منذ ظهوره والذكاء الاصطناعي يشغل المراقبين والمستخدمين لناحية تأثيراته الايجابية والسلبية كما التشريعات المتعلقة به والمستقبل الذي فرضه على العالم بأسره.
ومع تطبيق الدردشة "شات جي بي تي"، طُرحت أسئلة كثيرة تتعلق بمدى معرفته بالقطاعات كافة. ومنها الاستفسار ما اذا ما كان هذا التطبيق قادراً على توقع أسعار الأسهم في الأسواق المالية العالمية. التطبيق نفى أن يكون قادراً على توقع هذه الأسعار وركز على شرح كيفية التعامل مع هذه الأسواق، الا أن دراسة حديثة في جامعة فلوريدا أعلنت موقفاً آخر بهذا الشأن.
اذ أشار أحد أساتذة المالية في الجامعة الى أن النماذج اللغوية الكبيرة المعروفة بمصطلح LLM ، هي المسؤولة عن إنشاء لغات البرمجة التي تطلق روبوتات الذكاء الاصطناعي. ويمكن ان يكون لها تأثير لناحية التنبؤ بأسعار الأسهم.
فما يقوم به "شات جي بي تي" حالياً عندما يُسأل عن الاسواق المالية العالمية هو تحليل عناوين الأخبار الاقتصادية لمعرفة ما إذا كانت جيدة أم سيئة بالنسبة للأسهم.الا ان الملفت كان بقدرة التطبيق على التنبؤ باتجاه عائدات اليوم التالي، اذ كانت نتائجه أفضل بكثير من النتائج العشوائية. وبذلك يكون هذا البحث قد ضرب تجربة تحديث الذكاء الاصطناعي عبر أجهزة كمبيوتر أكبر حجماً ومجموعات بيانات أفضل.
ما هو انعكاس هذه الحقيقة على الوظائف؟
هذا الواقع سيعرّض الوظائف عالية الأجور في الصناعة المالية للخطر، خصوصاً وأن هذا التطبيق قادر على فهم العناوين الرئيسية من الأخبار المالية وكيفية تأثيرها على أسعار الأسهم. ووفقاً لبعض التقديرات، فان نسبة الخطر التي تتعرض له الوظائف المالية بسبب التشغيل الآلي قد يصل الى 35%.
ويقول أحد الخبراء: "حقيقة أن "شات جي بي تي" يفهم المعلومات المخصصة للبشر ويكاد يضمن تقريباً أنه إذا لم يستجب السوق بشكل مثالي، فستكون هناك إمكانية للتنبؤ بالعائد".
ماذا عن "نماذج اللغة الكبيرة"؟
في سياق متصل، تشير تفاصيل التجربة الى عدم قدرة ما يسمى بـ "نماذج اللغة الكبيرة" على القيام بمجموعة من بالمهام المالية. فالتجربة لم تتضمن أسعاراً مستهدفة للأسهم على سبيل المثال، ولم تجعل النموذج يقوم بأي عمليات حسابية على الإطلاق.
أما بالنسبة الى الأرقام، فالتكنولوجيا قادرة على تصنيعها في الكثير من الحالات عبر تطبيق "شات جي بي تي" أو غيره. أما ما حصل لناحية تحليل المشاعر للعناوين مع وجود مجموعات بيانات خاصة فيمكن فهمه بالفعل على أنه استراتيجية تداول.
الخبير ذاته أعرب عن مفاجأته الكبيرة بالنتائج، وأوضح أن المستثمرين المتمرسين في هذه الأسواق ما زالوا يرفضون حتى الآن الاستعانة بالتعلم الآلي على غرار "شات جي بي تي"، في استراتيجيات التداول الخاصة بهم.
كيف تمت التجربة؟
ارتكزت التجربة على جمع 50000 عنوان رئيسي من مورّد بيانات حول الأسهم العامة في بورصات متعددة مثل نيويورك، وناسداك، بالاضافة الى بورصات صغيرة. وفي أكتوبر 2022، تم قطع البيانات لـ"شات جي بي تي"، أي أن المحرك لم يستخدم أو يرَ تلك العناوين الرئيسية في التدريب.
العمل بدأ مع "شات جي بي تي" بنسخته 3.5، اذ عمد الباحثون الى تغذيته بالعناوين الأساسية. وطلبوا منه التالي: "انسَ كل التعليمات السابقة الخاصة بك. افترض أنك خبير مالي. أنت خبير مالي مع خبرة في توصية الأسهم. أجب بـ "نعم" إذا كانت الأخبار جيدة، أو "لا" إذا كانت هناك أخبار سيئة، أو "غير معروفة" إذا كنت غير متأكد في السطر الأول. ثم قم بالتفصيل بجملة واحدة قصيرة وموجزة في السطر التالي". وخلال يوم التداول التالي، اطلعوا على عائد الأسهم".
والنتيجة جاءت على الشكل التالي. اذ تم الاكتشاف أنه وعند إعلام النموذج بعناوين الأخبار، يعمل بشكل أفضل من عدم اعلامه.أما بالنسبة الى المشاعر الإنسانية فقد أظهرت النتائج انه تفوّق على مجموعات البيانات التجارية. وأظهر احد الأمثلة في الورقة عنواناً رئيسياً حول تسوية شركة لدعاوى قضائية ودفع غرامة، هذا الأمر كان له شعور سلبي، أما استجابة "شات جي بي تي" فكانت بشكل صحيح على أن هذه الأخبار جيدة بالفعل.
ويشير الخبراء الى أنهم لا يستغربون انخفاض قدرة "شات جي بي تي" على توقع تحركات الأسهم في الأشهر المقبلة مع بدء المؤسسات دمج هذه التكنولوجيا. فهذه التجربة ركزت فقط على أسعار الأسهم خلال يوم التداول التالي. ومع ارتفاع عدد الأشخاص الذين يستخدمون هذا النوع من التطبيقات والأدوات، ستزيد كفاءة الأسواق ومعها ستنخفض القدرة على التنبؤ، توازياً أيضاً مع استمرار الأبحاث حول الذكاء الاصطناعي وانعاكاساته على حياة البشر.