تحت محيطات العالم يكمن إنجاز تكنولوجي قد يجهل البعض أهميته، إنه الكابلات البحرية. تمتد شبكة الكابلات البحرية عبر قاع المحيطات لمئات الآلاف من الكيلومترات، وهي بمثابة شبكة الطاقة تحت الماء والعمود الفقري لتوفير الاتصال السريع بالانترنت وتسهيل تبادل البيانات. تعتبر الكابلات البحرية، أساسية لتسريع التحول الرقمي وللانتقال إلى الطاقة الخضراء والتكنولوجيا المستدامة.
يبرز الشرق الأوسط كمركز رقمي محوري، مدفوعاً بموقعه الجغرافي الاستراتيجي، حيث تسعى الدول فيه إلى تحقيق التحول الرقمي الشامل، وضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية للاتصالات. تشكّل شبكة الكابلات البحرية جزءاً أساسياً من محيطات الشرق الأوسط، فهي تدعم أيضاً تكنولوجيا الحوسبة السحابية وكل التعاملات الرقمية مما يسمح بدخول الدول في العصر الرقمي من بابه العريض. حالياً يوجد نحو 600 نظام كابل بحري قيد الخدمة ومخطط لها، وهي تمتد على ملايين من الكيلومترات. تنقل الكابلات تحت سطح البحرعدة تيرابايتات من البيانات في الثانية وتوفر الطريقة الأسرع والأكثر موثوقية لنقل البيانات المتاحة اليوم. كما تحمل الكابلات البحرية أكثر من 99% من حركة الإنترنت في العالم، مما يجعلها عنصراً أساسياً للاتصالات والتجارة الحديثة. وبسبب موقعه الجغرافي بين أوروبا وأفريقيا وآسيا، يلعب الشرق الأوسط دوراً حاسماً في تسهيل حركة البيانات العالمية ليصبح بذلك نقطة مهمة للاتصال الرقمي. كيف تطورت الكابلات البحرية مع التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي؟ وكيف تدخل شركات الاتصالات والتكنولوجيا في هذه الصناعة؟
الكابلات البحرية والتقنيات الحديثة: قوة متبادلة
ارتفع الاستثمار على التقنيات الحديثة لا سيّما الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات خلال الأشهر الماضية حيث تتوجه استثمارات دول أوروبا إلى هذا المجال وكذلك دول المنطقة ومنها الامارات التي كشفت عن خططها للاستثمار بنحو 50 مليار دولار. مع تسارع العصر الرقمي، تدخل شركات التكنولوجيا والاتصالات في عالم الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وغيرهما من التقنيات للاستفادة من كل الخدمات للارتقاء بالتجربة. توازياً تُخصص استثمارات ضخمة على مراكز البيانات والبنية التحتية التي تربطها – الكابلات البحرية – لتمكين الشركات وتوسيع خدماتها على نطاق واسع وتوفير امكانات أكبر للذكاء الاصطناعي وتلبية متطلبات السوق والأفراد المتغيّرة باستمرار. ونظراً لقدراتها العالية، قد يكون تشغيل المنصات المتصلة أو المراكز السحابية والتطبيقات الذكية شبه مستحيل من دون الكابلات البحرية اليوم. وتلعب الشركات في القطاعين العام والخاص دوراً مهماً في تحسين أداء الشبكات البحرية وصيانتها حيث يمتلك كل منها جزءاً منها. ومع نمو هذه التقنيات، ينمو أيضاً عدد مراكز البيانات اللازمة لدعمها، مما يتطلب توسعاً مماثلاً في البنية التحتية للطاقة للتعامل مع الاستهلاك الهائل للطاقة في الذكاء الاصطناعي. على ضوء ذلك، ارتفع الطلب على الكابلات البحرية مع أهمية نقل البيانات إلى مسافات بعيدة. فإن توسيع الكابلات البحرية لن يساعد فقط في تلبية الأفراد والاستجابة لحاجاتهم إلى الطاقة مع استخدام التطبيقات أكثر، بل يضمن أيضاً تشغيل مراكز البيانات بالطاقة النظيفة. انطلاقاً من ذلك، يرى مشغلو الاتصالات أهمية تعزيز وجود الكابلات البحرية وصيانتها بشكل أفضل وتوفير البنية التحتية للطاقة المطلوبة.
الربط بين مراكز البيانات والكابلات البحرية
في وقت تحتاج فيه شركات التكنولوجيا والاتصالات وغيرها من الشركات في قطاعات أخرى إلى تعزيز مكانتها الرقمية وتوسيع شبكات مراكز البيانات الخاصة بها، تلعب الكابلات البحرية دوراً محورياً في ذلك.
من أجل هذا الأمر، يستثمر عمالقة التكنولوجيا ومنها غوغل وأمازون وميتا ومايكروسوفت، مليارات الدولارات في بناء مراكز بيانات جدية تابعة لها في مختلفة أنحاء العالم. ويجب أن تكون مراكز البيانات هذه متصلة من أجل ضمان التشغيل الفعال وبزمن وصول منخفض خصوصاً في المسافات البعيدة. تتيح الكابلات البحرية وصول البيانات في الوقت الفعلي والتواصل بسرعة مما يضمن خدمة عالية المستوى.
في هذا الاطار، أكدت شركة ميتا تبنّي مشروع "واتروورث" وهو أطول كابل بحري في العالم بطول 50 ألف كلم ومكوّن من 24 زوجاً من الألياف في العالم. سيربط هذا الكابل 5 قارات وسيمتد على عمق 7000 متر. يؤكد القيّمون أهمية امداد هذا الكابل لتوفير الاتصال عالي السرعة ودعم الابتكارات والتقنيات منها الذكاء الاصطناعي خصوصاً بالنسبة لشركات التكنولوجيا التي تستخدم النسبة العالية من هذه التقنيات.
تنقل الكابلات البحرية نحو 95% من حجم البيانات بين قارات العالم بسرعة وأمان
فمع اعتمادنا المتزايد على الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، زادت الحاجة إلى وجود مراكز بيانات لدعم التطبيقات الذكية المدعومة من احدى التقنيتين. في هذه الحالة، تُعد الكابلات البحرية أساسية لتدفق المعلومات بين مراكز البيانات بسلاسة ومرونة؛ توفر الكابلات البحرية النطاق الترددي العالي اللازم لنقل الكميات الهائلة من البيانات الناتجة عن خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتطبيقات السحابية.
كلما ارتفع معدل نقل البيانات وخفض زمن الوصول، أصبحت الخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي أكثر كفاءة وقوة. وهنا يأتي دور الكابلات البحرية، حيث توفر الاتصال السريع والموثوق والآمن.
ليس فقط من أجل السرعة، بل تعتمد شركات التكنولوجيا على الكابلات البحرية لحماية البيانات المتنقلة عبر التشفير، تضمن الكابلات البحرية مرور البيانات بمرونة وبشكل موثوق حتى خلال الكوارث الطبيعية التي لا تتأثر فيها تحت سطح البحر. بحسب الخبراء، تدعم الكابلات البحرية الابتكار فهي تتيح امكانية تشغيل الخدمات على نطاق واسع مع ضمانات دون التوقف عن العمل. مع توسع الشركات في أسواق جديدة وانتشار مراكز البيانات، ستكون الكابلات البحرية أساسية لدعم الاتصال العالمي، مما يضمن دمج كل منطقة بشكل كامل في المنظومة الايكولوجية على مستوى عالمي.
تنقل الكابلات البحرية نحو 95% من حجم البيانات بين قارات العالم بسرعة وأمان. وتصل قيمة سوق هذه الكابلات إلى نحو 14 مليار دولار مما يجعلها عنصراً مهماً للاقتصاد العالمي. كيف؟
الكابلات البحرية والاقتصاد العالمي
ساهمت الكابلات البحرية ليس فقط بدعم الخدمات التكنولوجية وارسال كمية هائلة من البيانات في وقت واحد فحسب، بل مكّنت الحركة التجارية بين الدول حيث تسهّل على رجال الأعمال عمليات البيع والشراء وتفتح لهم باباً على الأسواق الجديدة دون التقيّد بالمسافات. كما تجذب الكابلات البحرية الاستثمارات الأجنبية مما يدفع الاقتصاد العالمي إلى الأمام ويطوّر فرص العمل ويحقق الاستدامة.
ففي عام 2023، وصل عدد الكابلات البحرية النشطة أو قيد الانشاء إلى 43 كابلاً مقارنةً بعام 2022 وهي تحتوي على 1444 نقطة وصول نشطة لربط الكابلات بالاتصالات الأرضية. بحسب الدراسات، من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على الكابلات البحرية من 4.6 مليارات دولار في عام 2022 إلى 21.3 مليار دولار في عام 2029 نظراً لكل الفوائد المذكورة.
ساهمت الكابلات البحرية ليس فقط بدعم الخدمات التكنولوجية وارسال كمية هائلة من البيانات في وقت واحد
تستثمر المنطقة العربية ودول الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر بكثافة في البنية التحتية الرقمية لدعم استراتيجيات التنويع الاقتصادي. وتعتبر شبكة الكابلات البحرية أساسية لتحقيق هذا التنوع، مما يضمن وصول الشركات والمستهلكين إلى الخدمات الرقمية السريعة والموثوقة والآمنة في آنٍ.
تشمل الشبكات البحرية الرئيسية في الشرق الأوسط SEA-ME-WE 3, 4, 5, 6؛ غولف بريدج إنترناشيونال (GBI)؛ ونظام كابلات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)؛ آسيا-أفريقيا-أوروبا 1 (AAE-1)؛ Afica2؛ والألياف الضوئية في الخليج (FIG)، والتي تعمل جميعها على تعزيز الاتصال الإقليمي والعالمي. تعكس مشاريع توسع الكابلات البحرية أهمية البنية التحتية تحت سطح البحر ودورها في تعزيز الاقتصاد الرقمي في المنطقة من جهة ويوفر اتصالات عالية السعة بالأسواق العالمية من جهة أخرى. كما تستفيد الشركات الكبرى من قدرات الكابلات البحرية لنقل كميات هائلة من البيانات بسرعات فائقة عبر القارات.
أعلنت شركات اتصالات عدّة عن تعاونها مع شركات أخرى ومبادرات خاصة لإنزال كابلات بحرية تربط نقاطاً مختلفة من العالم.
مبادرات شركات الاتصالات لإمداد الكابلات
أعلنت شركات اتصالات عدّة عن تعاونها مع شركات أخرى ومبادرات خاصة لإنزال كابلات بحرية تربط نقاطاً مختلفة من العالم. وفي غضون ذلك، وقعت Ooredoo عُمان اتفاقية لإنزال نطام كابلات 2Africa في بركاء وصلالة. وتمثل هذه الاتفاقية أكبر عملية من هذا النوع في سلطنة عمان حتى الآن. يمتد نظام الكابلات 2Africa ، لمسافة 45000 كلم، وهو يعتبر أكبر نظام كابلات تحت سطح البحر في العالم. عند اكتماله، سيؤثر على أكثر من 3 مليارات شخص في 33 دولة في ثلاث قارات، أفريقيا وآسيا وأوروبا. يتكون اتحاد 2Africaمن Bayobab وcenter3 وChina Mobile International وMeta وOrange وTelecom Egypt ومجموعة فودافون. تُحتسب هذه العملية خطوة أخرى لتقدم السلطنة في مجال الكابلات البحرية لتصبح لاعباً أساسياً في مجال الاتصالات. كما تتماشى عملية الانزال هذه مع استراتيجية Ooredoo عمان في توسيع نطاق انتشارها اقليمياً ودولياً وتمكينه في مشهد الاتصالات المتطور.
بدورها، أعلنت الشركة المصرية للاتصالات في وقت سابق، توقيع مذكرة تفاهم مع 3 شركات لتكوين تحالف دولي لإنشاء مشروع كابل بحري للربط بين مراكز البيانات في عدد من الدول بداية من جنوب شرق آسيا والهند وصولاً إلى الشرق الأوسط ومصر. يرتكز هذا الكابل على اعتماد مسارات دولية جديدة متنوعة وهو يمتد بطول 11 كلم ويربط إندونيسيا وسنغافورة بجنوب شرق آسيا بالهند ثم يمتد ليربط سلطنة عمان والإمارات ومصر. تدعم المصرية للاتصالات مشاريع إمداد الكابلات البحرية في المنطقة لربط محاور العالم كما سيكون هذا الكابل ركيزة أساسية من ركائز البنية التحتية الدولية لتحقيق هذا الهدف ولتحسين الخدمات وتلبية متطلبات العملاء المتغيرة باستمرار. وأكدت الشركة أنه مع زيادة الطلب على البيانات لا بدّ من زيادة القدرة الاستيعابية للكابلات البحرية الحالية ولم يعد انشاء أنظمة كابلات بحرية جديدة خياراً بل ضرورة.
على الخط نفسه، أعلنت شركة اتحاد اتصالات "موبايلي" إنزال نظام الكابل البحري في السعودية لتعزيز مكانة المملكة مركزاً رئيسياً لتبادل البيانات الدولية، والربط الرقمي بين السعودية و4 قارات ومن المتوقع أن يتم تشغيله بكامل طاقته بحلول أوائل عام 2026. وفقاً للمعلومات، يتيح كابل 1Africa نقل البيانات بسرعة عالية ويدعم أنظمة الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الذكية، كما يعزز الخدمات السحابية ويسرّع عملية التحول الرقمي في المملكة بالاضافة إلى تعزيز حركة مرور البيانات بسرعة عالية لشبكات الجيل الخامس وأنظمة الذكاء الاصطناعي عبر مختلف المناطق الرئيسية في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وأوروبا. يمتد نظام الكابل البحري على مدى 10 آلاف كلم، وبسعة تبلغ 96 تيرابايت في الثانية، وسرعته العالية على مسافة تمتد على 10 آلاف كلم.
في الاطار نفسه، سبق أن تعاونت موبيلي مع المصرية للاتصالات لانزال أول كابل بحري يربط بين المملكة العربية السعودية ومصر. يفتح هذا الكابل فرصاً هائلة أمام الدولتين للوصول إلى قارة أوروبا وتوفير اتصالات أكثر موثوقية بما يتناسب والطلب المتزايد على البيانات وخدمات الانترنت السريعة محلياً ودولياً تحت سطح البحر.
من جهتها، تعمل شركة center3 على إعادة تعريف البنية التحتية الرقمية في الشرق الشرق الأوسط من خلال دعم الذكاء الاصطناعي وإمداد الكابلات البحرية لتبادل نقاط الانترنت مما يدفع التحول الرقمي. كما تعمل الشركة على ضمان الوصول المرن إلى الاتصال السريع وتعزيز التواصل المحلي والدولي.
وبينما يُعد الاتصال عاملاً مهماً لتوظيف امكانات الذكاء الاصطناعي، تعزز الشركة استثماراتها في هذا المجال حيث تمتد شبكة الكابلات البحرية الخاصة بها عبر 3 قارات وتربط الأسواق الرئيسية باتصال عالي السرعة. وعن هذا الموضوع لفت محمد القحطاني، مدير العمليات في center3 عبر مقابلة له مع تيليكوم ريفيو، إلى ان كابلات 2Africa، تضع المملكة العربية السعودية كمركز رقمي محوري، مما يعزز الاتصال العالمي ويدفع النمو الاقتصادي في المنطقة. تلعب شبكات الكابلات البحرية دوراً مهماً لتمكين خدمات الانترنت والخدمات السحابية وتبادل البيانات بين الدول مع زمن وصول منخفض. من أجل ذلك، تدعم شركات الاتصالات هذه الشبكات من خلال تمويلها وصيانتها.
وكذلك، تساهم مجموعة stc في عملية تحقيق التحول الرقمي في المملكة العربية السعودية حيث توسع نطاق أعمالها في الكابلات البحرية التي تمتد إلى دول الجوار. إضافة إلى أهميتها في توفير الاتصال العالمي، تلعب الكابلات البحرية دورها في تعزيز مكانة مجموعة stc الرقمية بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 للوصول إلى مجتمع رقمي شامل ودعم تدفق البيانات والاتصالات عبر مختلف القطاعات.
في عام 2022، أعلنت شركة زين السعودية عن بدء عملها لربط منطقة الشرق الأوسط بقارة أفريقيا من خلال الكابل البحري J2M. وقد تم الاعلان عن مدينة جدّة محطة انزال الكابل البحري في المملكة. دخل الكابل البحري الخدمة الكاملة في عام 2023 مع تأكيد الشركة السعودية على القدرات التي يضيفها هذا الكابل للمملكة لتلبية متطلبات السوق المحلي ورفع كفاءة الاتصالات أيضاً.
تدفع الكابلات البحرية عجلة التحول الرقمي في المملكة العربية السعودية مع تعزيز ربطها بالعالم وترسيخ مكانتها كمحطة رقمية رائدة بما يصب في أهداف رؤية المملكة 2030. وتتطلع المملكة إلى الاستثمار في البنية التحتية الرقمية لما تقدمه من خدمات فائقة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
بين الأسلاك البحرية والمحطات الفضائية، تعتبر الكابلات البحرية أفضل بكثير نظراً لقدراتها على مقاومة التحديات الطبيعية
بين الإنترنت والبحري والفضائي اختلافات كثيرة
قد يكون الوصول إلى الانترنت أمراً بديهياً في عصر التكنولوجيا حيث أصبحت كل الأجهزة بين أيدينا متصلة. وبينما يعتقد البعض أن مصدر الانترنت المستخدم هو الأقمار الصناعية فقط، يتبيّن لنا أن الكابلات البحرية هي المصدر الأكبر لخدمات الانترنت المتاحة لنا لا العكس.
الفرق الواضح بين الاثنين هو امتداد الكابلات الأرضية تحت سطح البحر وهي تستخدم لنقل المعلومات والبيانات الخاصة بالانترنت وبأعلى سرعة مقارنةً بسائر الطرق. أما الأقمار الصناعية فيتم ارسالها إلى الفضاء الخارجي بالمئات أو الآلاف على دفعات وتدور حول الأرض عبر محطات فضائية دولية. يتم التواصل بين الأقمار الصناعية عبر الاشارات الهوائية الموجودة على سطح الأرض باستخدام موجات الراديو. ولضمان سرعة أكبر دون توقف، يتم تطوير مجموعات جديدة من الأقمار الصناعية على مسافة منخفضة من المدار الأرضي لتمكين وصول الانترنت بزمن وصول منخفض.
وبين الأسلاك البحرية والمحطات الفضائية، تعتبر الكابلات البحرية أفضل بكثير نظراً لقدراتها على مقاومة التحديات الطبيعية ونقل البيانات بسرعة تبلغ نحو 1000 ميغابايت في الثانية بينما سرعة نقل المعلومات بواسطة الأقمار الصناعية تصل إلى 500 ميغابايت في الثانية. يمكن تقسيم الكابلات البحرية بين أحادية الوضع وهي تستخدم لنقل البيانات في اتجاه واحد. النوع الثاني، كابلات متعددة الأوضاع وهي تنقل البيانات في الاتجاهين. وأخيراً الكابلات الهجينة وهي تدمج بين النوعين الأول والثاني.
تعتمد الأقمار الصناعية على الاشارات المرسلة من وإلى الأقمار. في المقابل، يرتكز عمل الكابلات البحرية على خيوط الزجاج والبلاستيك لنقل البيانات. ورغم التقدم الكبير الذي شهدته الأقمار الصناعية خلال السنوات الأخيرة، إلا أن المستخدمين يصفون تصفح التطبيقات والمواقع الالكترونية من انترنت مصدره الكابلات البحرية بالتجربة الغامرة، فهم يتمتعون بمشاهدات عالية دون انقطاع مقارنةً بانترنت مصدره الأقمار الصناعية حيث هناك تقطعات متعددة قد يشهدها المستخدم أو خلل في الصورة أو الصوت في المحتوى. أما الكابلات البحرية فتتمتع بالدقة والكفاءة إلى حد كبير.
مع زيادة الطلب على سرعة الانترنت سنشهد منافسة قوية بين الأقمار الصناعية والكابلات البحرية، فلن تلغي واحدة الأخرى بل سيكون العمل على تحقيق التكامل بين هاتين التقنيتين لسدّ الفجوة الرقمية.
حرب الكابلات البحرية: صراع عالمي وتحديات
نشهد على حوادث انقطاع للانترنت من الكابلات البحرية فهذا ليس بالأمر المستحيل اذ تتكرر حالات الضرر ما بين 150 و200 عطل سنوياً تقريباً وفقاً للخبراء. تعود هذه الأعطال بنسبة 80% للأنشطة البشرية العرضية. في فبراير 2024، واجهت منطقة الشرق الأوسط حادثاً أدى إلى تضرر 4 كابلات بحرية رئيسية في البحر الأحمر، مما أثر على ما يصل إلى 70% من تدفق حركة المرور بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط. أدت هذه الكابلات البحرية التالفة إلى تعطيل الاتصالات بشكل كبير في المنطقة، مما أجبر مزودي الاتصالات، مثل أورانج، وبايباب، وغوغل، وميتا، وفودافون، على إعادة توجيه حركة مرور البيانات عبر الانترنت.
وللحدّ من هذه الحوادث يتطلب ذلك عمليات صيانة متتالية لأكبر الكابلات البحرية حول العالم من قبل شركات مختصة بهذا الأمر. ترتبط حوادث انقطاع الانترنت بمكان وجود الكابلات البحرية، فالمناطاق الضيّقة هي الأكثر عرضة لانقطاع الخدمة فيها. لكن كيف يمكن للدول التقليل من أضرار انقطاع الكابلات البحرية والاستمرار في ارسال البيانات؟
عادةً ما يتم انشاء شبكات بديلة في حال حدوث انقطاع في أي من الكابلات البحرية سواء كان بسبب كارثة طبيعية أو عملية مفتعلة.
أما بخصوص مكانة الكابلات البحرية والأقمار الصناعية، فلا يمكن أن تحل واحدة مكان الأخرى خصوصاً وان الأقمار الصناعية لا تشكل سوى 1% من حركة الانترنت على مستوى العالم ولا يزال عدد المشتركين ضعيفاً مع استمرار ظهور المشاكل التقنية في الأقمار الصناعية.
أما من ناحية الكلفة المالية، فلا تتجاوز كلفة رسوم الاشتراك بانترنت الكابلات قيمة 20 دولاراً في بعض المناطق، بينما تبلغ رسوم استخدام الانترنت من الأقمار الصناعية أكثر من 100 دولار للمشتركين. هذا فضلاً عن تعرض الأقمار الصناعية لكثير من المخاطر البيئية نتيجة العواصف المفاجئة وسرعة الرياح وغيرها من الظروف الصعبة.
رغم أهمية الكابلات البحرية لتحقيق التحول الرقمي إلا أنها مصحوبة بالتحديات وأبرزها:
الحواجز التنظيمية الموجودة في مختلف الدول والتي تخلق عقبات في عمليات نشر الكابلات البحرية أو صيانتها.
المخاطر والحوادث البشرية: تتعرض الكابلات البحرية للتهديدات أو لعمليات تخريب ناجمة عن أنشطة الصيد العشوائي، بالاضافة إلى التهديدات السيبرانية مع محاولات التجسس والقرصنة.
التوترات الجيوسياسية: تؤثر الأوضاع الجيوسياسية في الشرق الأوسط وحول العالم على بناء شبكات الكابلات البحرية مع تأثير المنافسة العالمية في اتخاذ القرارات المؤاتية في هذا المجال.
التقدم التكنولوجي: يحتاج المشغلون ومزودو الخدمات إلى مواكبة التطورات التكنولوجية للبقاء في سباق المنافسة العالمية ولضمان تسهيل حركة البيانات والقيام بكل التعديلات المناسبة.
الكابلات البحرية تدعم المستقبل المستدام
تتخذ الشركات الاتجاه الصحيح مع مواصلة جهودها وتعاونها للارتقاء بكل التقنيات المتاحة لتحسين الاتصالات بالدرجة الأولى. وبالنظر إلى المرحلة المستقبلية، تستعد منطقة الشرق الأوسط لتعزيز مكانتها كمركز رقمي من خلال ضخ مزيد من الاستثمارات في الكابلات البحرية ومراكز البيانات والخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي والحلول الرقمية. هذا وتعمل حكومات المنطقة بنشاط على الترويج للمدن الذكية، والحوكمة الإلكترونية، وكل المبادرات التي تخدم الثورة الصناعية الرابعة. ولتحقيق كل هذا النمو يتطلب ذلك اتصالاً قوياً وموثوقاً. بالاضافة إلى ذلك، فإن التقدم في شبكات الكابلات البحرية، مثل ابتكارات الألياف الضوئية وإدارة الشبكات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، سيزيد من تعزيز كفاءة الشبكات وأمنها تحت سطح البحر. توازياً، ومع استمرار نمو الاقتصاد الرقمي، ستظل البنية التحتية للشبكات البحرية في الشرق الأوسط محورية في تطلعاتها لتصبح رائدة في مجال الاتصال العالمي. من خلال معالجة التحديات الأمنية والتنظيمية والجيوسياسية، يمكن للمنطقة الاستفادة بشكل كامل من ميزتها الجغرافية والعمل كعقدة حاسمة في "النظام البيئي الرقمي" في العالم. من المتوقع أن يصل سوق الكابلات البحرية العالمية إلى 26.11 مليار دولار في عام 2025. وبالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن يصل سوق الكابلات البحرية إلى 35 مليار دولار في عام 2035، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 10%. أما التطور المستمر في شبكات الجيل الخامس والجيل الخامس المتقدم وصولاً إلى الجيل السادس سيؤدي إلى ازدهار القطاع بشكل كبير. ستستمر أهمية الكابلات البحرية في النمو مع استمرارنا في التحرك نحو مستقبل رقمي ومتصل. إن مكانة الشرق الأوسط كدولة رائدة في تبني التقنيات الحديثة سوف تدفع التطورات المستقبلية في أنظمة الكابلات البحرية، مما يتيح وجود ابتكارات لم تظهر بعد.
ومن خلال دمج التطورات التكنولوجية المتتالية مع البنية التحتية الموجودة تحت الماء، سيعمل كل المعنيين لتمكين الاتصال العالمي المعزز بالإنترنت وتعزيز مستقبل عالمنا المترابط.