تواصل الجرائم الالكترونية امتدادها حول العالم. فعلى الرغم من تحذيرات الجهات المختصة، كان لافتاً ظهور حسابات وهمية على المنصات الالكترونية تزامناً مع انتشار كورونا وزيادة الاعتماد على الانترنت للعمل والتسوق وإدارة التحويلات المالية عن بُعد. بدورهم، استغل قراصنة الانترنت هذه الفوضى لتنظيم حملات النصب المالي والاحتيال الرقمي التي وقع ضحيتها آلاف المستخدمين.
أرقام صادمة كشفت عنها الدراسات الأخيرة في ما يتعلّق بعمليات الاحتيال المالي على الانترنت والموجّهة حالياً إلى الدول العربية حيث تشير إلى أن 137 ألف عربي يقومون بزيارة مواقع الاحتيال المالي يومياً. وتتنوّع طرق الاحتيال الالكتروني وتختلف أشكالها فتستعد المؤسسات المالية والجهات المعنية في القطاعين العام والخاص لمواجهة الجرائم المالية الأكثر شيوعاً. هذا وتمهّد الاعلانات الاحتيالية الطريق للوقوع في الفخ حيث يستغل المقرصنون المواقع الالكترونية المشهورة لوضع إعلاناتهم عبرها والوصول إلى معلومات المستخدم عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي. كذلك يعتمد المقرصنون على بطاقات الائتمان لتنفيذ هجماتهم بمجرّد إستخدام رقم الحساب نفسه وتسجيل معلومات عشوائية عن الهاتف أو البريد الالكتروني. ومع نمو التطبيقات الذكية أصبحت آلية القرصنة أسهل وأسرع مع ترويج البرامج الخبيثة والروابط المزيفة التي توهم المستخدم بخدمات مالية مربحة. وبحسب المعلومات، يتحمّل العالم خسائر مالية بالغة نتيجة عمليات الاحتيال الالكتروني التي ارتفعت إلى أكثر من 400% في العام 2020 مقارنةً بالسنوات السابقة. على ضوء ذلك، يتوقّع الخبراء أن تتخطى خسائر الاحتيال المالي الالكتروني قيمة الـ 48 مليار دولار بحلول العام 2023.
التطبيقات الوهمية ترافق جرائم الاحتيال والجهات الأمنية تتحرّك
أمضى سكان العالم ملايين الساعات على هواتفهم الذكية مستخدمين التطبيقات لإنجاز أعمالهم في ظلّ انتشار الوباء وما رافقه من تدابير احترازية مع التزام المنازل. هذا الواقع لم يكن بعيداً عن الدول العربية والمنطقة التي ارتفعت فيها عمليات الدفع الالكتروني والتحاويل المالية عبر التطبيقات الرقمية. وبحسب التقارير الصادرة في العام 2021، سجّلت قيمة مدفوعات الصفقات الرقمية في دولة الامارات 18.50 مليار دولار مما أدى إلى ظهور أساليب متنوعة للاحتيال عبر التطبيقات الذكية الوهمية.
بدورها تحرّكت الجهات الأمنية للحدّ من هذه الجرائم ومساعدة المستخدمين على استعادة حساباتهم التي طالها أي نوع من عمليات النصب والاحتيال. ومع تسارع الهجمات الالكترونية واستخدام التطبيقات الذكية بكثرة، يؤكد الخبراء ضرورة الابلاغ عن أي خلل تقني أو في حال رصد أي محاولة احتيالية. بدورها تحرص الحكومات على مواجهة تحديات الجرائم المالية بمختلف الطرق لتفادي تداعياتها على الاقتصاد والمجتمع. لهذه الغاية، سبق أن أطلقت السعودية وحدات مختصة للتحقيق بجرائم الاحتيال المالي على الانترنت مع أخذ كل الاجراءات المطلوبة وحماية الشبكة لتحقيق الأمن في التعاملات الرقمية وحماية الحسابات البنكية وغيرها. هذا وأنشأت المملكة هيئة للأمن السيبراني لحماية العملاء وعمليات الدفع الالكتروني مع التأكيد على مواكبة كل أشكال الاحتيال الجديدة.
أما في أبوظبي، فكثّفت الجهات المعنية حملاتها التوعوية حيال الأنواع المستجدة للجرائم الالكترونية مع التركيز على زيادة الوعي لمستخدمي الانترنت وضرورة حماية بياناتهم ومعلوماتهم. مقابل ذلك، من المتوقع أن يصبح العملاء على دراية أكثر بعمليات الاحتيال المالي والهجمات الالكترونية والتطبيقات المزيّفة مع استخدام أجهزة أكثر أماناً وتحمل أنظمة حماية مضادة للفيروس وللثغرات الأمنية.
طالت هذه الظاهرة الكويت أيضاً التي تعرّض المستخدمون فيها إلى عمليات نصب إلكتروني متزايدة مع العمل عن بُعد والاعتماد على التكنولوجيا منذ العام 2020. وبحسب المعلومات ارتكزت الهجمات على الطرق التالية: نشر البرمجيات الخبيثة، التصيد الالكتروني، برامج الفدية والتجسس الرقمي. كذلك تعرّض العديد من المواطنين في قطر إلى عمليات مشابهة أدت إلى خسائر مالية كبيرة وعدم استقرار في حركة التداول المالي على الانترنت.
أكثر جرائم الاحتيال المالي شيوعاً في المنطقة العربية
تعدّدت الأساليب والنتيجة واحدة، جرائم إلكترونية تطال كافة القطاعات وتُعرّض كل المستخدمين لخطر الاختراق. بحسب الدراسات يواجه العالم العربي اليوم خمسة أنواع من جرائم الاحتيال المالي التي يستخدم فيها المقرصن 24 أسلوباً للوصول إلى بيانات المستخدم. مع مطلع العام 2022، أعلنت الجهات المعنية عن استعدادها لمواجهة الجرائم الالكترونية المحتملة لا سيّما التي تُنظّم في مجالات الاستثمارات، ورسائل البريد الالكتروني، الاحتيال عبر الروابط المزيّفة والاعلانات الضارة والابتزاز الجنسي على الانترنت. ومن أساليب الاحتيال الالكتروني التي عليك معرفتها:
رسالة نصية من شخصية وهمية: قد تصلك رسالة إلكترونية من شخصية وهمية مُنتحلة صفة رسمية لطلب مساعدة مالية على أساس أنه سيرسل لحسابك مبلغاً من المال بعد حل مشكلته.
رسائل التبرّع: تعمل بعض العصابات المقرصنة على استغلال الكوارث الطبيعية في المدن والبلدان تدعو فيها للتبرّع على حساب عبر تحويلات بنكية.
وجود فيروسات: قد ترسل إليك بعض الجهات المقرصنة رسالة نصية تعلمك أن هاتفك يحمل ثغرة أمنية أو فيروساً مقترحة عليك الضغط على رابط محدد لحلّ المشكلة من قبل فريق عمل مختص بمكافحة الهجمات الالكترونية.
رسائل الفوز في مسابقة: حيلة جديدة يستخدمها المقرصنون لجذب المستخدم والاستيلاء على معلوماته بمجرّد إرسال رسالة مفادها أنك فزت بجائزة وعليك إرسال معلوماتك وتعبئة بياناتك لاستلام المبلغ.
المواقع الالكترونية المزيفة: يعمل المقرصنون المحترفون على تصميم مواقع إلكترونية مزيّفة مشابهة للصفحات الرسمية ويُطلب من المستخدم مشاركة كلمة مرور مما يمكّن المقرصن من الحصول على كافة معلوماتك والتحكّم بحسابك وهاتفك.
شهد العام 2021 زيادة ملحوظة في الهجمات الالكترونية التي استهدفت الشركات والأفراد مع تطوّر أساليب الاحتيال. على ضوئها عززت الدول خططها لحماية الحسابات على الانترنت ومنع المخترقين من الوصول إلى البيانات الخاصة بسهولة خصوصاً مع تحوّل ملايين السكان إلى العمل افتراضياً. لذلك تُطالب الحكومات في الدول العربية والعالم بتكثيف ورش العمل والحملات التدريبية لاعلام المستخدمين بمخاطر الهجمات الالكترونية وتداعياتها وكيفية مواجهتها بسلوك صحيح على الانترنت. إلى جانب ذلك، يعمل الخبراء على مشاركة خبراتهم وتجاربهم لتعزيز أداء الموظفين والأفراد في حال حدوث أي مشكلة تقنية وحماية العلم على الحوسبة السحابية والشبكات اللاسلكية.
كشف عمليات الاحتيال والتصدّي لها
تستخدم المصارف والشركات والمؤسسات العامة برامج بأنظمة قوية تحميها من محاولات التصيّد المشبوهة؛ طرحت بعض الشركات المتخصصة حلولها الخاصة لاستقبال الدفعات الرقمية بشكل يسمح لأصحاب الحسابات بمعرفة محاولات الاحتيال المالي.
ووفقاً للخبراء، من الأفضل على مواقع تسديد الأموال التعرّف على هوية المستخدم على مراحل متنوعة وطلب تسجيل الدخول بحسابات متعددة من قبل المستخدم نفسه إلى جانب التعاون مع شركات خاصة بالحماية الأمنية لحفظ البيانات.
ومع توسّع مشاريع التحول الرقمي في العالم العربي، زادت المخاوف بشأن الهجمات الالكترونية، المالية منها وغيرها العديد. كما تتجه الشركات إلى رقمنة خدماتها لتشمل كافة نشاطاتها اليومية إلا أن لا بدّ من أن يترافق ذلك مع حملات توعية لتسهيل تعامل المستخدم مع المواقع الالكترونية والتطبيقات الذكية على أنواعها والتنبّه من الدخول إلى روابط مزيّفة أو زيارة مواقع وهمية.
تحتاج المرحلة المقبلة إلى الكثير من العمل والجهد للحفاظ على الأمن الرقمي وتطوير الاستراتيجيات المحلية والدولية لمكافحة الانتهاكات على الانترنت ودعم الرقمنة بأشكالها المتنوعّة. كما تواجه الشركات اليوم موجة كبيرة من الهجمات الالكترونية الممنهجة مع تعدد التقنيات وتنوّع الأساليب مما سيصعّب مهمّة تحقيق الأمن السيبراني وضمان أمن البيانات.