تقدّم وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية مساحة واسعة لعرض الاعلانات الرقمية واستهداف فئات المجتمع على اختلافها. وغالباً ما ترتكز الشركات على توجهات الانترنت لتنظيم استراتيجية التسويق الخاصة بها بما يرضي متطلبات السوق.
مع تواصل التطوّر، أخذت الاعلانات شكلاً مختلفاً حسب الوسيلة المعتمدة للنشر. فبعدما كانت لفترة طويلة تُبث عبر التلفاز أو الراديو أو القنوات التقليدية الأخرى أصبح الاهتمام بعصر الصوت والصورة ضرورياً وحضور الحلول التكنولوجية عنصراً مهماً لنجاح الحملة التسويقية. برزت أهمية الاعلانات الرقمية توازياً مع تضاعف عدد مستخدمي الانترنت حول العالم إلى ما يقدر بنحو 2.6 مليار شخص. بحسب دراسة نشرها موقع ستاتيستا، من المتوقع أن يصل الإنفاق العالمي في سوق الإعلان الرقمي إلى 740.3 مليار دولار في 2024، وأن يصل متوسط الإنفاق الإعلاني لكل مستخدم إلى 63.7 دولاراً. كما تضع دول الخليج والشرق الأوسط بصمتها في هذا المجال لتتصدّر سوق الاعلانات الرقمية. ولأن استخدام الانترنت بات يومياً ولمهام عدّة، سيكون 70% من اجملي الانفاق العالمي على الاعلانات الرقمية مخصصاً للهواتف المحمولة بحلول عام 2028.
سوق الاعلانات الرقمية بين التقلّبات والعودة إلى النمو
يعاود سوق الاعلانات الرقمية للنمو من جديد بعد فترة قاسية مرّت بها الشركات نتيجة انتشار وباء كورونا عام 2019 والركود الاقتصادي العالمي. وقد أعلنت كل من شركة غوغل وميتا عن نمو ايراداتهما التي تجاوزت معدلات غير مسبوقة لتعاود نتيجة ذلك بناء استراتيجيتهما الاعلانية والاستثمار بالتقنيات الحديثة لتمكين نظام الاعلانات ورفع قيمة العلامة التجارية رغم تحديات السوق.
في هذا الاطار، أعلنت شركة يوتيوب عن ارتفاع ايراداتها بنسبة 21% لتصل إلى 8.09 مليارات دولار. كذلك ارتفعت أسهم سناب بنسبة 28% بعد زيادة ايراداتها بنسبة 21% إلى 1.19 مليار دولار، وهو أقوى نمو خلال عامين.
يبدي رجال الأعمال اقبالهم على الاستثمار بالاعلانات عبر الانترنت التي تظهر ازدهاراً واعداً خلال المرحلة المستقبلية.
لكن هل تهدد الاعلانات الرقمية أمن المستخدمين وخصوصيتهم؟ وهل ترفع من الاختراقات الأمنية؟ عن هذا الأمر يُجيبنا مؤسس والرئيس التنفيذي في شركة Revotips، مستشار أمن المعلومات والتحول الرقمي، رولان أبي نجم: "بطبيعة الحال، ترفع الإعلانات الرقمية احتمال الاختراقات الأمنية نظراً لاستخدام كمية كبيرة من البيانات الشخصية حيث تعتمد الإعلانات الرقمية على جمع وتحليل البيانات لتقديم محتوى مخصص وموجه للفئات المستهدفة. لذلك تنشأ مخاوف حول الخصوصية وأمن المعلومات حيث قد يتعرض المستخدمون للاختراقات إذا لم تتبع الشركات معايير الأمان اللازمة، مثل التشفير واستخدام بروتوكولات أمان متقدمة.
وأضاف: "كما يمكن للجهات الخبيثة استغلال الثغرات الأمنية في المنصات الاعلانية للوصول إلى البيانات الحساسة للمستخدمين، مما يزيد من خطر الاختراقات. لذا، يجب على الشركات الالتزام بالمعايير الأخلاقية والتنظيمية لضمان حماية بيانات المستخدمين".
أما عن استغلال الشركات للبيانات لتحسين اعلاناتها فيقول أبي نجم: "تستغل الشركات البيانات لتحسين إعلاناتها من خلال تحليل سلوك المستخدمين واهتماماتهم. تُجمع هذه البيانات عبر التفاعل مع الإعلانات والمواقع الإلكترونية والتطبيقات المختلفة. يتم تحليل البيانات لتحديد الأنماط والاتجاهات السلوكية، مما يساعد في تصميم حملات اعلانية موجهة بدقة. على سبيل المثال، يمكن للشركات استخدام البيانات لتحديد أفضل الأوقات لنشر الاعلانات وأفضل القنوات للوصول إلى الجمهور المستهدف. كما يمكنهم تخصيص المحتوى الإعلاني ليتناسب مع اهتمامات كل مجموعة من المستخدمين، مما يزيد من فعالية الإعلان ويعزز معدل التفاعل. وأشار: "بالإضافة إلى ذلك، تساعد البيانات في قياس أداء الحملات الاعلانية واجراء التعديلات اللازمة لتحسين النتائج بمرور الوقت. من خلال استغلال البيانات بشكل فعّال، تستطيع الشركات تحسين استراتيجياتها الإعلانية وتحقيق عوائد أفضل على الاستثمار".
مميزات تتمتع بها الاعلانات الرقمية
لم تتفوق الاعلانات الرقمية على الاعلانات التقليدية من لا شيء بل هي تحمل مميزات عدّة يستفيد منها كل من الشركات والعملاء على حد سواء. تتيح الاعلانات الرقمية للشركات بالدرجة الأولى التوسع في السوق المحلي والدولي وتحليل متطلبات العملاء من خلال البيانات المتشاركة والوصول إلى الجمهور المستهدف بطريقة أسرع وبمرونة أكبر.
لا ينحصر الاعلان الرقمي بوسيلة واحدة فقط بل يمكن توزيعه بين الهواتف المحمولة وكافة أنواع الأجهزة الالكترونية المتصلة بالانترنت مما يتيح تجربة اعلانية فائقة. تتجه الشركات إلى الاعلانات الرقمية اليوم مواكبةً بذلك عصر التحول الرقمي. بل وأكثر من ذلك، يتنوع شكل الاعلانات الرقمية بين الاعلانات بالصوت والفيديو والاعلانات الصوتية ويمكن أن تُعدّل بها الشركات ساعة تشاء. كما يمكن استخدامها بمحركات البحث اليومية مثل غوغل التي تجذب العملاء مع آلاف عمليات البحث اليومية أو اعلانات "بانر" التي تظهر على المواقع الالكترونية والتطبيقات الذكية. هذا بالاضافة إلى المنشورات الاعلانية أو القصص القصيرة على انستغرام أو التسويق عبر البريد الالكتروني.
تدعم منطقة الشرق الأوسط والخليج الاعلانات الرقمية خصوصاً الدول التي تعزز مكانتها الرقمية وتعمل بجهد لرسم صورة جديدة للتواصل وطرح الأفكار والابتكارات. فبحسب الدراسات، تتفوق الامارات العربية النتحدة والمملكة العربية السعودية في هذا المجال حيث تزيد الشركات المحلية انفاقها على الاعلانات الرقمية نظراً لمميزاتها وأهميتها لضمان استمرارية الأعمال خلال السنوات المقبلة في ظلّ النمو التكنولوجي. وفي هذا الاطار، من المتوقع أن يصل حجم انفاق الامارات في سوق الاعلانات الرقمية إلى 1.132 مليون دولار خلال العام الجاري مع تطوير استراتيجية التسويق الرقمي على الانترنت. كذلك الأمر للمملكة العربية السعودية التي تنشط بمجال الاعلانات ومن المتوقع وصول سوق الاعلانات الرقمية في المملكة إلى 1.796 مليون دولار في عام 2024.
الذكاء الاصطناعي ودوره في هذا المجال
كما في سائر القطاعات، يُعيد الذكاء الاصطناعي هيكلة الاعلانات الرقمية مع اعادة تشكيل الاستراتيجية المطلوبة وتحديد الخطوات للنمو. يعزز الذكاء الاصطناعي التفاعل المباشر بين العلامات التجارية والعملاء لتحسين وقع الحملات الاعلانية وضمان انتشارها. في السنوات الأخيرة، حقق الذكاء الاصطناعي تغيّرات كبيرة في مجال الاعلان الرقمي من خلال تشغيل التطبيقات وتحديد الاعلانات وتحسين جودة المحتوى.
تستثمر الشركات بالذكاء الاصطناعي للتعامل مع أكثر التطبيقات تعقيداً لاختيار التوقيت والمحتوى للجمهور المستهدف. كما تُغيّر هذه التكنولوجيا قواعد اللعبة مع تحليل مجموعة أكبر من البيانات وتحديد سلوك العملاء حيث يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي التنبؤ باهتمامات المستخدم وتفضيلاته عبر نقاط اتصال عدّة.
إقرأ المزيد: المحتوى الإصطناعي والذكاء المزيّف: خطر على المنصات الرقمية
هذا ويسهّل الذكاء الاصطناعي عملية الشراء من خلال الاعلانات الرقمية بكفاءة وفعالية بالاضاقة إلى البحث الصوتي والمرئي للتواصل مع العلامات التجارية في الوقت الآني. يضمن استخدام الذكاء الاصطناعي للشركات تحسين انفاقها على الحملات الاعلانية وبالتالي تحقيق أرباح كبيرة في المقابل.
رغم الايجابيات، لا تزال المخاوف قائمة حول احتمال اختراق خصوصية الأفراد من خلال الحصول على البيانات. تحت هذه الضغوطات، تحاول الشركات العمل ضمن الأطر التنظيمية والاخلاقية التي تضمن حقوق المستخدم وتحافظ على خصوصيته. كما على المستخدم أيضاً مسؤولية أيضاً تتمثل بكيفية استخدامه لهذه المواقع وتفاعله مع الاعلانات الرقمية ومشاركة بياناته مع مواقع موثوقة.
ويعزز روبوت الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي نجاح الاعلانات الرقمية من خلال الاجابة على أسئلة العملاء وتسهيل عملية الشراء وزيادة المبيعات. لا شك أن صناعة الاعلانات الرقمية ليست كما بعد دخول الذكاء الاصطناعي الذي سمح بتطوير القطاع وأحدث ثورة في التفاعلات بين المستخدم والعلامة التجاربة واعادة تعريف معايير الاعلانات الناجحة في ظلّ منافسة عالية.
لذلك تستعد الشركات للمرحلة المقبلة ولتطوّر الاعلانات الرقمية مع الوقت من خلال التقنيات الناشئة والممارسات الأخلاقية على الانترنت.
استراتيجية بناء الإعلان الرقمي
خطوات مهمة يجب اتباعها لتصميم اعلان رقمي ناجح بتأثيراته وفكرته ومضمونه:
اختيار الهدف من الاعلان: تحديد الهدف من نشر الاعلان الرقمي على المواقع الالكترونية والفكرة التي يتضمنها.
اختيار نوع الاعلان: متى تم تحديد الفكرة يجب تحديد النوع الذي سيعتمد عليه هذا الاعلان بين الوسائل المرئية أو المسموعة أو الفيديو. استناداً إلى ذلك، يتم تنظيم خطة العمل.
اختيار الجمهور المستهدف: يرتبط نجاح الاعلان الرقمي بتحديد الفئة العمرية والمجتمعية المستهدفة بالدرجة الأولى. فإذا كان الاعلان يطال الفئة الشابة، فيتم الاتجاه تحو التطبيقات الأكثر استخداماً من قبل هؤلاء (انستغرام، يوتيوب، فيسبوك، تيك توك) لنشر الاعلانات عبرها. أما اختيار محرك البحث غوغل فهو الأنسب لايصال الاعلان لمجموعة أكبر من العملاء على اختلاف تواجدهم حول العالم.
التركيز على البيانات: ترتكز الشركات على البيانات وتحليلها لتحسين الحملة التسويقية وفهم متطلبات المستخدمين. إذ، يتم اطلاق حملة تجريبية ومراقبة ردود الفعل تجاهها وعلى هذا الاساس يتم وضع الاستراتيجية الأنسب.
تحدد الاعلانات الرقمية آفاقاً جديدة للشركات الناشئة والتجارة الالكترونية بشكل عام حيث باتت أكثر انتشاراً وطلباً من قبل العملاء. ومن خلال هذه الاعلانات تحدد الشركات هويتها الاعلانية لتعريف نفسها للمعلنين والأفراد والوصول إلى الجميع دون استثناء. وبينما تستمر التكنولوجيا في التطوّر ستواصل الاعلانات بالتحول في الشكل والمضمون مدعومة بأحدث التقنيات لتجربة فائقة عبر مختلف القنوات.