يستخدم الانترنت نحو 5.35 مليارات شخص حول العالم أي ما يشكّل 66.2% من نسبة السكان؛ ويزداد هذا العدد بشكل يومي دون توقف مع اتصالنا أكثر بالشبكة العنكبوتية. منذ الصباح الباكر إلى آخر ساعات الليل، ترتبط أعمالنا وأنشطتنا اليومية بالمواقع الالكترونية والتطبيقات الذكية المزوّدة بخدمات على أنواعها مما يجعل شبكة الانترنت تدخل في أسرارنا اليومية وفي تفاصيل حياتنا.
تطوّرت الشركات على مرّ الوقت ومعها زادت الابتكارات التي تخدم الانسان وتوفّر له تجربة فائقة السلاسة والمرونة في ظلّ عصر سريع النمو. وبينما يزداد عدد النشطين على مواقع التواصل الاجتماعي يصبح الابتعاد عن الشاشات الذكية أمراً شبه مستحيل. يتمم المستخدمون أعمالهم ونشاطتهم وتفاعلاتهم يومياً عبر شبكة الانترنت كما انها تُعد وسيلة للتواصل والاتصال. فهل تتخيّل حياتك بدون انترنت وما التغيّرات التي ستحصل على مستوى دول العالم في حال فقدان الاتصال بالشبكة؟ على الرغم من أنه أمر مستبعد إلا أنه ليس مستحيلاً، حيث يبقى احتمال انقطاع الانترنت عن العالم وارد لأسباب عدّة.
ماذا لو توقف الانترنت عن العمل؟
هل الحياة ممكنة بدون الانترنت؟ أم أنه سيعود بنا الزمن إلى المراحل البدائية؟ حين يرتبط العالم الافتراضي بالعالم الواقعي تصبح فكرة الانقطاع عن الانترنت أمراً خيالياً... فلا حياة من دون انترنت أليس كذلك؟! لكن كيف سيتصرّف العالم في حال حدوث ذلك وما العواقب المادية والمجتمعية؟
يرى خبراء التكنولوجيا و"مدمنو" المنصات الاجتماعية عالماً مشلولاً بدون الانترنت حيث لن نتمكن فيه من تصفّح المواقع الالكترونية لاستخلاص المعلومات أو معرفة كل الأخبار من منازلنا أو التسوّق بمرونة أو متابعة محركات البحث أو التواصل مع الأصدقاء أو نشر الصور والفيديوات أو التفاعل عبر التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا بالاضافة إلى الآثار السلبية التي ستطال الاقتصاد في حال انقطاع الانترنت مع توقف الأعمال عن بُعد وتوسع البطالة وتفاقم الركود المالي وتجمّد الأنظمة المالية المرتبطة بشبكة الانترنت. تتحكّم شبكة الانترنت بحياتنا بشكل أو بآخر فالتطوّر الرقمي ساهم باختفاء الكثير من الأدوات التي كانت تُستخدم لانجاز مهامنا ومنها الخرائط الورقية. تعتبر الخرائط من أهم الوسائل المعتمدة عبر التاريخ لايجاد الشوارع والاستدلال على المناطق أو الأماكن إلى أن تم تطوير تطبيقات عدّة أصبحت تعتبر اليوم من أفضل الطرق للوصول إلى وجهتنا إن كان داخلية أو في السفر.
أما عن الألعاب ووسائل الترفيه فهي تختلف قبل الانترنت وبعده حيث تُتاح للمستخدمين ألعاب إلكترونية عدّة بمستوى آخر يختلف عن الألعاب التقليدية. يزداد حجم الانفاق على الألعاب الالكترونية حول العالم لتصبح صناعة ألعاب الفيديو من أهم العائدات لربح ملايين الدولارات سنوياً.
خلق انتشار الانترنت مجتمعاً جديداً يرتكز على التواصل الافتراضي عبر التطبيقات الرقمية وهذا ما سمح بظهور مهارات أكبر في مجال الرقمنة والتقنية. فمع انقطاع الانترنت سيخسر العالم صلة الوصل الأساس التي تربط الشبكة الاجتماعية الافتراضية عابرة الحدود. لو انقطع الانترنت تماماً ستعود المجتمعات إلى التقاليد السابقة بينما يقول البعض إن هذا الأمر سيكون مدمراً لقسم كبير من الناس اعتادوا على التواصل عن بُعد وخصوصاً بعدما تعزز هذا المفهوم نتيجة انتشار وباء كوفيد-19 عام 2019. فبحسب علماء النفس، يهدد انقطاع الانترنت بحالة من الانعزال المجتمعي والقلق والاضطراب النفسي. فبعد التصالح مع الشاشة الذكية قد يكون من الصعب التخلي عن هذا العالم الافتراضي بما فيه من حسابات، أرقام متابعين، تواصل آني بين الناس وفي أي وقت. أما ملايين من الصور على انستغرام وفيسبوك لن تُنشر إلى جانب توقف التغريدات على منصة إكس ناهيك عن عدم امكانية مشاهدة الأفلام أونلاين والأمر يطال توقف عمل تطبيقات الهاتف المحمول وعدم التحكم بالبيانات.
ومع انقطاع الانترنت ستتوقف مليارات الرسائل الالكترونية التي تُرسل يومياً كما سيتعذّر على المستخدمين عقد الاجتماعات الافتراضية أو مراقبة السوق العالمي أو الاستفادة حتى من التقنيات المتاحة مهما بلغت أهميتها فهي تتغذى من الانترنت بنهاية المطاف.
أما بالنسبة لعمالقة التكنولوجيا كشركة غوغل وميتا وغيرهما فلن يكون الأمر سهلاً عليها مع توقف نشاطها وهذا ما يكلّفها ملايين الدولارات يومياً. كما ستفقد المصارف والشركات المالية قيمتها مع مواجهة مشكل في حسابات المستخدمين الذي لن يتمكّنوا من التحقق منها مع توقف الانترنت عنها. وستمتد الأزمة الى قطاع الرعاية الصحية الذي بات يعتمد بشكل كبير على الانترنت اليوم لاجراء العلاجات وتحليل النتائج كما ستتراجع أرباح التجارة الالكترونية التي ستتوقف كلياً. هذا فضلاً عن قطاع النقل والمواصلات وخصوصاً في المدن الذكية التي تتبنى السيارات ذاتية القيادة المتصلة بالانترنت لاستقبال طلبات السائق وتنفيذها. كما ستشلّ حركة الطيران والملاحة البحرية والقطارات حيث تعتمد أنظمتها على الانترنت لتحديد طريقة توجهها والتحكم مع استخدام تقنية GPS.
عوامل سياسية ومناخية تهدّد خدمة الإنترنت
تتأثر أنظمة الانترنت بعوامل مناخية وسياسية واستراتيجية عدّة تجعل احتمال انقطاع الخدمة واقعاً. فمن الناحية المناخية، يتوقع العلماء حدوث تغيرات مناخية كبيرة خلال السنوات المقبلة قد تهدد الانترنت حول العالم. تتمثل هذه التغيرات بتوهجات شمسية خطرة قد تضرب الأرض وتؤدي إلى وقوع الكارثة. تدمّر العاصفة الشمسية أنظمة الانترنت والحاسب والأقمار الصناعية والشبكات اللاسلكية مما سيجعل نحو 5.44 مليارات شخص وأكثر (على أن يزداد هذا الرقم في المستقبل) من حاملي الهواتف المحمولة خارج الخدمة. وقد تتوقف الألياف الضوئية المسؤولة عن نقل البيانات تحت البحر عن الخدمة بسبب تداعيات التغيّر المناخي والطقس المتطرّف. تصل الخسائر المالية نتيجة تعطّل كابل بحري إلى مليارات الدولارات مع توقف أنشطة ملايين من شركات القطاعين العام والخاص عن العمل. هذا الواقع يؤكد أهمية تخصيص رأس مال خاص لصيانة الكابلات البحرية بشكل دوري ودعمها لمواجهة التحديات المناخية وأثرها وبالتالي الحفاظ على خدمة الانترنت ومسار حركة نقل البيانات. فبحسب الدراسات سيتغيّر وضع المحيطات حول العالم خلال السنوات بسبب التغيرات المناخية والظواهر الطبيعية غير الآمنة.
أما بالنسبة للعوامل السياسية، فتسيطر الولايات المتحدة الأميركية على شبكة الانترنت فهي تملك عدداً كبيراً من الأقمار الصناعية المخصصة لتوفير الاتصالات. كما تتيح أميركا خدمة الانترنت الفضائي بسرعة كبيرة لنقل البيانات.
يوم واحد بدون خدمة الانترنت كفيل بإضعاف أكبر الشركات وتكبّدها خسائر فادحة. أما الأفراد فسيواجهون عزلة عن العالم وغياباً عن مجتمع افتراضي أصبح أقرب إليهم من الواقع... أما ماذا سيحلّ بمفهوم العولمة التي عززها الانترنت بعدما أصبح العالم قرية رقمية واحدة؟ وهل ستتمكّن المجتمعات مع تحقيق النمو المرجو بعد غياب الانترنت؟