يشهد قطاع الاتصالات تحولات جذرية على مستوى العالم والمنطقة مع مناقشات جدية حول أهمية تحقيق التحول الرقمي الشامل ورقمنة التطبيقات. الا أن كل هذا لا يمكن أن يتم من دون الاعتماد على بنية تحتية رقمية قوية وشبكات اتصالات صلبة. من المتوقع أن يصل سوق الاتصالات العالمي، الذي بلغت قيمته 1.81 تريليون دولار في عام 2022، إلى 2.65 تريليون دولار بحلول عام 2030.
من خلال دمج التقنيات الجديدة في محفظة خدماتها، يمكن لشركات الاتصالات تحقيق دخل أكبر من استثماراتها في البنية التحتية وتنويع خدماتها. على سبيل المثال، تُقدم شركات الاتصالات حول العالم حلولاً تنافسية ومبتكرة للشركات، تُعزز الإنتاجية وتُسهّل العمليات وتُسهم في تعزيز القدرة التنافسية الشاملة لهذه الشركات. ويشمل ذلك، من بين أمور أخرى، توفير شبكات اتصالات قوية وموثوقة، بما في ذلك خدمات السحابة "الشبكة كخدمة" (Naas)، واتصالات إنترنت الأشياء، وخدمات الأمن السيبراني، وغيرها من الحلول القائمة على التكنولوجيا. يُعد الشرق الاوسط اليوم مركزاً تكنولوجياً يستقبل التطورات التقنية في مختلف القطاعات. كما يرى الخبراء ان دول الخليج والمنطقة العربية بالعموم تمتلك أهم شبكات الاتصالات والبنية التحتية الحديثة التي تمكّنها من منافسة دول العالم. ومع تحول المؤسسات إلى الرقمنة، كان لا بد للحكومات أن تبدأ خطتها في تحديث البنية التحتية الرقمية لديها استجابةً لمتطلبات السوق واحتياجات العملاء المتغيّرة باستمرار. ومع الانتشاء الكبير للهواتف المحمولة أيضاً، تصبح عمليات تحديث البنية التحتية الرقمية ضرورة وهذا ما يفتح آفاقاً جديدة للأعمال.
تحقق الدول استثمارات سنوية هائلة مع تطوير بنيتها الرقمية ودعم قطاع الاتصالات لديها. كما تقدم شركات الاتصالات حلولاً تنافسية ومبتكرة للشركات مما يعزز انتاجيتها ويسهل عليها العمليات التشغيلية. من المتوقع أن ترتفع قيمة سوق الاتصالات في الشرق الاوسط بمقدار 20 مليار دولار بين عامي 2021 و2026. في دول مجلس التعاون الخليجي، على وجه الخصوص، تستفيد شركات الاتصالات من التطورات الاقتصادية في الأسواق المحلية، ومن معرفة المستخدمين المتمرسين في استخدام التكنولوجيا، للاستثمار بكثافة في نشر تقنية الجيل الخامس، مقدمةً بذلك مجموعة واسعة من الخدمات للمستهلكين والشركات على حد سواء، ومعززةً مكانتها كمحرك رئيسي للتحول الرقمي. ونتيجةً لذلك، من المتوقع أن يبلغ متوسط استخدام بيانات الهاتف المحمول شهريًا لكل هاتف ذكي في دول مجلس التعاون الخليجي 30 جيغابايت بنهاية عام 2023، متفوقةً على أميركا الشمالية وأوروبا الغربية.
البنية التحتية الرقمية الحديثة وتأثيرها
إلى جانب تطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز شبكات الاتصالات الحديثة، يُعدّ نشر تقنية الجيل الخامس محورياً لتسريع التحول من نهج يركز على العملاء إلى نموذج يركز على الأعمال، وقد كان الشرق الأوسط في طليعة دمج تقنية الجيل الخامس، حيث تخطط 61% من شركاته للاستثمار في شبكات مجهزة بتقنية الجيل الخامس. تمثل شبكات الجيل الخامس نقلة نوعية، إذ تتيح اتصالًا سلساً لعدد هائل من الأجهزة في وقت واحد، مع سرعة بيانات غير مسبوقة ومعدل زمن وصول منخفض. ومع استعداد تقنية الجيل السادس لإحداث ثورة في الاتصالات والتواصل، تمضي خطط التبني قدماً مع إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة عن إطلاقها هذه الشبكة في عام 2030. أصبحت تقنيات أخرى، مثل الحوسبة السحابية، والحوسبة الطرفية، والذكاء الاصطناعي، مكونات أساسية في عروض الاتصالات، مما يتيح للشركات في مختلف القطاعات زيادة إنتاجيتها، واتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات. وفي إطار تعزيز التكامل بين الاتصالات والتكنولوجيا، تتعاون شركات الاتصالات الرائدة في المنطقة مع شركات متخصصة بخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عالمية مثل مايكروسوفت وغوغل لتوفير حلول رقمية للشركات، وجعلها أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة، وجاهزة للمستقبل الرقمي. يُعدّ التعاون الاستراتيجي مع المؤسسات الصناعية مثالاً آخر على سعي شركات الاتصالات في الشرق الأوسط الحثيث للمشاركة في رحلة التحول الرقمي للصناعات والمجتمعات. فمن خلال بناء شراكات مع جهات فاعلة رئيسية في مختلف القطاعات، لا تُمكّن شركات الاتصالات الصناعات من تبني أحدث التقنيات فحسب، بل تُوظّف أيضًا خبراتها في مجال الاتصال والتكنولوجيا لتضع نفسها في طليعة الابتكار.
تطلق وزارات الاتصالات مشاريعها لتطوير البنية التحتية الرقمية محاولةً بذلك تحسين سرعة الانترنت ومد كابلات أطول لاستيعاب حركة البيانات المتزايدة وربط المدن. تتبع سوريا هذا المسار مع تنفيذ وزارة الاتصالات فيها مشاريع عدّة في هذا الاطار بالشراكة بين القطاعين العام والخاص. ومن المتوقع أن تعزز هذه المشاريع مكانة سوريا الرقمية وتتيح فرصاً تقنية أكبر داخل الدولة وربطها بالدول المجاورة ودول العالم.
بدورها، تستجيب قطر إلى الواقع الراهن مع تطوير البنية التحتية الرقمية للاتصالات حيث وقعت أوريدو قطر اتفاقية لبناء كابل بحري يربط بين دول الشرق الاوسط ونقل البيانات بين أوروبا وآسيا. كما يربط الكابل البحري قطر وسلطنة عمان والامارات والبحرين والسعودية والكويت والعراق. سيوفر الكابل زمن انتقال منخفضاً وأكثر أماناً إلى ممر جديد يربط دول الخليج بأوروبا بما يصل إلى 24 زوجاً من الألياف وسعة تصل إلى 720 تيرابايت في الثانية.
توفر البنية التحتية الرقمية الحديثة اتصالاً مرناً عالي الجودة من خلال تعزيز دور الشبكة وتوفير سرعات أكبر للاتصالات.
المنطقة العربية مركز للتحول الرقمي
"التحول الرقمي لنجاح كل القطاعات"، هذا ما يعتبره خبراء التكنولوجيا والتقنية مؤكدين دور الذكاء الاصطناعي وضرورة تطوير البنية التحتية لمواكبة هذا التحول. تتقدم دول الخليج بشكل خاص في سباق الرقمنة مع وضع رؤية استراتيجية لدمج التكنولوجيا بالقطاعات ودفع التحول الرقمي. هذا ويعتبر سوق الخليج واحداً من أكثر الأسواق ازدهاراً خلال السنوات الأخيرة الماضية مع اطلاق مزيد من شبكات الاتصالات وتحديث البنية التحتية لآفاق جديدة.
المملكة العربية السعودية في صدراة المشهد الانمائي:
في هذا السياق، يُعد قطاع الاتصالات في المملكة العربية السعودية أبرز القطاعات تحولاً في المنطقة مع انتشار كبير للجيل الخامس. وتُثبت هذه الشبكات اصرار المملكة على تطوير مكانتها التقنية والرقمية من خلال بنية تحتية متينة قادرة على تبني أحدث الحلول التي تدفع نماذج جديدة على مستوى الأعمال والخدمات. كما تعمل الشركات في المملكة على تطوير شبكات ذات زمن استجابة منخفض بالاضافة إلى السرعة والأمان في نقل البيانات. بالاضافة إلى اعتماد الذكاء الاصطناعي وتدشين الروبوتات في الاماكن العامة لخدمة المواطنين لتحليل المعلومات في الوقت الفعلي والقيام بكل عمليات الصيانة والأتمتة وغيرها بكلفة أقل.
نتيجة البنية التحتية الرقمية الحديثة، تلعب المملكة العربية السعودية اليوم دوراً بارزاً في القطاعات الالكترونية؛ الألعاب والترفيه والاقتصاد والتعليم والسياحة والنقل. هذا وتضع المملكة خارطة طريق لنشر وتوسيع شبكات الجيل السادس في مختلف مناطقها بحلول عام 2034. ان البنية التحتية الرقمية الحديثة تجعل المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول خصوصاً في الشرق الاوسط قادرة على مواكبة العصر الحالي والاستعداد للمرحلة المقبلة مع كل تقنيات المستقبل.
استراتيجية الامارات لتطوير بنيتها التحتية:
على الخط نفسه، تعمل حكومة الامارات على تطوير البنية التحتية للاتصالات لديها مع اعتماد الذكاء الاصطناعي ودمجه في مختلف القطاعات والاستثمار بالابتكارات والحلول الرقمية. كما تدعم الحكومة الاماراتية المهارات واليد العاملة المؤهلة لتطوير الأنظمة الرقمية الذكية في البلاد ضمن استراتيجية واضحة تجعل الامارات في صدراة الدول المستثمرة في التقنية. وبفضل البنية التحتية الرقمية وشبكة الاتصالات الحديثة، أصبحت الامارات اليوم في ريادة الدول الرقمية على المستوى الاقليمي والعالمي.
ومع الحلول الرقمية واستخدام الذكاء الاصطناعي في الحكومات والمؤسسات، أدى ذلك إلى تحسين خدمة المواطنين والاستجابة إلى متطلباتهم بسرعة. هذا وتصدرت الامارات "مؤشر البنية التحتية للاتصالات" في العام 2024 الذي سلّط الضوء على جهود الحكومة الاماراتية في اعتماد الحلول الذكية واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية المستدامة مؤكداً موقعها الريادي في المستقبل الرقمي وأهمية دمج الذكاء الاصطناعي ضمن مختلف القطاعات كأولوية للانتقال من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ الشاملة.
وبحسب التقارير الدولية من المتوقع نمو قطاع البنية التحتية خلال العام الجاري بنسبة تصل إلى 5% حتى عام 2030. يأتي هذا النمو مدعوماً بالمشاريع الاستثمارية الجارية وقيد الانشاء من قبل الحكومة. تتمتع الإمارات بشبكة بنية تحتية حديثة وفعالة تشمل خدمات النقل والطاقة والاتصالات والتنمية الحضرية.
رؤية 2035 لتعزيز البنية التحتية في الكويت:
تطمح الحكومة الكويتية الى تنفيذ 35 مشروعاً لتطوير البنية التحتية في الدولة بكلفة 15 مليار دينار على أن يتم انجازها خلال السنوات التسع المقبلة. وفقاً للهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات الكويتية، فقد حققت الدولة تقدماً رقمياً ملحوظاً في عام 2024 مع تطوير البنية التحتية الرقمية مما ساهم بدعم الاقتصاد الرقمي. كما أطلقت الهيئة الممر الاقليمي الذي يربط الكويت ومدينة فرانكفورت كبديل متكامل للمسارات البحرية التقليدية وهو يسمح بنقل البيانات بسرعة وموثوقية خلال زمن وصول منخفض. كما يتيح هذا الممر توجيه حركة البيانات من الكويت إلى دول العالم، إلى أوروبا مروراً بالعراق بشكل آمن. وفي اطار الأعمال لتطوير البنية التحتية الرقمية، لماضي المرحلة الأولى من خدمة تسجيل الامتداد المباشر (.kw)إضافة إلى إطلاق ترددات جديدة تمهيداً لإطلاق تقنية الجيل الخامس المتقدم وهي الأحدث والأعلى مستوى في قطاع شبكات الاتصالات. ولدعم جهود التحول الرقمي في القطاعين العام والخاص، وقعت الهيئة عقد تأجير أراض مع شركة غوغل لإنشاء مراكز بيانات حديثة لخدمات الحوسبة السحابية في الدولة. هذا بالاضافة إلى توقيع اتفاقيات مع شركات اتصالات لتطوير قطاع التكنولوجيا والتقنية وتعزيز البنية التحتية الرقمية.
الطفرة الرقمية في الخليج
يرسخ عمالقة التكنولوجيا والاتصالات وجودهم في الخليج مع اطلاق مراكز للبيانات وتعزيز وجود الذكاء الاصطناعي لخدمات عالية المستوى. فإلى جانب تطوير البنية التحتية الرقمية، تساهم الجامعات والبرامج التعليمية بدفع هذه الرؤية لتنمية المهارات وتدريب الموظفين الحاليين على أتمتة العمليات التشغيلية وحسن استخدام التكنولوجيا مما يضمن توازناً بين البنية التحتية المتطورة والقدرات البشرية المحلية. تندمج هذه الرؤية مع الرؤية المستقبلية لدول الخليج والاستراتيجية الوطنية لديها لتنويع الاقتصاد والتوجه نحو الاقتصاد القائم على التكنولوجيا بعيداً عن النفط. تتجاوز الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية مليارات الدولارات ومن المتوقع أن يكون لوزارات الاتصالات دوراً حاسماً في تحويل المجتمع العربي إلى مجتمع رقمي يتبنى كل الابتكارات العالمية ويستفيد منها لمنافسة الأسواق المحلية والدولية.