لطالما كان اكتشاف الفضاء مسألة تشغل الانسان وتثير فضوله بدءاً من الوصول إلى سطح القمر وصولاً إلى اكتشاف الكواكب الأخرى. ويستمر العلماء بمساعٍ دائمة لرصد التطورات المحيطة على الأرض أو في الغلاف الجوي أو في الفضاء.
نقل الذكاء الاصطناعي عمليات اكتشاف الفضاء إلى مرحلة جديدة من الكفاءة والابتكار والسرعة وتختلف أدواره من تحليل البيانات إلى صيانة المركبات الفضائية واستكشاف الكواكب. يمكن للمركبات الفضائية المدعومة بالذكاء الاصطناعي التنقل بمرونة واتخاذ القرارات دون أي تدخل بشري. فهي تعمل بشكل مستقل وهذا ما يُعد بالغ الأهمية في مجال الفضاء لمراقبة الكواكب عن كثب دون توقف ومتابعة الأقمار البعيدة في وقت قد تستمر فيه عملية الاكتشاف لدقائق أو لساعات أو حتى لأسابيع. هذا وتستخدم مركبات الفضاء الذكاء الاصطناعي لتحليل المناخ وتسهيل الطرق المعتمدة للرحلة بالاضافة إلى مزيد من الخدمات توفرها الحلول التقنية لمسار العمل.
هل تبدّلت الحركة الجوية بعد الذكاء الاصطناعي؟
تولد البعثات الفضائية كميات هائلة من البيانات، بدءًا من الصور عالية الدقة وحتى قراءات أجهزة الاستشعار والقياسات العلمية. يتفوق الذكاء الاصطناعي في معالجة مجموعات البيانات الكبيرة وتحليلها، وتحديد الأنماط، واستخلاص رؤية واضحة يستفيد منها رواد الفضاء.
كما يمكن للأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تحليل البيانات من التلسكوبات والأقمار الصناعية والمركبات الجوالة لتحديد الأجسام الخارجية، واكتشاف أي جسم غريب آخر، وحتى التنبؤ بالأحداث الفلكية. ويُستخدم الذكاء الاصطناعي في الفضاء أيضاً لاكتشاف الآلاف من الكواكب الخارجية من خلال تحليل منحنيات الضوء من النجوم البعيدة، وتحديد الكواكب المحتملة من خلال التغيرات.
يلحظ رواد الفضاء فوائد الذكاء الاصطناعي بهذا المجال مع لمس النتيجة المباشرة فمن المتوقع أن يصل سوق الذكاء الاصطناعي للفضاء الجوي إلى أكثر من 4 ملايين دولار بين عامي 2023 و2028.
كما يلعب الذكاء الاصطناعي دوره في صيانة المركبات الفضائية واصلاحها خصوصاً خلال المهام الطويلة: يمكن للخوارزميات مراقبة صحة الأنظمة الذكية التي تعمل من خلالها المركبة الفضائية والتنبؤ بالأعطال المحتملة وتحديد طرق المعالجة والتدابير الوقائية لرحلات أكثر أماناً.
يُحسن الذكاء الاصطناعي الكفاءة التشغيلية حيث يساهم بتخفيض استهلاك الوقود بالاضافة إلى خدمات أكثر دقة تستفيد منها الخطوط الجوية ووكالة الفضاء لعمليات أكثر مرونة وسلاسة مقارنةً بالعمليات التقليدية. كما يحلل الذكاء الاضطناعي عيّنات من الأجسام المتواجدة في الفضاء أو على الكواكب الخارجية كما يحدد الكواكب الصالحة للعيش. وتجمع الآلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي مزيداً من المعلومات عن الكواكب لتوضيح الصورة أمام رائد الفضاء.
تشير وكالة ناسا إلى الثورة الرقمية التي أحدثها الذكاء الاصطناعي باكتشاف الفضاء وجعل عدّة مبادرات قائمة بين عمالقة التكنولوجيا وناسا لتجهيز المركبات بكل الأنظمة الذكية المطلوبة والسماح لها بالتنقل بشكل مستقل بين تضاريس الفضاء دون تعرّض أي من الأشخاص إلى الخطر.
وصمم على ضوء ذلك رواد فضاء آلية لمساعدة رواد الفضاء البشر في المهام الخطيرة أو في الأماكن التي يعد تكوينها صعباً. فقد تم تصميم رائد الفضاء الآلي Robonaut المجهز بأجهزة الاستشعار المتقدمة والمدعومة بالذكاء الاصناعي لانجاز مهام متنوعة وبشكل مستقل. كما يمكن للروبوت الآلي الفضائي التكيّف مع الظروف المناخية الصعبة مهما كانت سيئة على أي من الكواكب الخارجية لزيادة القدرات البحثية واكتشاف القسم الأكبر من الفضاء الواسع. يتمتع Robonaut بمزايا عدّة مقارنة بالبشر مثل أجهزة الاستشعار المتقدمة والسرعات العالية والتصميم المدمج والمرونة العالية. يأتي الروبوت الفضائي مزوداً بكثير من التقنيات فهو مؤلّف من أجهزة تعمل باللمس، وكاميرا عالية الدقة، وأنظمة أشعة تحت الحمراء، ويمكنه القيام بحركة الأصابع والإبهام بسلاسة.
كما يمكن للأنظمة الروبوتية المجهزة بالذكاء الاصطناعي اصلاح الثغرات في الفضاء في وقت يشكل فيه هذا الأمر تحدياً كبيراً وخطراً على رواد الفضاء. ففي العام 2004، قامت شركة ناسا بتجهيز مركبة فضائية ذاتية القيادة وارسالها إلى المريخ مدعومة بنظام التعلم الآلي.
مع الثورة الرقمية أصبح الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء والتعلم الآلي من التقنيات الأساسية بمجال الفضاء واكتشاف الكواكب حيث تعزز الحلول المتقدّمة عملية البحث والتطوير. وتستخدم ناسا الذكاء الاصطناعي لتصميم أجهزتها الشبيهة بالهياكل العضوية، هي أخف وأقوى وأسرع في التطور مقارنة بالتصميمات التقليدية. لا تعمل التكنولوجيا على تحسين وموثوقية المركبات الفضائية فقط فحسب، بل تسمح لوكالات الفضاء بالاستعداد للمهمة بشكل أفضل.
الانتهاكات الرقمية تطال الفضاء؟!
يتواصل تواجد التكنولوجيا في الفضاء مع تطور التقنيات الذكية التي تجمع بين السرعة والدقة العالية. من الأجهزة الذكية إلى الروبوتات ذاتية التحكم، توصّل الانسان إلى درجات بعيدة في الاكتشافات بعمليات أكثر كفاءة. لكن هل يحمل تطور الذكاء الاصطناعي تحديات في الفضاء الخارجي؟
نظراً إلى ما وصل إليه اليوم وما سيكون عليه في المستقبل، يحمل الذكاء الاصطناعي بوجوده خدمات مثيرة ان على مستوى الملاحة الجوية أو على مستوى هبوط المركبات الفضائية خارج كوكب الأرض. أما عن تحديات الذكاء الاصطناعي الفضائي فتشمل الحاجة إلى تطوير الأنظمة المستخدمة بشكل مستمر بما يتماشى مع أخلاقيات التكنولوجيا ويحفظ خصوصية وأمن النشيطين على الشبكة.
أما البرامج الأكثر تعقيداً فتتطلب مهارات رقمية عالية الكفاءة لتحسين التجارب واتمام الرحلة الفضائية بنجاح ودقة. وتستلزم التكنولوجيا في الفضاء تحليلات ذكية دقيقة يتابع من خلالها رواد الفضاء حركة المركبة خارج غلاف الأرض. وبالنسبة للروبوتات المستخدمة فهي تحتاج لصيانة دائمة تضمن سرعة التنفيذ.
وتتعرض أنظمة تحديد المواقع العالمية GPS إلى اختراقات الكترونية توقفها عن العمل مما يؤكد أهمية تحقيق الأمن السيبراني الفضائي إلى حدٍ كبير. ويمكن للقراصنة الوصول إلى الأقمار الصناعية ما يخلق حالة من الارتباك. على ضوء ذلك، تُنسّق وكالات الفضاء استراتيجياتها للحدّ من الاختراقات الالكترونية على الأقمار الصناعية وضمان الاتصال وترقب الهجمات قبل حدوثها والعمل على حلّها بأقل ضرر ممكن.
فإن فقدان الاتصال بالعالم الخارجي أو توقف الذكاء الاصطناعي يعرّض خدمات الأقمار الصناعية والخدمات الفضائية إلى الخطر ويهدد الأمن الرقمي فالأنظمة الفضائية عرضة إلى الهجمات السيبرانية وللثغرات الأمنية يومياً رغم تعقيدها.
ومع المنافسة العالية في هذا السوق، تواجه الشركات في المجال تحديات كبيرة بكيفية مواكبة أحدث الممارسات والالتزام بأنظمة الحماية وتجديدها. تختلف الهجمات بين عمليات التسلل على أقمار صناعية تابعة لدولة أو لشركة خاصة وهذا ما يرفع مستوى الخطر في الفضاء.
فعند الوصول إلى أحد الأقمار الصناعية، يمكن للمتسللين خرق البيانات والمعلومات لاظهار قراءات غير دقيقة عن الرحلة الفضائية أو عن حركة المركبة. كما يمكن تسريب معلومات مضللة لتحريك الرأي العام أو تثير الريبة والذعر في النفوس. فضلاً عن ثغرات الذكاء الاصطناعي المفاجئة التي تعزز حدوث هجمات فيتطلب من رواد الفضاء والخبراء خبرة عالية في هذا المجال لمعالجة كل المشاكل الممكنة.
مرحلة جديدة في استكشاف الفضاء نحن على استعداد لها مع المركبات الفضائية التي يتم اطلاقها اليوم وهي مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتتحمل كل الظروف الصعبة.
يتجاوز دور الذكاء الاصطناعي هذا الحدّ فهو سيسمح بإنجاز مهمات كبيرة مع دمج الروبوتات باليد العاملة لنقل معلومات قيّمة إلى الأرض لدفع التقدم في هذا المجال من وإلى الكواكب الأخرى.