مقالة حصرية بقلم عمار طبا، نائب رئيس شركة هواوي للعلاقات العامة والإعلام في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى
مع تسارع وتيرة التقدم التكنولوجي، بات مفهوم "قيادة العالم الذكي" يحظى بأهمية متزايدة بين الدول، لاسيما تلك التي تضع قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات على رأس هرم محفزات التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وأصبح التركيز على ترقية البنى التحتية التقنية ورفدها بقدرات دمج التقنيات الرقمية المتطورة كالحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي أولوية على طريق بناء النظم الإيكولوجية الرقمية الداعمة لنمو أعمال مختلف القطاعات والصناعات. وتدرك الدول المتقدمة في مجال التكنولوجيا بأن الأجيال المتطورة من شبكات الاتصالات ممثلة اليوم بالجيل الخامس هي الداعم الأول لتحقيق أهداف التحول الرقمي والانتقال لمرحلة جديدة من الاتصال الذكي.
شبكات الجيل الخامس تمهد الطريق لحقبة الجيل الخامس المتقدم ودمج البنية التحتية الرقمية بالعالم الذكي
يتمحور هدف الارتقاء بالبنية التحتية الرقمية في جوهره حول بناء عالم ذكي متصل بالكامل يستفيد من إمكانيات دمج البنية التحتية بسلاسة مع مختلف متطلبات المجتمعات لتطور الأعمال والخدمات. وتسعى الدول لبناء بنى تحتية تسهم في تجاوز السيناريوهات التقليدية للاتصال والانتقال بها لمرحلة جديدة من الذكاء الرقمي. وضمن هذا الإطار، تشتد المنافسة حالياً بين شركات التكنولوجيا في مجال توفير منتجات وحلول تتمتع بكامل طيف قدرات الجيل الخامس كالسرعة والتكاملية مع إمكانيات التقنيات الأخرى المتطورة كالحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، وتتوافق مع أكبر عدد من سيناريوهات الأعمال ضمن مختلف القطاعات والصناعات.
أصبحت التطبيقات التجارية لشبكات الجيل الخامس واقعاً ملموساً في عالمنا اليوم. واستفادت العديد من القطاعات كالنقل والتعليم والصحة والنفط والغاز وصناعة السيارات وغيرها الكثير من مميزات شبكات الجيل الخامس. وساهم ذلك بالانتقال بسرعة للتخطيط لنشر شبكات الجيل الخامس المتقدم ( 5G-A ) أو مايعرف بشبكات الجيل الخامس والنصف ( 5.5G ). ومع اقترابنا أكثر من العالم الرقمي الذكي المنشود، تزداد الحاجة لتطوير قدرات شبكات الاتصالات وتقنية المعلومات على مستوى النطاق الترددي العريض فائق السرعة وتغطية السيناريوهات الكاملة لتقنية إنترنت الأشياء، وهذا مايركز عليه الجيل الجديد من شبكات الجيل الخامس المتقدم. ومن المتوقع أن تصل قيمة الاقتصاد الذكي، المدعوم بشبكات الجيل الخامس المتقدم، إلى أكثر من 18.8 تريليون دولار بحلول عام 2030، مما يوفر موجةً جديدة من الفرص لقطاع الاتصالات، ويرفع قيمته بالنسبة للقطاعات الأخرى.
التقدم العالمي وتطور قطاع الاتصالات في دول المنطقة
بحلول نهاية عام 2023، تم تشغيل ما يزيد على 300 شبكة تجارية بتقنية الجيل الخامس تخدم بمجملها أكثر من 1.6 مليار مستخدم حول العالم، متجاوزة بذلك معدل اعتماد ونمو مستخدمي شبكات الجيل الرابع. ويكتسب الانتشار العالمي لشبكات الجيل الخامس المتقدم زخماً كبيراً مع تنامي جهود اكتشاف مزيد من المزايا التي يمكن أن يقدمها لتنمية وتطوير أعمال وخدمات القطاعات والصناعات الأخرى. وأفضى تعاون هواوي مع المشغلين الرائدين عالمياً إلى بدء التحقق والاختبار التجاري الفعلي لشبكات الجيل الخامس المتقدم في أكثر من 20 مدينة حول العالم.
منذ إطلاقها للمرة الأولى في عام 2019، يوجد حالياً 17 شبكة تجارية تعمل بتقنية الجيل الخامس في منطقة الشرق الأوسط التي باتت عدد من دولها كدول مجلس التعاون الخليجي تتصدر تطوير شبكات الجيل الخامس عالمياً، بعد أن قطعت العديد من شركات الاتصالات أشواطاً كبيرة في هذا المجال واستطاعت قيادة مسيرة تطوير شبكات الجيل الخامس عالمياً والانتقال بها نحو تحقيق إنجازات المرحلة التالية كسرعة 10 جيجابت في الثانية. ويتيح هذا الأساس المتين في دول المنطقة إمكانية تسريع الطرح التجاري لشبكات الجيل الخامس المتقدم، لتستمر دول المنطقة في ترسيخ نفسها في صدارة رواد شبكات اتصالات الجيل الخامس المتقدم .
قيادة ابتكارات شبكات الجيل الخامس المتقدم
يمثل عام 2024 علامةً فارقة بالنسبة لشبكات الجيل الخامس المتقدم مع انطلاق تسويقها على المستوى التجاري. ويرمي هذا التحول إلى إنشاء نظام إيكولوجي واسع النطاق يوفر للمستخدمين تجارب فائقة السرعة ويحقق لهم الاستقرار الرقمي الذكي. ويبشر نهج الابتكار التعاوني بتحول رقمي جذري وتنمية مستدامة في مشهد الاتصالات، حيث يكمن جوهر هذا التطور في التكامل التعاوني للذكاء الاصطناعي والتقنيات السحابية مع شبكات الجيل الخامس المتقدم، مما يحفز فرص النمو الجديدة في قطاع الاتصالات ويبشر بمزيد من أوجه دعمه لبقية القطاعات. كما يسهّل هذا التكامل تطوير تطبيقات وخدمات مبتكرة جديدة بالاستفادة من القدرات المحسنة لشبكات الجيل الخامس المتقدم كالسرعات التي تتخطى الجيل الرابع بعشرة أضعاف. وتعتبر مثل هذه التطورات أمراً بالغ الأهمية لنجاح الطرح التجاري لشبكات الجيل الخامس المتقدم في عام 2024وإرساء الأسس اللازمة لتحقيق نقلة نوعية في القطاع.
لا تقتصر أهمية شبكات الجيل الخامس المتقدم على تلبية الطلب المتنامي على تجارب الهاتف المحمول المحسنة فحسب، بل تشكّل كذلك محركاً قوي لإيرادات شركات الاتصالات من خلال اعتماد استراتيجيات متعددة الأبعاد ووضعها في خدمة تنمية وتطوير مختلف القطاعات والصناعات الأخرى والاستفادة من فرص دخل جديدة. علاوةً على ذلك، فإن الخدمات الناشئة مثل New Calling، والهواتف السحابية، وتقنية العرض ثلاثي الأبعاد بدون نظارات وهي مزايا متقدمة لشبكات الجيل الخامس المتقدم، باتت تكتسب مزيداً من الزخم وتفتح آفاقاً جديدة لإيرادات شركات الاتصالات. ، وتعتبر ميزات زمن الاستجابة الفعلي والتحديد الدقيق للمواقع مهمةً لدعم التطبيقات عبر شتى القطاعات بدءاً من قطاع السيارات وصولاً إلى الرعاية الصحية وغيرها من القطاعات الحيوية الأخرى. ومن المتوقع أن يؤدي دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي مع تقنيات الهاتف المحمول إلى تحقيق قفزة نوعية في قطاع الهواتف المحمولة والتعامل مع البيانات وإتاحة فرص غير مسبوقة أمام شركات الاتصالات. ويمهد تعاون شبكات الجيل الخامس المتقدم مع الذكاء الاصطناعي والتقنيات السحابية لعصر جديد في مجال الاتصالات بقدرات محسنة للشبكة، وخدمات مبتكرة، وتحول رقمي كامل عبر مختلف القطاعات.
التحديات والآفاق المستقبلية
تسعى تقنية الجيل الخامس المتقدم لتجاوز قدرات شبكات الجيل الخامس الحالية لناحية السرعة الفائقة في نقل البيانات وزمن الاستجابة المنخفض ونطاق الاتصال الواسع والموثوقية المحسنة. ويبشر هذا التطور بإحداث تحول جذري عبر مجموعة واسعة من القطاعات بما في ذلك المدن الذكية، والرعاية الصحية، والثورة الصناعية الرابعة، والنقل، والترفيه، والزراعة؛ حيث تساهم هذه التقنية بتحسين الأداء وتوفير فرص عمل جديدة.
وعلى الرغم من الزخم الكبير لطرح شبكات الجيل الخامس المتقدم، لا تزال تعترضها تحديات عدة أهمها تخصيص مجالات استخدام التقنية وتحديث البنية التحتية وتوفر الطيف الترددي المناسب، ما يتطلب توفير حلول مبتكرة ورفع سقف التعاون في مجال تبني المعايير الدولية لضمان طرح التقنية بسلاسة تتوافق مع أكبر عدد من سيناريوهات الأعمال.
تنشط هواوي في مجال دعم المشغلين في المنطقة على طرح شبكات الجيل الخامس المتقدم هذا العام من خلال مجموعة من الابتكارات المتواصلة عبر خمس إمكانيات رئيسية هي: النطاق الترددي العريض، والنطاقات المتعددة، والهوائيات متعددة المنافذ، والتقنيات الذكية والخضراء. وتهدف هذه المنتجات والحلول المبتكرة إلى إنشاء بنية تحتية شاملة لتوفير خدمة الإنترنت بسرعة 10 جيجابايت في الثانية وتمكين إجراء 100 مليار اتصال. ولا تركز جهود العمل على الاستفادة من المزايا الجديدة لتقنية الجيل الخامس والنصف، بل تشتمل أيضاً على الحرص على نهج الاستدامة والعمل على توفير المنتجات والحلول الكفيلة بخفض البصمة الكربونية لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات ورفع مستوى مساهمته في مساعدة القطاعات والصناعات الأخرى لتكون صديقة بالبيئة، مما يمهد الطريق لتحقيق تحول جذري على طريق بناء الاقتصادات الرقمية المستدامة في دول المنطقة.