء الاصطناعي بشكل غير مرئي. تجمع غوغل مثلاً أو فيسبوك عمليات البحث الخاصة بالمستخدم بدقة، فهي تتبع مكان مؤشر الفأرة على الشاشة لمعرفة ما يستوقفك. حتى المنشورات التي تقوم بكتابتها ومن ثم حذفها، تحتفظ بها المواقع الالكترونية لتحليلها. فكلما جمعت الشركات عدداً أكبر من البيانات، كلما زادت قوة الخوارزميات وهنا تكمن المخاوف فعلاً من سيطرة التكنولوجيا على حياتنا.
حروب الانترنت من نوع آخر
يواجه العالم نوعاً جديداً من الحروب القائمة على الأسلحة التقنية الذكية التي يصعب مواجهتها. تكثر المخاوف مع ارتفاع العدد الاجمالي لمستخدمي الانترنت حول العالم إلى 5 مليارات منذ بداية العام 2024 أي ما يعني تنشيط الخوارزميات أكثر بسبب ارتفاع عدد الحسابات المنشأة على المنصات الالكترونية. ويبقى السؤال: كيف تهددنا الخوارزميات وما مخاطرها؟
يؤثر تفاعلنا اليومي مع الخوارزميات على الانترنت على سلوكنا مع محيطنا مما ينعكس سلباً على القيم الاخلاقية والاجتماعية ويعزز صراع الأجيال. أما الخطر الأكبر فيكمن في احتمال وصول الأخبار الكاذبة والمضللة حيث تعمل الخوارزميات على تضخيم المعلومات التي يميل الأفراد إلى البحث عنها. على ضوء ذلك، تكثر التحذيرات من تداول المعلومات الأولية التي تصلنا على مواقع التواصل الاجتماعي وحرصنا على التأكد من كل خبر قبل نشره، فالخوارزميات توسّع مروحة المشاركة مما يمكن أن يُكوّن تصورات خاطئة لدى الرأي العام.
كما لفتت الدراسات إلى مخاطر الخوارزميات على رفاهية الأطفال الذين يستغرقون وقتاً أطول على الانترنت والذين يجذبهم المحتوى على الانترنت.
تهدد الخوارزميات أمن البيانات التي يجب حمايتها في ظلّ تبادل المعلومات الشخصية مع عدد أكبر من المواقع الالكترونية. لذا على المستخدمين اتخاذ بعض الاجراءات والتي تدور حول:
- تجنّب التعرّض للتهديدات الأمنية على الانترنت وعدم الدخول إلى روابط مزيّفة وغير موثوقة.
- مع تعدد الحسابات على الانترنت، يجب اعتماد كلمة مرور قوية وتحديثها بين فترة وأخرى.
- عدم مشاركة المعلومات الشخصية قدر الامكان على المنصات الاجتماعية والامتناع عن مشاركة صور وتواريخ خاصة أو مكان الاقامة للحدّ من استخدام المعلومات الحساسة لغايات تسويقية وغيرها.
- التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي بحكمة كبيرة والتأكد من المعلومات والملفات المرفقة وتحديث برامج الحماية باستمرار وعدم قبول أي من الشروط قبل الاطلاع عليها كاملةً.
تعزز الخوارزميات حضور المستخدم على مواقع التواصل الاجتماعي دون شك وتلعب دوراً حاسماً في تشكيل تجربة مميّزة في التسوق الرقمي والأعمال على الانترنت. ففي عام 2024، تعتبر الخوارزميات من أبرز اهتمامات شركات التكنولوجيا حول العالم حيث نجد من الضروري انشاء محتوى مخصص لجمهور معيّن وتحديد استراتيجية العمل على هذا الأساس لتحقيق نتائج فعالة وتعزيز التفاعل.
التداول الخوارزمي في المنطقة
تأخذ الخوارزميات حصتها من سوق التداولات في المنطقة. فالتداول الخوارزمي هو إحدى الاستراتيجيات المعتمدة مؤخراً من قبل المتداولين في الأسواق المالية، وهو يسهّل عمليات التداول ويعزز دقّتها لاتمام عمليات البيع والشراء بناءً على البيانات المشاركة وتحليل السوق.
تعتمد الأسواق المالية المحلية والعالمية على التداول الخوارزمي لاتمام عمليات عدّة بسرعة ودون تدخل بشري. ويُعد هذا النوع من أنجح استراتيجيات التداول فبإمكانه التماهي مع عدد أكبر من البيانات والمعلومات بالاضافة إلى تحليلها المتطوّر. تستند هذه التقنية الى البرمجة الحاسوبية المتطوّرة مع انتشار مفهوم التجارة الرقمية والتسوّق الالكتروني في البلدان العربية وحول العالم.
تُغيّر الخوارزميات لعبة المواقع الالكترونية فلم تعد منصات التواصل الاجتماعي مجرّد منصات محايدة بل أصبح الاعتماد عليها لتطوير الأعمال هي التي تأتي مدعومةً بخوارزميات فائقة الذكاء.
لا بدّ من اعادة النظر بمدى قدرتنا على التحكم بالانترنت وتحويل تركيزنا على المنصات نفسها التي تفرض سيطرتها على سلوكنا وتتابعه لحظة بلحظة. قد تكون الخوارزميات أساسية لترويج أي محتوى، فالأمر يرتكز على عدد "النقرات" لكن لا يمكن للتسويق الرقمي أن يحل مكان التفاعل البشري والاتصال الحقيقي مهما وصل بنا التطوّر في المراحل المقبلة.