شهد قطاع الاتصالات على مدار السنوات الأخيرة تحولات عدّة رفعت من أهميته ليكون محطّ اهتمام المستثمرين والخبراء والشركات المتأثرة بالعصر الرقمي. ومع النمو السريع، تظهر التقنيات الحديثة وأبرزها الذكاء الاصطناعي للارتقاء بمختلف القطاعات وخصوصاً قطاع الاتصالات وشبكاته.
رغم تطوّره، لا يزال قطاع الاتصالات يشهد تحديات كثيرة تتطلب حلولاً مبتكرة لضمان النمو المستدام والقدرة على التنافس. ووسط مشهد ديناميكي، برز الذكاء الاصطناعي كتقنية أساسية لحلّ المشاكل المعقدة. تستفيد شركات الاتصالات من امكانات هذه التقنية لتحسين الخدمات وعملياتها التشغيلية في مختلف نقاط الاتصال إلى جانب تحسين تجربة العملاء وتعزيز كفاءة الاتصال. وقد بلغت قيمة الذكاء الاصطناعي في سوق الاتصالات حوالى 1.34 مليار دولار في عام 2023 على أن ترتفع هذه القيمة إلى 42 مليار دولار بحلول عام 2033. يعكس هذا مسار النمو الذي تتخذه هذه التقنية في مجال الاتصالات لتحقيق نقلة نوعية في أداء الشبكات ودفع تقدّمها وتحقيق نتائج مميّزة ووصول شركات الاتصالات إلى أهدافها الاستراتيجية.
الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لرفع جودة الاتصالات
ينتشر الذكاء الاصطناعي بشكل كبير ليبرز دوره في تحسين الأعمال وتطوير الأنظمة الداخلية لأي شركة فما تأثيره على أنظمة الاتصالات إذاً؟
يرفع الذكاء الاصطناعي كفاءة الاتصالات ويوفر خدمات أفضل للمستخدمين ويلبي احتياجاتهم في مختلف المناطق.
تحسين الأداء العام: يُستخدم الذكاء الاصطناعي في العمليات التشغيلية والصناعية وفي توجيه حركة البيانات المتزايدة وتوقع الثغرات المحتملة وخفض نسبتها. كما يُسرّع الذكاء الاصطناعي مراحل الثورة الرقمية لاعتماد الحلول الذكية وهذا ما يؤكده مشغلو شبكات الاتصالات بعد التوجه المتزايد نحو هذه التقنية توازياً مع انتشار الجيل الخامس وانترنت الأشياء وتوسّع التقنيات الجديدة الهادفة إلى تطوير قطاع الاتصالات على المستويات كافة.
تحسين أداء الشبكة: يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل كمية هائلة من البيانات في الوقت الآني مما يُتيح امكانية تحسين أداء الشبكات ومعالجة المشاكل بشكل استباقي. كما يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد حركة البيانات ومراقبتها بشكل مستمر. ويستفيد مشغلو الاتصالات من هذه التقنية لتعزيز عمليات الصيانة والكشف عن الثغرات استباقياً.
الارتقاء بخدمة العملاء: تتعامل الأنظمة الخاصة بالذكاء الاصطناعي مع عدد كبير من العملاء حيث بإمكان روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي الاجابة على كل التساؤلات وتقديم كل الدعم المطلوب.
تعزيز أمن الشبكات: مع تزايد التهديدات السيبرانية، يبرز دور الذكاء الاصطناعي وأهميته في هذه الحالات لحماية شبكات الاتصالات من البرامج الضارة والاستجابة إلى التهديدات المتطورة قبل حدوثها.
تحسين الموارد: تستخدم شركات الاتصالات التقنيات المدعومة من الذكاء الاصطناعي لتمكين عملياتها ومواردها بما في ذلك النطاق العريض والبنية التحتية للشبكة. فبالاضافة إلى تحسين أداء الشبكة، يساهم الذكاء الاصطناعي في خفض التكاليف وتحديد الاستراتيجيات لتلبية الطلب المتزايد على الاتصال عالي السرعة والتطبيقات ذات النطاق الترددي العالي.
أتمتة الشبكة: تستعين شركات الاتصالات بتقنيات أتمتة الشبكة المدعومة من الذكاء الاصطناعي أيضاً على تسهيل عمليات الشبكة والحدّ من الأخطاء البشرية. كما تراقب هذه التقنية والروبوتات أداء الشبكة لتوسيع نطاق الاتصالات وتحسين جودة الخدمة وتعزيز سرعة نقل البيانات بمرونة تلبيةً لمتطلبات العملاء المتغيرة باستمرار.
تطوير المهارات: يرتبط نمو شركات الاتصالات وتطوّرها بمدى كفاءة العاملين فيها ومواكبتهم للتحولات الديناميكية. ويلعب الذكاء الاصطناعي دوراً في تعزيز ثقافة الموظفين حيث يوفر لهم رؤية مستقبلية عن العمل المنتج. ورغم أنها لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن شركات الاتصالات تخصّص اليوم ورشاً تدريبية لتلبية حاجة الموظفين وتعزيز قدراتهم وتنمية مهارتهم على المستوى الداخلي.
حصة كبيرة للذكاء التوليدي في قطاع الاتصالات
لا يمكن التغاضي عن ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي في مختلف المجالات والتقدّم الذي أحرزه خلال السنوات الماضية. يلعب Generative AI أو الذكاء الاصطناعي التوليدي دوراً كبيراً في قطاع الاتصالات لدعم العمليات التشغيلية الحالية والابتكارات المستقبلية. وبفضل هذه التقنية، تفتح شركات الاتصالات فرصة جديدة لتحسين مستوى الشبكة والارتقاء بالخدمة والتميّز عن سائر الشركات التي لا تزال تعتمد النهج التقليدي.
لكن ما هي الآلية الأنسب لدمج الذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي التوليدي في قطاع الاتصالات؟
تقيّم شركات الاتصالات واقع السوق وحاجاته مع تحديد احتياجاته وفقاً لفئة العملاء المستهدفة، وبناءً على ذلك يمكن تحقيق قيمة أكبر من الذكاء الاصطناعي حيث تُحدد مجالات العمل وعمليات الاتصالات التي تحتاج إلى تدخل الذكاء الاصطناعي. كما يشمل ذلك تحسين الشبكة وخدمة العملاء وخفض التكاليف ورفع مستوى الأمن والأمان واعتماد خطة تسويقية مناسبة.
هذا ويُعد جمع البيانات وتحليلها من أهم الأدوات لترتيب عمل الذكاء الاصطناعي وضمان انسجامه مع شبكة الاتصالات بعد اعتماده حالات استخدام محددة.
مقابل ذلك، لا بدّ من التركيز على كيفية تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي بشكل دوري المصممة لتلبية شبكات الاتصالات وصيانتها. ويشمل ذلك التحقق من الأداء واجراء تقييم مستمر على مدار السنة.
ويقول الخبراء في هذا الاطار، إن الذكاء الاصطناعي يعزز قدرات الشبكات الاستيعابية مع توفير الوقع والجهد.
تحديات وعقبات
يطرح الذكاء الاصطناعي ودمجه في قطاع الاتصالات تحديات عدّة وعقبات مختلفة تتمثل بقدرة الشركة في الحفاظ على الشفافية في عملياتها والتعامل مع البيانات بهذه الطريقة أيضاً.
هذا بالاضافة إلى نقص المهارات المطلوبة والخبرة في تطوير الذكاء الاصطناعي ونشره مما يؤخر تبني هذه التقنية وسواها في الاتصالات.
كما يعتبر تعقيد الشبكات من التحديات الأساسية التي تواجهها شركات الاتصالات التي تحتاج إلى بروتوكولات خاصة تلبي عملية دمج الذكاء الاصطناعي. وتسعى الشركات إلى توافق الأنظمة التقليدية القديمة مع الأنظمة الجديدة لضمان تفاعل العملاء وتطوير البنية التحتية للشبكة بما يتوافق مع السوق.
ومن المشاكل الأساسية التي تعاني منها الشركات في هذه الحالة، كيفية تجنّب المخاوف التي يثيرها الذكاء الاصطناعي والتأكد من استخدامه بشكل مسؤول وعدم استغلال البيانات لأي غاية سيئة تضر بأمن العملاء وخصوصيتهم. كما تأخذ في الاعتبار مسألة ارتفاع تكاليف الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية والتحول الرقمي حيث يتوقع مشغلو الاتصالات زيادة النفقات على الاتصالات ودمج التقنيات فيها حول العالم لتبلغ قيمتها مليارات الدولارات في وقت تواجه فيه بعض شركات الاتصالات أزمة مالية دقيقة.
ورغم التحديات، يَعِدُ الذكاء الاصطناعي بكثير من التطورات في مجال الاتصالات تهدف إلى رفع مستوى المعايير التشغيلية. كما تتوقع الشركات انتشار التقنيات وخصوصاً المدعومة بالذكاء الاصطناعي في مجال الاتصالات للمساعدة في التجربة الداخلية وتلبية الحاجات في الوقت الآني.
بينما تدرك شركات الاتصالات الدور الحيوي الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي، تساعد الخبرة العالية في هذا المجال على الاستفادة من كل التقنيات بشكل فعال لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. أما لنجاح الذكاء الاصطناعي في قطاع الاتصالات بالتحديد فيتطلب ذلك اتباع نهج شامل من كل النواحي لتحقيق التكامل التكنولوجي.
يعيد الذكاء الاصطناعي اعادة تشكيل مشهد قطاع الاتصالات مما يمثّل تقارباً بين نجاح شبكات الاتصالات والتقنيات على أنواعها ويتيح امكانات أكبر لكفاءة الشبكة وموثوقيتها. كما يعتبر الذكاء الاصطناعي مصدراً أساسياً للايرادات ويتمثّل ذلك في تسهيل العمليات الداخلية وتأمين الخدمات لما يتناسب مع متطلبات العملاء والسوق المحلي.
في هذا الوقت تحسّن شركات الاتصالات أداءها مع تطوير تطبيقاتها الرقمية وإرساء أنظمة مثل التعلم الآلي والتنبؤ الذكي إلى جانب تحسين جودة شبكة الهاتف المحمول والحدّ من المشاكل الممكنة.
يمهّد الذكاء الاصطناعي لتحول كبير في الابتكارات الرقمية كما يدعم شبكات الاتصالات انطلاقاً من الجيل السادس وصولاً إلى ادارة الخدمات وتقديم تجربة استثنائية تتوافق مع الثورة الرقمية وتوكب الاتجاهات التكنولوجية المستقببلية أيضاً، فإن شبكات الاتصالات قبل الذكاء الاصطناعي ليست كما بعده.