في ثانية واحدة تدور العالم من أوروبا إلى أميركا وصلاً إلى الشرق الأوسط. إنها عمليات التشويش على نظام GPS التي تقودك من مكان إلى آخر على خريطة العالم. ووسط التوترات الجيوسياسية المحيطة، يشتكي الكثيرون من تعطل نظام تحديد المواقع لديهم ما قد ينتج عنه خسائر وخيمة على مستوى الأفراد والشركات والدول أيضاً.
تتعرّض ترددات نظام GPS لتشويش متكرر في الآونة الأخيرة حيث أكد الخبراء ان هذه العمليات سهلة جداً وتتم عبر تقنية تزوير النظام عبر ارسال اشارات مزيّفة. إلا أن تبعات هذه العمليات لا تقتصر على تضليل المستخدم فقط بل تشكّل خطراً كبيراً على الملاحة الجوية والمطارات بالدرجة الأولى. تعود نشأة نظام تحديد المواقع العالمي إلى عام 1957 ليصبح اليوم في عام 2024 ركيزة أساسية لتتبع التحركات والمواقع من أي مكان في العالم. كما يُعد نظام GPS عنصراً مهماً في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات ولتطوير التطبيقات الذكية التي تتطلب بيانات عدّة. بدورها تستخدم الأسواق المالية وشبكات الطاقة نظام تحديد المواقع لمتابعة نشاطاتها مع الوقت بدقة عالية.
التشويش المتعمّد يعطل الاتصالات وحركة التنقل
يتوقف الاتصال بين الأقمار الصناعية الخاصة بـGPS وأجهزة استقبال الترددات مع تشويش نظام تحديد المواقع العالمي مما يؤدي إلى عدم دقة في تحديد الموقع أو التعطّل الكامل لوظيفة التطبيقات. تتأثر حركة الملاحة البرية والبحرية والجوية مع تعطّل GPS مما يفاقم مخاوف الأمن والسلامة خصوصاً في رحلات السفر أو عمليات البحث والانقاذ.
ترتبط معظم أجهزتنا الذكية بنظام تحديد المواقع بدءاً من الساعات الذكية إلى الهواتف المحمولة وصولاً إلى الكمبيوترات في المؤسسات والشركات. تأتي هذه الأجهزة مزوّدة بمستشعرات لتتبع الحركة والمواقع وتحديد الاتجاهات. توفر أنظمة تحديد المواقع صورة شاملة عن حياة المستخدم وتحرّكاته اليومية وتستفيد الشركات من هذه المعلومات لتحسين خدماتها وتركيب الاعلانات. يعتبر مجال التسويق من أكثر القطاعات استفادةً من نظام GPS ، فعلى أساسه يتلقى المستخدمون اعلانات عن أماكن قريبة من مواقعهم.
أما عن الحكومات فتعتمد على بيانات المواقع لتحديد أماكن الأشخاص أثناء الطوارئ كالكوارث الطبيعية في الأماكن المكتظة سكانياً.
وكذلك يتأثر قطاع الاتصالات بشكل مباشر بعمليات تشويش GPS، إذ وسط الأحداث الأمنية التي تشهدها المنطقة مؤخراً تتخذ هيئات الاتصالات في دول الشرق الأوسط ومنها الأردن مثلاً، التدابير اللازمة للحدّ من التداعيات مع العلم انه لا يمكن استبدال نظام GPS بأي نظام آخر، فهو معتمد عالمياً.
على مستوى لبنان الذي يعاني المواطنون فيه من عمليات تشويش واسعة النطاق، ووفقاً لمصادر في وزارة الاتصالات "تم تفعيل تردد 2100 ميغاهرتز بديلاً عن تردد 900 ميغاهرتز الذي غالباً ما يتأثّر هذا التردد فور وجود تشويش على نظام الـ GPS في المنطقة الجنوبية".
وعن سلامة أنظمة الاتصالات في البلاد، أكدت مصادر من وزارة الاتصالات في لبنان أنه لا يمكن التعرّض لانظمة الاتصالات أو خرقها نتيجة التشويش كونه يعترض موجات تردد تؤثر فقط على جودة الاتصالات ولا يمكن التحكم بها.
لم تقتصر عمليات التشويش على الاتصالات فقط بل طالت مؤسسات مختلفة تعتبر مرافق حيوية ومنها مطار بيروت الذي يستخدم تقنية GPS لرحلات الطائرات.
بدورها، قدمت وزارة الاتصالات في لبنان شكوى حول تشويش خدمة المواقع لدى العديد من المستخدمين على كافة الأراضي اللبنانية. فمنذ أكتوبر، تتعرض الترددات المرتبطة بتطبيقات تحديد المواقع العالمية للتشويش. نتيجة لذلك، يبحث لبنان امكانية استبدال العمل على نظام GPS بنظام آخر.
بالاضافة إلى المخاطر الأمنية، تُنذر عمليات التشويش المتكررة بخسائر تُقدر بملايين الدولارات على الشركات والمؤسسات التجارية سنوياً. أما عن حق الشكوى في حال حدوث هكذا عمليات، فيحق لأي دولة تتعرض أنظمة GPS لديها إلى الانتهاك اللجوء إلى الاتحاد الدولي للاتصالات، المنظمة الدولية المشرفة على تكنولوجيا الاتصالات وطيف الراديو.
إقرأ المزيد: مخاطر جديدة في نظام تحديد المواقع العالمي (GPS): اختراق الوقت يهدد أنظمة شركات الطيران
من يستخدم GPS؟
يتكون نظام تحديد المواقع العالمي من 100 قمر صناعي لمزامنة شبكات الاتصالات وتحديد التوقيت بدقة. كما تزيد الأقمار الصناعية من كفاءة نظام GPS حيث يُعد النظام العالمي للملاحة عبر الأقمار الصناعية، نظام ملاحة قياسياً يحمل خدمات متنوعة لدقة أكبر وهو مستخدم في الطائرات والسيارات ذاتية القيادة والهواتف الذكية التي نستخدمها يومياً.
تطورت هذه التقنية مع الوقت فهي تتيح دمج نظام GPS مع تقنيات التموضع على الهاتف المحمول لتبادل معلومات حول الواي-فاي مثلاً مما يرتقي بتجربة الاتصال في البيئات المكتظة سكانياً.
تُستخدم اليوم أنظمة تحديد المواقع على مستوى عالمي ولا سيما في المدن الذكية التي تكثر فيها الخدمات والنشاطات على الانترنت. عززت أنظمة GPS حركة التنقل عالمياً من خلال ترابط الواقع بالعالم الافتراضي. أما مع دمج الذكاء الاصطناعي في تطبيقات GPS وغيرها من أنظمة الملاحة فانتقلت التجربة الرقمية إلى مستوى آخر مع تحليل الاستشعار وتوفير تطبيقات تفاعلية تتميّز بالذكاء واستجابتها السريعة للمستخدم لتحديد الموقع بسرعة.
إقرأ المزيد: تشويش نظام GPS وتهكيره... حرب من نوع آخر
مصادر التشويش وسبل الحماية
تنتج عمليات التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي من الأجهزة غير المشروعة أو غير المصرح بها على الانترنت، يتم استخدامها لتعطيل ترددات التطبيقات وتضليل اشارات أنظمة GPS. تجنباً لذلك، تأخذ الهيئات التنظمية والحكومات تدابير بحق المخالفين لمصادرة الأجهزة غير القانونية. ويعتبر المعنيون أنه يجب التأكد من موثوقية كل الأجهزة الالكترونية المتداولة لتفادي عمليات الاختراق على أنواعها خصوصاً للمخاطر التي تشكلها انتهاكات نظام GPS على برامج الدولة وأمن مؤسساتها. في هذه الحالة يبقى الأهم تطبيق الخطوات المطلوبة للحماية الرقمية وتجنّب التهديدات المحتملة. تتمثل استراتيجية الحماية بالخطوات التالية:
- تفعيل المصادقة الثنائية: يجب تنفيذ تقنيات مصادقة اشارات نظام GPS لحماية البيانات والمعلومات الحساسة على الانترنت.
- استخدام الأنظمة البديلة في حال وجودها: في حال التشويش على نظام GPS يمكن استخدام الأنظمة البديلة لتيسير حركة الملاحة البرية والبحرية والجوية.
- تطبيق العقوبات الصارمة من قبل الدولة والجهات المعنية.
- تحديث البرمجيات: يُعد تحديث البرمجيات على الهواتف المحمولة والأجهزة الالكترونية من أهم الخطوات لمنع تداخل الترددات.
لا تقتصر التهديدات على الأفعال العسكرية أو الانتهاكات البشرية، بل يمكن أن تُعطل العواصف الشمسية التي قد تضرب الأقمار الصناعية المتصلة، عمل أنظمة GPS.
من المتوقع أن تصل قيمة السوق العالمية لنظام تحديد المواقع إلى 302 مليار دولار بحلول عام 2029 مع تزايد الأجهزة الذكية المرتبطة بالانترنت وتوجهنا نحو الخدمات الرقمية لتسهيل حياتنا. في ظلّ الواقع الجديد، توفر الشركات امكانات أكبر للتحكم بالتطبيقات المطوّرة لحماية البيانات الشخصية وضمان حماية المستخدم. مع استمرار تطور التكنولوجيا لن تتوقف عمليات التشويش والتدابير الاستباقية هي الحل الأمثل. فهل التهديد دائم على المنصات الالكترونية؟