يتطلب استخدام الانترنت الكثير من الانتباه والحذر لحماية المعلومات الشخصية المخزّنة. فنظراً لارتفاع عدد الهجمات السيبرانية سنوياً، أصبحت الحاجة إلى الحماية الرقمية مهمة عن طريق خطوات بسيطة ومفيدة يمكن تفعيلها.
تزيد التوترات الجيوسياسية والوضع الأمني المتخبّط في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط خطورة التهديدات الالكترونية وهذا من شأنه أن يزيد معه الانفاق على الأمن السيبراني إلى ما يتجاوز 6.5 مليارات دولار خلال العام الجاري أي ما يفوق قيمة الانفاق خلال الأعوام السابقة. وتشير الدراسات إلى نمو سوق الأمن السيبراني في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وتركيا وزيادة الانفاق على خدمات الأمن السيبراني أيضاً. فمقارنةً بسائر دول العالم تعتبر هذه المنطقة من الأكثر تعرضاً للهجمات وذلك بسبب مكانتها الجغرافية وأهميتها الاستراتيجية بالنسبة للشركات المستثمرة الكبرى، فمن المتوقع أن يصل سوق الأمن السيبراني في منقطة الشرق الأوسط إلى 44.7 مليار دولار بحلول عام 2027.
ليس ذلك فقط، بل إن الاهتمام بتحقيق التحول الرقمي الشامل ونقل العمليات التشغيلية إلى الحوسبة السحابية وضع الشركات تحت خطر دائم يفرض عليها متابعة بياناتها بصورة دائمة والتأكد من سلامة شبكتها للتصدي للمقرصنين. وتنقسم دول المنطقة بين تلك التي تنفق بشكل كبير على حلول التكنولوجيا وخطط الأمن السيبراني وتلك التي تتجاهل هذا الموضوع لمحدودية رأس المال أو لأسباب لوجستية وتقنية أخرى.
الإستثمار في الأمن السيبراني وارتفاع المنافسة
تتمتع الدول المتقدّمة بخدمات أمنية أكبر مع زيادة الاتصال بالانترنت. مقارنةً بسائر دول المنطقة، تعمل دول الخليج على تحسين وضعها الأمني سيبرانياً مع زيادة الاستثمارات في خدمات التكامل والخدمات الأمنية المدارة. تتفوق الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت وقطر وعمان والبحرين في مجال الأمن السيبراني مع تصدرها قطاع التكنولوجيا والتقنية ودعمها المتواصل لابتكارات الذكاء الاصطناعي وكل ما له علاقة بالتقنية.
بسبب بنيتها التحتية القوية، تتميّز الامارات بهوية رقمية مميّزة تجعلها قادرة على تقديم أفضل الخدمات واعتماد التكنولوجيا لاستخدامات عدّة في القطاع العام أو القطاع الخاص. ويتيح استخدام الذكاء الاصطناعي للشركات في الامارات الوصول إلى سرعات فائقة إلى جانب تطوير الأنظمة التشغيلية ومعايير العمل الالكتروني وتوسيع نطاق الخدمات الرقمية. وفي العام 2020، احتلت دولة الامارات المركز الخامس في مؤشر الأمن السيبراني مع تحسن مستوى الوعي حول أهمية الأمن الرقمي وحماية المعلومات على الانترنت. وفي سياق الجهود التي تبذلها الدولة لتعزيز أمنها السيبراني، تسلّط الامارات الضوء على استراتيجيتها للأمن الالكتروني وذلك تأكيداً على مكانة الدولة في دعم الابتكار والتحول الرقمي الشامل وحماية المواطنين من المخاطر المحتملة.
بدورها تهتم المملكة العربية السعودية بتنشيط سياسة الأمن السيبراني مع امتلاكها أكبر سوق للاتصالات والتقنية في منطقة الشرق الأوسط. ونظراً لأهمية الحماية الرقمية والتهديدات التي تعرّضت لها المملكة خلال السنوات الأخيرة، كان لا بدّ من تفعيل دور الهيئة الوطنية للأمن السيبراني التي تهدف إلى دعم البنية التحتية الرقمية وادارة الهجمات السيبرانية والعمل على الحدّ منها ومحاولة بناء بيئة رقمية آمنة تستجيب إلى رؤية المملكة 2030. انعكست هذه الأعمال على مكانة المملكة العربية السعودية في مؤشر الأمن السيبراني حيث احتلت المرتبة الثانية في المؤشر لعام 2023. تقوم المملكة العربية السعودية بتعاونات عدّة لتوفير أعلى مستوى من الخدمات الرقمية والأمان للمستخدمين بالاضافة إلى توفير الدورات التدريبية وتنظيم ورش العمل التي تتيح ظهور مهارات أكبر في الأمن السيبراني وسدّ الفجوة الرقمية.
وتدخل دولة قطر المنافسة أيضاً مع نمو انفاقها على الأمن السيبراني الذي قد يتجاوز 1.64 مليار دولار بحلول عام 2026. تُبرز قطر توجهاً ملحوظاً نحو الحلول الرقمية مع اعتماد التكنولوجيا ودخول الانترنت إلى كافة القطاعات والعمل على رقمنة الخدمات والاستفادة من عصر الذكاء الاصطناعي وهذا يشمل نمو تقنية انترنت الأشياء والحوسبة السحابية وتحليل البيانات وغيرها.
بعد دخولها إلى عالم الأمن السيبراني عام 2017، تحرز دولة الكويت تقدماً في هذا المجال بما يمثل ذلك ضرورة لحماية المعلومات والبيانات الحساسة. وتعتمد الكويت اليوم مجموعة من الاستراتيجيات والسياسات التي تصب في هذا الهدف لمواجهة تحديات الأمن السيبراني.
تتعامل المنطقة بأكملها مع البيئة الرقمية الجديدة سريعة التغيّر بدءاً من دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات الصناعية والتشغيلية وصولاً إلى تعزيز الامكانات الذاتية للحماية الرقمية وبكل التهديدات المتعلّقة بهذا الاطار.
الأمن الرقمي وسط توسع الذكاء الإصطناعي
يفرض الذكاء الاصطناعي واقعاً جديداً لا يمكن التغاضي عنه مما يدفع الشركات والأفراد إلى أخذ تدابير أكبر تستجيب لزيادة الهجمات والعمليات الاحتيالية الناتجة عن الابتكارات الناشئة المدعومة من الذكاء الاصطناعي وتقنيات أخرى. وبحسب الدراسات من المتوقع أن يكون انتشار الذكاء الاصطناعي وتوسعه سبب زيادة موارد الأمن السيبراني بحلول عام 2025، أي ما يرتّب تحديد قيمة أكبر للانفاق على حماية التطبيقات والمواقع الالكترونية.
يعبّر خبراء التقنية وقادة الأمن الالكتروني عن قلقهم حيال مخاطر الذكاء الاصطناعي واحتمال عدم تكافؤ المهارات والتطبيقات والبرامج الذكية مع هذا النمو السريع. فكما تستجيب الحكومات إلى التحولات، يترتب عليها الآن مضاعفة قوتها مع استخدام نماذج أكثر نمواً وتطوراً وحمايةً لتحقيق التوازن بين خدمات الذكاء الاصطناعي والأمن الرقمي دون اختراق بيانات الأفراد أو انتهاك قطاع الأعمال.
على هذا الصعيد، تظهر الدراسات الأخيرة اهتمام منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بكيفية ادارة المخاطر الرقمية المحتملة ومعالجة كل المسائل المتعلّقة بالذكاء الاصطناعي ونمو انفاق المنطقة على ذلك بنسبة 12.1% خلال العام الجاري على أن يصل إلى 3.3 مليارات دولار كخطوة لمواجهة الهجمات الالكترونية.
من يقف خلف الهجمات السيبرانية حول العالم؟
تتعدد الجهات والدول التي تقف خلف الهجمات السيبرانية والنتيجة واحدة حيث تمثّل هذه العمليات الخطر الأكبر على نشاط المستخدمين على شبكة الانترنت. تتوزع مسؤولية الهجمات السيبرانية (الواقعة بين عام 2000 و2023) بين دول عدّة حول العالم إنما 46.8% منها يبقى مجهول المصدر. بينما تتفرّق الدول المسؤولة عن هذه الهجمات بين 11.7% من روسيا، 11.1% من الصين، 5.3% من ايران، 4.4% من كوريا الشمالية، 2.5% من أوكرانيا، 2.3% من أميركا، 1.7% من تركيا، 1.6% من باكستان و12.6% من دول أخرى.
تبرهن الدول النامية قوتها في خرق الأنظمة الالكترونية والوصول إلى المعلومات الحساسة مما يهدد الأمن القومي وخصوصية الأفراد. يتوقع الخبراء أن تأخذ العمليات السيبرانية في المستقبل الطابع التخريبي وستستمر بوتيرة تصاعدية طالما سيكون النشاط على الانترنت مكثّفاً فيستغل القراصنة الثغرات التقنية الموجودة للوصول إلى الهدف دون استثناء.