تنهار الحواجز بين واقعنا الملموس والعالم الافتراضي بفضل الحلول الذكية التي جسّدت الأصوات والرسومات والصور لتحوّلها من العالم الخيالي إلى العالم الحقيقي. ويشكّل الواقع الافتراضي والواقع المعزز جزءاً كبيراً من مستقبلنا ومن العالم الحقيقي الذي تغيّرت ملامحه مع هذا التطوّر.
إلى جانب الواقع الافتراضي والواقع المعزز، تشخص أنظار شركات التكنولوجيا على الواقع المختلط -mixed reality، لاتصال العالم المادي بالعالم الافتراضي. يجمع الواقع المختلط بين العالم الحقيقي والعناصر الرقمية لتفاعل أكثر بين البيئات المادية والافتراضية، باستخدام تقنيات الاستشعار والتصوير من الجيل التالي. ويتيح الواقع المختلط رؤية العالم من حولك والانغماس فيه حتى أثناء تفاعلك مع بيئة افتراضية باستخدام يديك - كل ذلك من دون إزالة سماعة الرأس أو النظارة الذكية. يكسر الواقع المختلط حواجز العالم الحقيقي والعالم الافتراضي ليوفر للمستخدم تجربة فائقة تعاصر ابتكارات المرحلة المستقبلية.
هل تنقل أجهزة الواقع المختلط البشرية إلى عالم ثالث؟
عالم آخر تطمح شركات التكنولوجيا للوصول إليه من خلال ابتكاراتها وإلتزامها بتقديم الخدمات الفائقة. عالم افتراضي بامتياز يجلب للمستخدم كل ما يريد إلى مكان واحد. مؤخراً، كشفت آبل عن أحدث نظاراتها المبتكرة المدعومة بتقنية الواقع المختلط "فيجين برو" التي تجمع بين الواقع المعزز والواقع الافتراضي. ستتوفر هذه النظارة في الولايات المتحدة بحلول عام 2024 على أن تنتشر في كافة أنحاء العالم في وقت لاحق. تحوّل نظارة "فيجين برو" محيطنا إلى عناصر افتراضية فهي بشكل كمبيوتر قابل للارتداء ويمكن الاستفادة من خدماته وتطبيقاته لتجربة لا مثيل لها.
تخطو شركات التكنولوجيا مع هذه الخطوة مراحل متقدّمة في عالم التكنولوجيا لتجعلنا نعيش في العالم الافتراضي أكثر من العالم الملموس. تتناسب هذه النظارة مع جميع الأعمال لتضمن لنا الراحة من خلال الصوت والصورة عالية الجودة والدقة. ومن خلال شرائح معالجة متطوّرة، تسمح نظارة الواقع المختلط بتشغيل صور تفاعلية بمرونة وسلاسة. من ناحية أخرى، تهيمن شركة ميتا على عالم الواقع المختلط من خلال نظارة "ميتا كيست برو".
إختبر ملايين المستخدمين الواقع المختلط عبر فلاتر التطبيقات مثل التي يتيحها انستغرام وكذلك عبر الانترنت على الهاتف المحمول لمشاهدة المحتويات الافتراضية ضمن الواقع الملموس.
ومن المزايا التي توفّرها هذه التكنولوجيا هي كسر المسافات، الدخول في العالم الافتراضي بكل مقوماته، تسهيل الاجراءات الرقمية ومعها جمع البيانات والمعلومات بسرعة كبيرة ووفقاً لطلب المستخدم.
المخاطر عديدة والحذر واجب!
بغض النظر عن الخدمات التي يوفّرها الواقع المختلط للسنوات المقبلة، فإن المخاطر فعلية وأخذ الحيطة والحذر أمر واجب على كل المستخدمين. إن أحد أكبر المخاطر التي يمثّلها العالم الافتراضي هو أنه يعزل المستخدم عن العالم الخارجي تماماً وينقله إلى عالم آخر خارج اطار الزمان والمكان. مع هذه الممارسات، يجب التنبه إلى الأمن الرقمي والخصوصية لحماية البيانات المشاركة والحفاظ على المعلومات الخاصة خصوصاً مع التطبيقات التي تطلب هذه المستندات كشرط للدخول إليها والاستفادة من خدماتها. ومن المهم أيضاً مراجعة سياسة الخصوصية قبل استخدام التطبيقات الذكية عبر النظارات والتأكد من سلامة البرمجيات وأنظمة الواقع المعزز والمختلط والافتراضي. كما بإمكان المستخدمين تحديث البرامج الثابتة على الأجهزة القابلة للارتداء بشكل مستمر للحدّ من الهجمات السيبرانية ومهاجمة الثغرات الأمنية المحتملة. بالاضافة إلى ذلك، ينصح خبراء التكنولوجيا بتحميل برامج مكافحة الفيروسات لاستخدام الانترنت بشكل آمن أكثر وتجنّب برامج الفدية والتجسس والتصيّد وغيرها من المخاطر الناشئة والأساليب المستحدثة للاحتيال على المستخدم.
أما على المستوى الصحي، فيشدد المعنيون أن للواقع الافتراضي مخاطر جسدية أيضاً تبدأ مع استهلاك شبكة العين، الشعور بالدوخة أو فقدان الوعي في بعض الأحيان. هذا فضلاً عن خسارة التواصل البشري المباشر وفقدان العلاقات الانسانية والتفاعلات الجسدية الآنية.
من الناحية المادية، لا تزال نظارات الواقع المختلط والواقع المعزز من الكماليات فتستهدف شركات التكنولوجيا من خلال هذه الأجهزة الطبقات الاجتماعية الغنية ومحبي التكنولوجيا وابتكاراتها حيث لا تقل كلفة النظارات الذكية عن ثلاثة آلاف دولار.
يحمل لنا المستقبل باقة من الخدمات التي قد تختلف عن تلك التي توفّرت لنا في الماضي والأكيد أنها بعيدة كل البعد عن خدمات الحاضر، فلن تكون الشاشة هي الوسيلة الوحيدة لاعتماد الانترنت بعد الآن. سيكون التحكم بالأشياء في العالم الافتراضي بطريقة أسهل إن كان في قطاع الأعمال أو الترفيه أو التعليم أو الاقتصاد أو العقارات أو التسويق أو الصناعة. أما العناصر ثلاثية الأبعاد فستكون أقرب إلينا عبر استخدام عالم ميتافيرس الذي لا يزال بمراحل تطوّره الأولى ولا يزال التفاعل معه محط أنظار الجميع.
يعزز الواقع الافتراضي البيئة الداخلية للاعمال المتطورة خصوصاً في الدول النامية أو تلك التي تتبع استرايجية التحول الرقمي والنهج المتطوّر. من هذا المنطلق، يجب تعزيز التعاونات والسماح لاطلاق المزيد من المبادرات الهادفة إلى توظيف الانترنت والخدمات المستقبلية بالعالم الواقعي لمزيد من الترابط والتواصل والاتصال. من ناحية أخرى، لا بدّ من تدريب المجتمعات على كيفية اعتماد هذه الخدمات للتأقلم معها والتعايش مع فكرة الدمج بين الواقع الافتراضي والواقع الملموس وذلك يتم عبر اختبارات متتالية للأجهزة القابلة للارتداء وأولّها النظارات الذكية التي تعتبر من العناصر الاساسية لربط الانسان بين محيطه والعالم الافتراضي أو المختلط. فهل سنخسر التفاعل البشري مع السنوات المقبلة ليهيمن العالم الافتراضي على مجتمعاتنا؟