لطالما كان قطاع الاتصالات في قلب الابتكار التكنولوجي، حيث قاد النمو والتقدم من خلال تطور شبكات الجيلين الرابع والخامس وإنترنت الأشياء. فمع استمرار التطور بوتيرة سريعة – الذي يتشكل من خلال التحول الرقمي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والاستجابة إلى متطلبات منصات الاقتصاد – يصل القطاع إلى مفترق طرق. بالنسبة لماركو ليشتفوس، المدير الإداري لشركة PMP Strategy Luxembourg، الإجابة واضحة: حان الوقت لشركات الاتصالات لأن تتجاوز الشبكات وتبني دوراً جديداً كمزودي حلول.
لطالما اعتبرت شركات الاتصالات نفسها من الجهات التمكينية - أي من الشركات التي توفر البنية التحتية والبيانات والاتصال. رغم أهمية هذا الأمر، لكن لم يعد ذلك كافياً. يعتقد ليشتفوس أنه يجب على شركات الاتصالات تغيير النهج المتبع لتقديم حلول مصممة خصيصاً لتلبية احتياجات القطاعات الفريدة، بدءاً من الرعاية الصحية والصناعة وحتى الطاقة والزراعة.
في هذا الصدد يوضح ليشتفوس قائلاً: "لدينا قدرات مميّزة". "لم يعد الأمر يقتصر على بناء الشبكات أو تعزيز العمليات الداخلية بعد الآن. تتمتع شركات الاتصالات بالخبرة والعوامل اللازمة لتقديم حلول شاملة ومباشرة لمختلف القطاعات، وقد حان الوقت لاغتنام هذه الفرصة".
إثبات مفهوم التكنولوجيا المالية
يقدم قطاع التكنولوجيا المالية مثالاً واضحاً عن كيفية نجاح شركات الاتصالات في التوسع في خدماتها إلى ما هو أبعد من الأدوار التقليدية. فمع دخول سوق الخدمات المالية، تحولت بعض شركات الاتصالات إلى مزودي حلول نشطين، حيث تقدم خدمات الدفع عبر الهاتف المحمول والمحافظ الرقمية والحلول المالية لعملاء التجزئة. لم يقتصر الأمر على توفير الاتصال فحسب، بل تعالج هذه الخدمات ما يحتاجه السوق مما شكّل فرصة لتدفق مزيد من الإيرادات.
يوضح هذا النجاح في مجال التكنولوجيا المالية الامكانات المنتظرة في حال اتخذت شركات الاتصالات خطوات جريئة لتقديم قيمة مضافة تتجاوز الشبكات. في حال تمكنت شركات الاتصالات من أن تصبح من مزودي الحلول في مجال الخدمات المالية، فلماذا لا يتكرر هذا النهج عبر قطاعات أخرى؟
إمكانات غير مستغلّة
نختبر إمكانات هائلة للابتكار القائم على الاتصالات في مختلف القطاعات. على سبيل المثال، قطاع الرعاية الصحية، حيث أحدثت التقنيات التي تتيحها شركات الاتصالات، مثل الجراحة عن بُعد والرعاية المتصلة، ثورة في علاجات المرضى. الأمر نفسه ينطبق في عمليات الصناعة الذكية، حيث تعمل الصيانة التنبؤية والاتصال المعزز على إعادة تشكيل عمليات الإنتاج. تُعد إدارة الطاقة والزراعة والمدن الذكية والمركبات المتصلة أمثلة أخرى على القطاعات التي يمكن أن تحقق فيها حلول الاتصالات قيمة حقيقية.
رغم هذه الاحتمالات، يقول ليشتفوس، ركزت شركات الاتصالات بشكل كبير على تحسين عملياتها الحالية بدلاً من وضع نفسها كشركاء استراتيجيين لقطاعات. ويشير إلىأنه "ما زلنا نعتمد السياسة الدفاعية". وأضاف: "نرى أنفسنا كمزودي بنية تحتية، وليس كمبتكرين يقودون حلولاً ونماذج جديدة للإيرادات. ألم يحن الوقت لاعتماد سياسة الهجوم مرة أخرى؟".
بناء نظام إيكولوجي ذات قيمة
بالنسبة إلى ليشتفوس، ان المسار للمضي قدماً يكمن ببناء أنظمة ايكولوجية تدمج قدرات الاتصالات مع احتياجات القطاع. فبدلاً من تقديم العمود الفقري التكنولوجي فقط، ينبغي لشركات الاتصالات أن تشارك بنشاط مع سائر الشركات، وفهم التحديات التي تواجهها، وتقدم حلولاً شاملة تخلق قيمة قابلة للقياس.
تخيّل على سبيل المثال أن شركة تصنيع سيارات تعمل مع مزود اتصالات لتصميم خطوط إنتاج أكثر ذكاءً، وتنفيذ أنظمة صيانة متقدمة، وتعزيز تكنولوجيا المركبات المتصلة. أو مدينة تعقد شراكة مع إحدى شركات الاتصالات لبناء شبكة ذكية متكاملة تعمل على تحسين استخدام الطاقة ودعم أهداف الاستدامة فيها. هذه ليست مجرد نظريات، بل هي مجالات يمكن لشركات الاتصالات أن تقودها، شرط أن تتبنى هذه الشركات نهجاً واضحاً للتوصل إلى الحلول. يقول ليشتفوس: "تمتلك شركات الاتصالات التكنولوجيا والخبرة والبنية التحتية المطلوبة". وأضاف: "ما ينقصنا هو الرغبة في المضي قدماً كمزودين للحلول، وليس فقط كعوامل تمكين للخدمات".
حان الوقت لاتخاذ القرار
للمضي قدماً في قطاع الاتصالات يجب تحقيق تحول ثقافي واستراتيجي. هنا يتحدى ليشتفوس قادة الاتصالات لتبني نهج أكثر جرأة، يضعهم كمستشارين ومبتكرين ومحركين أساسيين لتحقيق التغيير عبر السياسات المعتمدة في القطاعات.
لم يعد السؤال هو ما إذا كانت شركات الاتصالات تملك الأدوات اللازمة لتقديم هذه الحلول. بل يتعلق الأمر بمدى استعداد هذه الشركات للمطالبة بدورها كمهندسين للمرحلة المستقبلية. ويؤكد ليشتفوس، حان الوقت الآن لاتخاذ قرارات جريئة.
في عالم تترابط فيه القطاعات بشكل متزايد، تتمتع شركات الاتصالات بفرصة فريدة لدفع التآزر والابتكار والنمو. ومن خلال تجاوز الشبكات وبناء أنظمة ايكولوجية تحويلية، يمكن لقطاع الاتصالات إطلاق مصادر إيرادات جديدة وإعادة تأكيد مكانتها في طليعة التقدم العالمي. أمام قطاع الاتصالات فرصة لإعادة تحديد دوره وتشكيل المستقبل. والسؤال الذي يُطرح هو: من سيقود هذه المهمة؟