يساهم الذكاء الاصطناعي في تكوين المنطقة المتجهة نحو البنية الرقمية؛ ومن المتوقع أن تكتسب الدول هنا الكثير من الميزات الاقتصادية والمجتمعية خلال السنوات المقبلة. للتكنولوجيا كما للحلول الرقمية تأثيرها على الشرق الاوسط ومستقبله والأكيد أن المنطقة متجهة نحو مرحلة أخرى تحاكي الثورة التكنولوجية بكل مقوماتها.
تدرك حكومات الشرق الأوسط أهمية دمج الحلول الرقمية بالأعمال على النحو الذي غيّرت فيه عالمنا، فهي تؤثر أيضاً على تطور الذكاء الاصطناعي ونمط الحياة والأسواق بشكل عام. وفقاً للدراسات، من المتوقع أن يحقق الشرق الأوسط 2% من اجمالي الفوائد العالمية للذكاء الاصطناعي بحلول 2030. تُظهر دول الخليج التزامها بتبني الحلول الذكية وتطوير الذكاء الاصطناعي مع تركيز استثمار الشركات في المملكة العربية السعودية والامارات مثلاً على هذه التقنيات لتقديم تجربة مميزة. ومع التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة وانعكاس الذكاء الاصطناعي على الانتاجية والايردات، يستدعي ذلك التوقف عند أهم الأرقام التي شهدتها دول المنطقة مؤخراً والمتطلبات لتحقيق التوازن الايجابي.
الذكاء الاصطناعي لاقتصاد البلاد: ايجابيات وخدمات
يمثّل الذكاء الاصطناعي مرحلة مهمّة بالنسبة للدول العربية التي تهدف إلى تقديم مستوى آخر من المشاريع والانطلاق برؤية تحترم وجود التكنولوجيا والحياة الرقمية بكل مقوماتها. وتتبنى المنطقة هذه التقنية لمعالجة المشاكل المتمثلة والصعوبات في العمليات التشغيلية لتحقيق التنمية المستدامة. هذا ويمثل التحول الرقمي تحولاً كبيراً في السوق المحلي حيث يتيح خدمات أوسع أكثر مرونة وأمانة بالاضافة إلى تأثيره الواضح على الاقتصاد. وفقاً للدراسات، قد يساهم الذكاء الاصطناعي بنحو 320 مليار دولار في اقتصاد الشرق الأوسط بحلول عام 2030. هذا الأمر يتطلب وجود يد عاملة ماهرة تتقن كيفية استخدام التكنولوجيا الحديثة ودمج الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة لتمكين الشركات والأعمال والأفراد على حدٍّ سواء.
من خلال قدراته الهائلة، يرفع الذكاء الاصطناعي مستوى الابتكار والدقة لتطوير القطاعات الصحية والخدماتية واللوجستية والمالية وغيرها أيضاً. كما أدى الذكاء الاصطناعي إلى ظهور مفاهيم جديدة لتطوير الاقتصاد الرقمي وتحليل البيانات ومنافسة السوق المحلي والعالمي. يعتمد مستقبل الذكاء الاصطناعي على سياسات الدول واستثمار المجتمعات بهذه التقنية للتكيّف مع التغييرات المتسارعة. وهنا يبقى السؤال الأهم، كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على اقتصاد دول المنطقة؟
تطوّر الدول العربية نموذجها الخاص لتطبيق الذكاء الاصطناعي وضمان اعتماد هذه التقنية بشكل مسؤول وآمن. كما تعمل وزارات الاتصالات مع عمالقة التكنولوجيا لمعالجة المشاكل والتحديات في هذا المجال باعتبار التحول نحو الرقمنة أمراً مهماً لتلبية تطلعات المجتمع المستقبلي.
تلتزم الدول العربية بهذا الاتجاه ومنها المملكة العربية السعودية التي تستثمر الهيئات فيها بتطوير الذكاء الاصطناعي واستضافة نماذج رقمية جديدة. تستفيد المملكة العربية السعودية من الذكاء الاصطناعي إلى أبعد حد فمن المتوقع ان تصل قيمة هذه التقنية في البلاد إلى 135 مليار دولار بحلول 2030 بما يعادل 12% من الناتج المحلي الاجمالي للمملكة. تتيح التكنولوجيا آفاقاً كبيرة لتوسيع الأعمال والسوق الاقتصادي وتسريع نمو الشركات في المملكة بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 واحتياجات الدولة.
على الخط نفسه، سيساهم الذكاء الاصطناعي بنحو 100 مليار دولار في الاقتصاد الاماراتي بحلول عام 2030 بعد المملكة العربية السعودية التي تحل في المرتبة الأولى من حيث الدول الأكثر استفادة من الذكاء الاصطناعي. تقود الامارات المشهد الرقمي مع التزامها بتطوير الحلول الذكية وتعزيز البيئة الرقمية في البلاد. تُعد الامارات مقراً مهماً للابتكارات وتوظيف التكنولوجيا مع وضع رؤية خاصة بالذكاء الاصطناعي. ونظراً للتأثير الايجابي لاعتماد الذكاء الاصطناعي في الأعمال، تتجه حكومة أبوظبي لاعتماد الذكاء الاصطناعي بنسبة 100% إلى جانب حلول الحوسبة السحابية في العمليات الحكومية. تعتبر الامارات اليوم من أهم الدول المنافسة على المستوى الاقليمي والدولي حيث تهدف لأن تكون مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031. تجذب الامارات الكثير من المشاريع الأجنبية الناشئة مما يدعم الحركة الاقتصادية الاستثمارية.
بدورها تطرح دولة الكويت مبادرتها لتطوير الذكاء الاصطناعي عبر تأهيل كل المهارات واليد العاملة فيها. من المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي باقتصاد الدولة بنحو 46 مليار دولار مع حلول عام 2030 مع تركيز الشركات في الكويت على تحقيق التحول الرقمي الشامل. يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً مهماً في تحقيق التوازن الاجتماعي والرقمي مع اعتماد التطبيقات الذكية لتسهيل الحياة اليومية. وفي السياق، تم الاعلان عن اتفاقية شراكة استراتيجية بين الحكومة الكويتية وشركة مايكروسوفت لانشاء مركز بيانات الذكاء الاصطناعي ومركز التميز للحوسبة السحابية بهدف دعم الكوادر واليد العاملة الماهرة.
كذلك الأمر، يحقق الذكاء الاصطناعي تحولاً كبيراً في المجتمع القطري حيث سيساهم بنحو 10% من اقتصاد الدولة بحلول 2030. وبينما تواكب قطر التحولات المتتالية، يعبّر قادة الأعمال القطريون عن تفاؤلهم بالمرحلة المقبلة مع تحقيق مزيد من الازدهار في الأعمال والقدرة على دعم الايرادات وتحقيق النمو الاقتصادي والمنافسة في مجالات متعددة مع توفير البيئة الرقمية المؤاتية لاعتماد الذكاء الاصطناعي وتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط. 90% من الشركات القطرية تخطط لدمج الذكاء الاصطناعي في أعمالها مع دعم المهارات في هذا المجال.
تحديات الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد
تواجه الشركات مجموعة من التحديات في دمج الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد رغم الفوائد المالية المحققة. ومن التحديات الأبرز هي هيمنة الشركات الكبرى الأكثر تقدماً رقمياً والتي تمتلك بنية تحتية رقمية ضخمة على الشركات الصغيرة مما يخلق فجوة في السوق المحلي وبالتالي يزيد التفاوت الاقتصادي.
هذا وتشكّل مسألة الهجمات الالكترونية المتزايدة والمخاطر الرقمية المحتملة مخاوف المستثمرين في الدول وترددهم في التوسع بعالم الذكاء الاصطناعي باعتبار أن هذه التقنية تهدد أنظمة الانترنت والوجود على الشبكة.
الآراء تختلف، فثمّة علاقة معقدة تحمل الكثير من التناقضات بين الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الذي يرتكز اليوم بأغلب دول العالم على التكنولوجيا. فلتطوير الأعمال ومواكبة المرحلة، يجب على الشركات التفكير بكيفية الانتقال إلى الرقمنة وتحويل سوق العمل إلى الحلول الذكية والتطبيقات والبرمجيات والمواقع الالكترونية، مع الاخذ بالاعتبار الضوابط والقوانين الدولية والمعايير العالمية للسلامة الرقمية دون تعرّض البيانات والمعلومات والحسابات إلى خطر الانتهاك.
فإن دمج الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد يساهم في خلق بيئة مميزة لتسريع وتيرة النمو والتقدم على مختلف الأصعدة حيث يعرب أكثر من 50% من الرؤساء التنفيذيين عن أهمية اكتساب الخبرة الرقمية الكافية لاعتماد الذكاء الاصطناعي والاستفادة القصوى منه بعيداً من المخاطر التي يمثلها للانفتاح على مختلف الأسواق واعادة هيكلة المجتمع والأعمال عبر استراتيجية تنموية قادرة على الاستجابة إلى رغبة الأفراد ورؤية الحكومات في ما يتعلق بهذا المجال مع ارتفاع الطلب على الاقتصاد الرقمي. فهل سيقوم الاقتصاد الممستقبلي على الرقمنة الحديثة فقط؟