يبحث العلماء في آفاق التكنولوجيا وما وصلنا إليه من تطوّر على الأصعدة كافة. فقد منحت هذه الابتكارات فرصاً لظهور تقنيات جديدة غيّرت واقعنا لغاية اللحظة. وبقدر الخدمات التي توفّرها، طرحت التكنولوجيا تساؤلات كبيرة قد تكون الاجابة عليها ليست في القريب العاجل.
غيّرت التقنيات الحديثة مفهوم الأعمال وساهمت في تنسيق التطبيقات مع احتياجات المستخدم وأتمتة البيانات وتحليلها. وغالباً ما أصبح التفاعل بين الواقع الحقيقي والواقع الافتراضي من أساسيات النشاط على الانترنت مما يجسّد دخول الانسان إلى العالم الرقمي بواسطة أجهزة الكترونية متكاملة تمثّل سهولة الاندماج مع التطوّر وانعكاس ذلك على حياتنا اليومية. لكن ماذا عن الحوسبة المكانية والمميزات التي تحملها منذ انطلاقها في العام 2003؟
تدمج الحوسبة المكانية بين العالم الرقمي والعالم المادي لتغطي بيئتنا في الواقع الافتراضي والمعزز. كما تدمج الأجهزة الالكترونية الحوسبة المكانية مع الواقع المادي بمرونة من خلال سماعات الرأس والنظارات الذكية التي أطلقها عمالقة التكنولوجيا في السنوات الأخيرة تأكيداً على امكانية تفاعلنا مع الكائنات الافتراضية الرقمية في الواقع ان كان من خلال الألعاب الالكترونية أو التطبيقات الذكية.
تقنية خلاّقة بمتناول اليد
فتحت الحوسبة المكانية آفاقاً لمرحلة جديدة في عالم الشاشات الذكية حيث لم يعد المستخدم محدوداً ضمن اطار معيّن بل يمكنه الاستفادة من كل المساحة المتاحة له بدقة وعبر تقنية ثلاثية الأبعاد. كما يمكن للمستخدم فتح عدد من الشاشات وتثبيتها رقمياً والتحكم بحجمها والتنقل بينها بحركة النظر.
كما يمكن اتمام المهام من خلال الصوت والحركة عن بُعد مما غيّر طريقة التفاعل مع محيطنا وارتقى بمستوى الألعاب الالكترونية والتطبيقات الذكية بعيداً عن الطرق التقليدية.
تحمل النظارات الذكية تقنية الحوسبة المكانية ليكون المستخدم جزءاً من العالم الافتراضي وينتقل نحو عالم المستقبل بظرف ثوانٍ قليلة. في ظلّ هذا الواقع، تعتبر الشركات ان التركيز الأكبر اليوم سيكون على تقنيات الحوسبة المكانية والعالم الافتراضي بالدرجة الأولى لدخول المنافسة على مستوى الشركات حول العالم.
تدفع شركات التكنولوجيا بتقنية الحوسبة المكانية لما لها من مميزات ستحملها لنا في المستقبل ولما ستشكلّه للانسان أيضاً. أما استخدامات الحوسبة المكانية فتتنوع بين:
ورش التدريب والتعليم: توفر الحوسبة المكانية تجربة مميّزة في هذا المجال فهي ترفع مستوى التفاعل بين المستخدم والآلة وتعزز المهارات الشابة. وتعتمد الحوسبة المكانية في هذا المجال لربط العالم الافتراضي بالعالم المادي.
الألعاب الالكترونية: تدعم الالعاب الالكترونية تقنية الحوسبة المكانية لتجربة مميّزة تزيد من تقارب الكائنات الافتراضية بمرونة. بواسطة الحوسبة المكانية يدخل المستخدم إلى العالم الافتراضي عبر حركات الجسد والإيماء للتحكم بالصورة والحركة في اللعبة.
الهندسة المعمارية: يستعين المهندس بالحوسبة المكانية لرسم خريطة افتراضية للمشروع كنموذج أولي وتعديله كما يشاء وتصويره من كافة الجهات. كما يمكن اختبار كل وظائف هذا النموذج مع المختصين.
القطاع الصحي: تساعد الحوسبة المكانية في تشخيص الأمراض وعلاجهم بسرعة ودقة حيث يستخدم الاطباء الشاشات الافتراضية والتطبيقات الذكية للتحقق من حالة المريض واتخاذ القرار بشأن ذلك.
البيع بالتجزئة: تعزز الحوسبة المكانية تجارب التسوق الرقمي انطلاقاً من العالم الافتراضي حيث تعرض الشركات منتجاتها على التطبيق ويمكن للمستخدم التفاعل معها مباشرةً.
نجاح تخترقه التحديات
تحمل الحوسبة المكانية خدمات قد تتفوّق على العالم الواقعي وهي تدخل حياتنا تدريجياً من نوافذ عدّة لتحتل مساحة كبيرة في المرحلة المقبلة. ونظراً إلى الواقع الذي نعيشه باتت التكنولوجيا ترتبط بكل جوانب حياتنا حيث تدخل التقنيات الذكية والبرمجيات في نشاطاتنا اليومية. ينعكس ذلك بشكل مباشر على الايرادات والأرباح والأداء على مستوى الشركات بينما تؤثر على تجربة المستخدم الرقمية من ناحية أخرى لتفرض عليه بيئة جديدة بمعالمها المختلفة ومميزاتها المتنوعة.
رغم النجاح والأمل، تحمل الحوسبة المكانية تحديات عدّة تتمثّل بالتكلفة العالية لتطبيق برامج الحوسبة المكانية وتكلفة الأجهزة التي تدعم هذه التقنية والتي قد تصل إلى آلاف الدولارات. بعيداً عن المخاطر المالية، قد تعرّض الاجهزة الاكترونية الذكية وكثرت استخدامها الانسان إلى اضطرابات نفسية خطيرة وتبعده عن المجتمع المحيط به ليتعلّق بالعالم الرقمي الذي يجده أمامه بأعلى دقة وبأفضل الوسائل.
أما من ناحية مضمون الأجهزة الالكترونية المستخدمة والمدعومة بهذه التقنية، فقد تتعرّض لعطل في البطارية نتيجة الاستخدام المكثف لها وقد تتطلب بعد ذلك ساعات طويلة من الشحن مما يهدر من قوة البطارية بشكل كبير. انما شركات التكنولوجيا تعمل على مواجهة هذه الثغرات مع التصميم على خفض كلفة الأجهزة الذكية ومواصلة نمو هذا القطاع وتعزيز القدرة التنافسية.
وبينما تكثر الوعود خلف هذه التقنية، من المتوقع أن يصل حجم سوق الحوسبة المكانية إلى 705 مليارات دولار بحلول عام 2033 بنمو سنوي مركب نسبته 21% انطلاقاً من العام الجاري بعدما وصل حجم السوق إلى 101 مليار دولار في عام 2023.
تأتي هذه الأرقام نتيجة الطلب المتزايد على التجربة المميزة والرغبة في اختبار التكنولوجيا الحديثة بكل توجهاتها ومواكبةً للبنية التحتية الرقمية الداعمة للأجهزة الالكترونية والبرمجيات على أنواعها، بالاضافة إلى توجه رواد الأعمال إلى الاستثمار بالشركات الناشئة الداعمة لهذه التقنية وغيرها في مجال التكنولوجيا.
تفتح الحوسبة المكانية آفاقاً جديدة بين العالم الرقمي والعالم المادي حيث يستثمر عملاقا التكنولوجيا: مايكروسوفت وغوغل في هذا السوق. على الخط نفسه، من المتوقع نمو سوق قطاع الواقع المختلط بمعدل سنوي مركب بنسبة 23%.
إن الحوسبة المكانية ليست مجرد قفزة تكنولوجية بل تمثل نقلة نوعية في كيفية تفاعلنا مع المعلومات الرقمية وهي تعتبر جزءاً من الثورة الصناعية. تفتح هذه التقنية تجارب كانت في يوم من الخيال وأصبحت اليوم بمتناول اليد مرفقةً بتطور تقني عالي المستوى سيغيّر حياتنا بشكل جذري على الصعيدين المهني والشخصي فلا عودة إلى الوراء.