أثبتت المملكة العربية السعودية ريادتها على مستوى التنافسية الرقمية تجسيداً لرؤية المملكة 2030. وقد حققت خلال السنوات الأخيرة انجازات عدّة في مجال التقنية والتحول الرقمي دفعت اقتصادها إلى الأمام وساهمت بتقدّم الأعمال وتعزيز الاستدامة.
تقدّم المملكة اليوم أكثر من خدمة رقمية وسحابية من خلال المبادرات المستمرة تحت عنوان دعم التحول الرقمي والاستراتيجية الرقمية. وتركّز الشركات والاستثمارات في المملكة على التقنيات الناشئة ايماناً منها بدور التكنولوجيا في تحويل المجتمع السعودي وتحقيق أعلى قدر ممكن من الابتكار والتطوّر لمواجهة التحديات والضغوطات على أنواعها. وتقف خلف هذا التحوّل مجموعة من المستثمرين والمشاريع التي تحمل ميزات تلبي احتياجات الأنظمة الذكية وتضمن سير عملها إلى حانب تصميم البرامج التحولية التي تركّز على بناء بنية تحتية رقمية مثالية، تعزيز الخدمات الرقمية واستخدامها من قبل الأفراد، تحسين آلية العمل الرقمي، دعم المهارات والكفاءات الرقمية التي يحتاج إليها سوق العمل وخلق بيئة مؤاتية لتبني الحلول الرقمية داخل المملكة العربية السعودية. ويُعد التوجه نحو الحلول الرقمية الدافع الأساس لزيادة انفاق المملكة على التكنولوجيا، فوفقاً لتقرير وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بلغ اجمالي الانفاق العام على تقنية المعلومات في المملكة العربية السعودية نحو 27.7 مليار دولار عام 2021 على أن يصل هذا الانفاق إلى 42.6 مليار دولار بحلول عام 2025.
تقنية المعلومات والاتصالات أكثر تقدماً في المملكة
بين التنعّم بالخدمات الرقمية، والسعي إلى رفع مستوى الحياة وتحقيق الرفاهية للمواطنين، تلتزم المملكة العربية السعودية بتجربة عصر السرعة والمستقبل الذكي من خلال تطوير القطاعات وتحويلها والتكيّف مع الواقع الجديد مع دعم أكثر من مشروع استثماري والحلول التقنية الجديدة.
ولا يمكن الحديث عن هذا التقدّم بدون الاشارة إلى نمو حجم سوق الاتصالات والتقنية داخل المملكة الذي وصل إلى 166 مليار ريال خلال عام 2023. ومع تحوّل الأعمال واعتماد الانترنت داخل المملكة بنسبة تقارب 100%، كان ازدهار خدمات الاتصالات المتنقلة ملحوظاً حيث وصلت نسبتها إلى 198% من السكان بالاضافة إلى الاستفادة التامة من الذكاء الاصطناعي الذي يرتبط بشكل مباشر برؤية المملكة 2030 وكيفية تحقيقها إلى جانب انترنت الأشياء الذي وصلت الاشتراكات فيه إلى 12.6 مليون اشتراك.
وقد وصل حجم أصول الشركات المدرجة في قطاع الاتصالات إلى 250 مليار ريال سعودي فيما يبلغ اجمالي أرباح الشركات المدرجة في قطاع الاتصالات والتقنية نحو 119 مليار ريال سعودي كما تأخذ السعودة الحصة الأكبر بهذا المجال في منطقة الخليج مع 57%. ولا يقتصر نجاح المملكة على ذلك فحسب، بل تشير الدراسات إلى تغيّر سلوك مستخدمي الانترنت داخلياً مما يحتّم تنويع التطبيقات بما يسهّل الأعمال وتعدد الخدمات انطلاقاً من الدفع الرقمي والتجارة الالكترونية والنقل الالكتروني والرعاية الصحية والتعليم بما يستجيب إلى متطلباتهم المتغيّرة وبالتالي نمو حركة البيانات.
تتبنى المملكة العربية السعودية النماذج الذكية لتحويل الأعمال التقليدية إلى أعمال ذكية والاستعداد إلى الابتكارات المستقبلية. فإلى جانب رؤية 2030 ما العوامل التي سهّلت تحقيق هذا التحول على أرض الواقع؟
تعتبر استراتيجية التقنية والاتصالات من العوامل الأساس لتحقيق التحول الرقمي لبناء مشاريع جديدة وخلق نظام متناسق مع المجتمع والسيارات الجديدة. هذا بالاضافة إلى الابتكار والبحث والتطوير ودفع القدرات البشرية.أما على مستوى البنية التحتية الرقمية، فتعتبر المملكة اليوم من الدول المتقدّمة رقمياً إن كان من خلال سرعات الانترنت وتوفر شبكات الجيل الخامس والألياف الضوئية او الوصول إلى أكبر عدد ممكن من السكان مع استهلاك البيانات.
تمثّل شبكات الاتصالات والانترنت نقطة محورية في رسم مستقبل المملكة وتوسّعها في الأسواق الدولية. فعلى رغم التحديات المتمثّلة في عالم الانترنت، تهدف المملكة إلى تسهيل العمليات التشغيلية واتاحة المزيد من فرص العمل في مجالات التكنولوجيا والرقمنة واعادة هيكلة المجتمع بعيداً عن الحلول التقليدية وتعزيز أمن المعلومات والبيانات بالدرجة الأولى.
مراكز البيانات الحجر الأساس للرقمنة في المملكة
تدير شبكة واسعة من مراكز البيانات أعمالها في المملكة وهي تلعب دورها في دفع سير الأعمال والتحكم بها ومعالجة المشاكل التقنية وتحسين خدمة العملاء. وقد ارتفع سوق مراكز البيانات في المملكة حيث من المتوقع أن يصل إلى 3.18 مليارات دولار بحلول عام 2029 بمعدل سنوي مركب نسبته 10.13% خلال هذه الفترة. ويهدف مزودو خدمات مراكز البيانات الى تأمين تمويلها لتمكين المملكة العربية السعودية رقمياً. كما يأتي انتشار مراكز البيانات في المنطقة وتحديداً في الممكلة العربية السعودية تأكيداً على الرغبة في التوسع في الخدمات الرقمية للمدى الطويل. تساهم مراكز البيانات في تحقيق استراتيجية التحول الرقمي بالنسبة للشركات وتعزيز الاقتصاد الرقمي أيضاً.
وعلى ضوء الجهود في هذا المجال، تتقدّم المملكة العربية السعودية في قطاع مراكز البيانات مقارنةً بدول المنطقة مع وصول عدد المراكز هذه إلى أربعين داخل السعودية مع احتضانها أبرز مشغلي مراكز البيانات في المنطقة. في هذا الاطار، أخذ القطاع العام والقطاع الخاص سلسلة من الاجراءات ومنها تطوير المدن الذكية وتخصيص نسبة أكبر من الاستثمارات في مراكز البيانات في هذه المدن ومنها "نيوم"، وغيرها. هذا الواقع رافقه الطلب المتزايد على الحلول السحابية في المملكة نظراً للخدمات التي توفّرها فتجاوز الانفاق على السحابة 950 مليون دولار في نهاية 2022 على أن نشهد نمواً بهذا الانفاق بنسبة 24% بحلول عام 2025.
يأخذ أبرز مزودي الخدمات السحابية في العالم المملكة العربية السعودية مركزاً لهم لما تحمله من وعود في مجال انشاء مراكز البيانات والبنية التحتية الرقمية؛ ومن بينهم شركة غوغل كلاود ومايكروسوفت. كما تخطط شركات أخرى لبناء مراكز بياناتها في المملكة توازياً مع اطلاقها استراتيجية خاصة لانشاء شبكة وطنية من مراكز البيانات واسعة النطاق بقيمة 18 مليار دولار وذلك مع ابرام شراكات عدة مع مستثمرين محليين ودوليين.
ومن المتوقع ان يتقدّم سوق مراكز البيانات في منطقة الشرق الأوسط وأفريقياً أيضاً لسدّ الفجوة الرقمية. فإلى جانب المملكة العربية السعودية تتوزع مراكز البيانات بين الامارات العربية المتحدة، قطر، الكويت وعمان.
تحديات تهدّد توسّع مراكز البيانات في المملكة أو الخارج
نظراً لدورها الكبير في لعبة الرقمنة الناجحة، لا يخلو قطاع مراكز البيانات من التحديات التي تهدد استدامته وجودتها وقد تعيق البعض من خدماته. تتطلّب مراكز البيانات استثمارات دائمة للصيانة والمتابعة الدورية وتأمين الطاقة الخضراء المتجددة لتغذية هذه المراكز مع استهلاكها كمية هائلة سنوياً. إذاً لمراكز البيانات تأثير على البيئة فعلاً وهنا يكمن التحدي الأكبر أمام المملكة العربية السعودية بإمكانية توفير الطاقة النظيفة لتحقيق التوازن البيئي والحدّ من البصمة الكربونية في آن معاً. من هنا تتم دراسة الموقع الجغرافي لبناء مركز البيانات في مناطق مؤهلة مساحتها كبيرة وغير معرّضة للكوارث الطبيعية بشكل كبير. فقد تهدد الحوادث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والعواصف عمل مراكز البيانات لينتهي الأمر بخسارات مالية كبيرة.
أما من ناحية الأمن السيبراني، فتتعرّض بياناتنا إلى هجمات يومياً مما يصعّب مهمّة تحقيق أمن مراكز. فمع الاعتماد المتزايد على شبكة الانترنت وحاجتنا إلى البيانات بشكل أكبر لاتمام الأعمال والتحويلات المالية وغيرها، تصبح حماية مراكز البيانات من الأولويات لاستمرارية الأعمال. غير أن في عام 2023، تراجعت نسبة التهديدات السيبرانية في المملكة العربية السعودية 19% مع اصرار المملكة على تطبيق سياسات الأمن السيبراني وتقديم الحلول الآمنة.
وتبقى المهارات الرقمية العنصر الأكثر طلباً للاستمرار في مسيرة التحول الرقمي، فتواجه المملكة العربية السعودة كغيرها من الدول صعوبة بايجاد اليد العاملة الماهرة للتعامل مع مراكز البيانات وكيفية ادارتها. تساهم مراكز البيانات بشكل أساسي بتوفير البيانات المطلوبة من قبل الشركات للاستجابة إلى متطلبات العملاء، كل ذلك مع احترام الخصوصية وضمان الأمن الرقمي بالدرجة الأولى.
المملكة العربية السعودية في الطليعة
تبرز المملكة العربية السعودية في مجال الابتكار حيث تُكثّف الحكومة دعمها لكل أنواع التقنية بدءاً من انترنت الأشياء، إلى الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية مما يرسّخ تطلعات المملكة لتصبح مركزاً عالمياً للتكنولوجيا والابتكار. تساهم مراكز البيانات في نهضة المملكة وتنميتها الاقتصادية وتعزيز الكفاءات الوطنية لتسريع النمو واعتماد التكنولوجيا بنطاقها الواسع.
تفتح المملكة العربية السعودية آفاقاً أوسع للمشاريع الناشئة مع دعم المهارات المستقبلية التي تتماشى مع احتياجات السوق. وبعيداً عن أرباح النفط، تطلّع المملكة إلى ايرادات من مراكز البيانات واطلاق الخدمات السحابية التي تستفيد منها الشركات إلى أن يتحقق التحول الرقمي.
وبينما تبرز الاستثمارات في هذا المجال، تظهر استثمارات عمالقة التكنولوجيا ومنها مايكروسوفت وأمازون التي تفوق 11 مليار دولار لبناء مراكز بيانات في المملكة. ليست عمالقة التكنولوجيا وحدها من تمركز مكانتها في عالم التقنية والبيانات بل للمؤسسات الحكومية والشركات في القطاع الخاص حصّتها أيضاً من خدمات الحوسبة السحابية مما يدفع إلى التسريع بمشاريع تطوير البنية التحتية الرقمية لاستقبال عدد أكبر من البيانات. تشير الدراسات الى وصول استثمارات الشركات في المملكة بمجال البيانات إلى أكثر من 10 مليارات دولار بحلول عام 2030. ولسائر القطاعات أرباحها المحققة من هذا التحول مع توقعات تفيد بوصول قيمة سوق الخدمات السحابية مع نهاية العقد إلى نحو 25 مليار دولار في المملكة العربية السعودية.
إن إلتزام المملكة العربية السعودية بدفع التطور والنمو لا يقتصر على خطط التوسّع بمراكز البيانات بل الهدف هو الوصول إلى السوق العالمي والحفاظ على القدرة التنافسية رغم التحديات.