تشهد مختلف القطاعات عمليات سيبرانية خطيرة وما زالت لغاية اليوم تحت تهديد الجهات المقرصنة المحترفة. فبعد تطور أساليب سرقة المعلومات على الانترنت، أخذت عمليات الخروقات أشكالاً عدّة وقع ضحيتها ملايين المستخدمين حول العالم. فكم بلغت كلفة هذه الخروقات في منطقة الشرق الأوسط وبعد مرور منتصف عام 2024؟
بحسب التقارير الأخيرة، وصل اجمالي كلفة البيانات للمؤسسات في الشرق الأوسط نحو 32 مليون ريال سعودي خلال العام الجاري بزيادة 10% عن العام السابق.
تتخذ شركات الاتصالات تدابيرها لتحقيق الأمن الرقمي والخصوصية مع تعرّض برامجها لهجمات متقدّمة تتعطّل بنتيجتها الأعمال والعمليات التشغيلية. وفي نظرة إلى الواقع، يتخوّف الخبراء من ارتفاع عمليات خرق البيانات في منطقة الشرق الأوسط وحول العالم مما يؤكد حاجة أنظمة الحماية وبرامج أمن سيبراني متطوّرة تستجيب إلى عمليات الانتهاك الأكثر تعقيداً.
عناصر أخرى تزيد تكاليف الخروقات السيبرانية في المنطقة تبدأ مع نقص في المهارات الرقمية والمتخصصين في الأمن السيبراني حيث تبحث الشركات كيفية تعزيز خططها الأمنية للحفاظ على بياناتها ومعلوماتها. تتكلّف الشركات خسائر كبرة نتيجة الخروقات السيبرانية سنوياً تصل إلى ملايين الدولارات مع تنوع أشكال الهجمات بين الاحتيال المالي، والتصيّد الالكترونية وخرق البيانات والبريد الالكتروني.
يستهدف قراصنة الانترنت شركات عالمية للاستيلاء على بياناتها ويعتبر كل من غوغل وفيسبوك وأمازون من أكثر العلامات التجارية عرضةً للهجمات الالكترونية والتصيد الاحتيالي. ويستهدف القراصنة بشكل خاص كلمات المرور وأسماء المستخدمين مع أكثر من 4 ملايين محاولة للوصول إلى مواقع التصيّد الرقمي حول العالم. أما في المرتبة الثانية فكانت لفيسبوك مع 3.7 ملايين محاولة اختراق للمستخدمين بينما جاءت أمازون في المرتبة الثالثة مع 3 ملايين محاولة اختراق. هذا فضلاً عن الحوادث الرقمية الأخرى التي تنجم عن الروابط المزيّفة والثغرات الرقمية.
الذكاء الاصطناعي والأمن الرقمي لحماية المجتمع
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز الأمن السيبراني في الشركات والحكومات وعلى متسوى الأفراد أيضاً، لكن لا يخلو الأمر من بعض التحديات. في عصر التحول الرقمي السريع، تعتمد الحكومات في جميع أنحاء العالم بشكل متزايد على التكنولوجيا لتخزين ومعالجة وإدارة كميات هائلة من البيانات الحساسة. فرغم فوائد التحول الرقمي، من حيث تحقيق الكفاءة وإمكانية الوصول للمعلومات، فإنه يعرّض أيضًا المؤسسات الحكومية لعدد لا يحصى من تهديدات الأمن السيبراني. ومع تزايد الهجمات السيبرانية من حيث التعقيد والتكرار، أصبحت حماية البيانات الحكومية أمراً مهماً ليس فقط للأمن القومي ولكن أيضا للحفاظ على ثقة الجمهور. ويظهر الذكاء الاصطناعي (AI) كأداة قوية في هذه المعركة المستمرة، حيث يقدم حلولاً مبتكرة لتعزيز تدابير الأمن السيبراني وحماية المعلومات الشخصية والسرية.
تعد المؤسسات الحكومية أهدافًا رئيسية للهجمات الإلكترونية نظرًا لطبيعة البيانات الحساسة التي تحتفظ بها. من المعلومات الشخصية للمواطنين إلى وثائق الأمن القومي السرية، يمكن أن يتسبب الهجوم المحتمل الناجم عن الاختراق الناجح بكارثة.
رغم أهميتها إلا أن تدابير الأمن السيبراني والحماية الرقمية وحدها غير كافية على نحو متزايد في مواجهة التهديدات المتطورة حالياً. وتكافح الدفاعات الثابتة والأنظمة القائمة على القواعد لمواكبة الطبيعة الديناميكية للهجمات الإلكترونية الحديثة. وهنا يأتي دور أنظمة الكمبيوتر المدعومة من الذكاء الاصطناعي، حيث تقدم حلولاً ذكية وقابلة للتكيف من خلال تحليل شامل للبيانات باستخدام خوارزميات متطورة ومن ثم وسائل التصرف بسرعة عند اكتشاف الثغرات لتعزيز الأمن السيبراني في المؤسسات وعلى مستوى المجتمع.
يأتي الذكاء الاصطناعي بقدرات ومميزات جمّة تشمل قدرته في الكشف عن التهديدات السيبرانية استباقياً والحماية منها. يمكن لأنظمة الكمبيوتر المدعومة من الذكاء الاصطناعي تحليل عدد هائل من البيانات في الوقت الآني وتحديد التهديدات. كما يمكن لخوارزميات التعلم الآلي التكيف مع أنواع جديدة من الهجمات، وتحسين معدلات الاكتشاف وتقليل النتائج الإيجابية الخاطئة.
إلى جانب ذلك، يستجيب الذكاء الاصطناعي للحوادث الرقمية، مما يسمح باحتواء المشكلة قبل أن تتسبب في أضرار جسيمة. تعتبر سرعة الاستجابة هذه أمراً بالغ الأهمية في الحدّ من التأثيرات السلبية للهجمات السيبرانية. هذا ويمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بالتهديدات المستقبلية المحتملة، مما يسمح للوكالات الحكومية بتعزيز دفاعاتها بشكل استباقي.
التحديات
في وقت يوفر الذكاء الاصطناعي امكانات واسعة النطاق في مجال الأمن السيبراني يشير الخبراء إلى سلسلة من التحديات التي تواجههم في اعتماد هذه التكنولوجيا أفضل استخدام. يثير الذكاء الاصطناعي مخاوف كبيرة بشأن المعلومات والبيانات التي يعالجها ويخزّنها ويجب على الحكومات أن توازن بين حقوق الأمن الرقمي والخصوصية.
ولا تزال فجوة المهارات تشكل واحدة من أبرز المشاكل حيث هناك نقص كبير في المتخصصين ذوي الخبرة في كل من الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني. ويتعين على الحكومات أن تستثمر في التدريب والتوظيف لبناء رأس المال البشري اللازم. ولا بد أن نذكر الاعتبارات الأخلاقية التي يثيرها استخدام الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني الحكومي والاجتماعي لا سيّما حول المراقبة واستخدام البيانات والحدود المناسبة لاتخاذ قرارات الذكاء الاصطناعي في السياقات الأمنية.
من جهتها، تستفيد الجهات الفاعلة الخبيثة أيضًا من الذكاء الاصطناعي لشن هجماتها المعقدة. ويمثل سباق التسلح المستمر هذا تحدياً مستمراً. فللاستفادة الكاملة من الذكاء الاصطناعي في مجال الأمن السيبراني مع بناء ثقة الجمهور، يجب على الحكومات والجهات المعنية تطوير سياساتها لاستخدام الذكاء الاصطناعي ومعالجة الثغرات الرقمية بموثوقية وشفافية. الاستثمار في تعليم المهارات وتعزيزها في مجال الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة في العمل. ويبقى التعاون مع خبراء القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية للبقاء في طليعة ابتكارات الأمن السيبراني للذكاء الاصطناعي أمراً بالغ الأهمية بالاضافة إلى الاستثمار في البحث والتطوير لأنظمة الذكاء الاصطناعي لاتخاذ القرارات الضرورية.
جدال مستمر حول مسألة الأمن الرقمي والحماية السيبرانية يتناولها المجتمع والحكومات في ظلّ العصر الرقمي. من هنا يبقى ضمان حماية البيانات أمراً محورياً والاستخدام المسؤول للتكنولوجيا تعزيزاً للعالم الرقمي الآمن. فالخروقات لن تتوقف والتهديدات في الفضاء الالكتروني واسعة ولا تحصى.