لا تعرف البشرية حدوداً للنمو والتطور مع دخول التكنولوجيا إلى حياتنا اليومية. فلم تقدّم الحلول الرقمية أسلوباً أفضل للعيش فقط، بل غيّرت الأعمال وركيزة الاستراتيجيات المعتمدة منذ زمن. تتبنى اليوم الدول تقنيات الذكاء الاصطناعي لرفع مستوى الخدمات وتحسين العمليات الانتاجية والتشغيلية والارتقاء بالأعمال أيضاً.
يستخدم أكثر من 70% من العاملين حول العالم الذكاء الاصطناعي التوليدي ويعتبرون أن هذه التقنية حسّنت آلية العمل على مختلف المستويات. أما عن الحكومات في المنطقة، فهي تتجه نحو الاستثمار بالتكنولوجيا والحلول الذكية وانترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي باعتبارها ورقة رابحة تضمن انتقال الاعمال إلى مرحلة جديدة مع التركيز على تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد رقمي والارتقاء بالمجتمع. في ظلّ الثورة الصناعية الرابعة، يزيد انفاق المنطقة على التكنولوجيا بشكل مباشر وعلى كل الحلول ذات الصلة لدفع التحول الرقمي بمختلف القطاعات وتسهيل العمليات التشغيلية فيها. ومن المتوقع أن يصل انفاق الشركات على الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى 7 مليارات دولار بحلول عام 2026 بالتوازي مع نمو الانفاق على أمن المعلومات والبيانات 14% خلال عام 2025؛ وهذا ما يجسّد بشكل واضح رغبة السوق في الاستثمار بالذكاء الاصطناعي بشكل خاص كما يرى الخبراء أن الذكاء الاصطناعي سيتمتع في المستقبل القريب بدقة أكبر وبموثوقية عالية ستسمح للشركات الناشئة أو المستخدمين بتطوير تطبيقاتهم المتصلة.
التكنولوجيا في المنطقة العربية: فائق قوة
تُبدي الدول العربية نيّتها بأن تصبح لاعباً رئيسياً في مجال الذكاء الاصطناعي والتقدّم أيضاً في التكنولوجيا.
بحسب الدراسات، قد يُضيف الذكاء الاصطناعي 320 مليار دولار إلى خزينة الشرق الأوسط بحلول عام 2030 أي نحو 2% من اجمالي الفوائد العالمية. كما تشهد المنطقة استثمارات ضخمة في هذا المجال مع التطوّر السريع للحلول الذكية.
على ضوء ذلك، أعلنت حكومة الامارات العربية المتحدة العمل على أتمتة الشركات في الدولة بنسبة كبيرة منها وتطوير الذكاء الاصطناعي الذي يدعم الناتج المحلي الاجمالي بجزء كبير حيث من المتوقع أن يسهم بنحو 98 مليار دولار لاقتصاد الدولة بحلول عام 2030. تعتبر الامارات من الدول الرائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي حيث تتمركز بطليعة الثورة التكنولوجية. ومع تركيز الاستراتيجيات على الذكاء الاصطناعي لتنويع الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة، تعمل الامارات على دمج هذه التقنية التحولية ضمن مختلف القطاعات لتعزيز الابتكار واعادة تشكيل المستقبل الرقمي.
تماشياً مع هذه الخطوات، تتعاون الشركات في الامارات مع الشركات العالمية لتسريع عملية الأتمتة واعتماد الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحكومية والخاصة وتزويد المهارات الاماراتية بكل المعلومات المطلوبة للتعامل مع هذه التقنية والاستفادة منها بما يتماشى مع رؤية الامارات التي تهدف بأن تصبح رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031. سيلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً بتطوير الاستراتيجية الوطنية للمنطقة ككل وليس للامارات فقط، كما سيُعيد انعاش اليد العاملة التي ستتعامل مع أنظمة جديدة أكثر حداثة. يفتح الذكاء الاصطناعي أمام الامارات فرصاً اقتصادية وتعليمية واجتماعية تنقل الدولة إلى مرحلة أخرى من النمو والتطوّر.
تستثمر الامارات 3 مليارات دولار سنوياً في مجال الابتكار مع الاشارة إلى أن البيانات ستشكّل الجزء الأهم لاتمام الأعمال وتعزيز السوق وتحقيق التنمية المحلية. بالتوازي، تستخدم الامارات الآلات الذكية والروبوتات لتطوير العمليات التشغيلية وتبني أفضل التقنيات لتكون على قائمة الدول الذكية التي تنافس أهم دول العالم بالتكنولوجيا. ودعماً منها للتطوّر، تُجهّز الامارات أكبر مركز للبيانات مما سيفتح مزيداً من الآفاق أمام الشركات والعملاء.
السعودية تتقدّم بقطاع التكنولوجيا
تُثبت المملكة العربية السعودية قوتها في مجال التكنولوجيا والتقنية لترسيخ نفسها كقوة فاعلة بهذا المجال. تركز الاستثمارات السعودية على الذكاء الاصطناعي والتقنية والمدن الذكية والاتمتة الذكية وانترنت الأشياء كما تخطط لاطلاق مشروع يدعم الذكاء الاصطناعي تصل قيمته إلى نحو 100 مليار دولار. يرتكز استثمار المشروع الجديد على مراكز البيانات والشركات الناشئة والبنية التحتية اللازمة لتطوير الذكاء الاصطناعي.
سيشهد قطاع التكنولوجيا ازدهاراً في المملكة مع دخولنا عام 2025 إذ من المتوقع أن تبلغ قيمته 27 مليار دولار. وتهدف رؤية المملكة 2030 إلى رفع مساهمة الناتج المحلي الاجمالي للتكنولوجيا من 2% إلى 5% مما سيوسّع آفاق العمل بمجال التكنولوجيا.
توفر المملكة العربية السعودية نظاماً تقنياً نابضاً بالحياة ومثالياً للمهن الجديدة لا سيّما تلك التي تعتمد بشكل أساس على الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وغيرها من الحلول الذكية.
وفي الحديث عن النمو الذي ستشهده المملكة، يبرز قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في عام 2025 الأمر الذي سيجذب شركات عالمية تخطط ليكون لها مقر في السعودية مما يعكس إصرار المملكة على الاتجاه الذي تأخذه نحو الرقمنة.
مع توسع الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، تعمل المملكة على سدّ الفجوة الرقمية وجذب المهارات الشابة إليها لا سيّما في هذه القطاعات. ويعتبر الذكاء الاصطناعي جزءاً من رؤية المملكة 2030 لتنوع الايرادات ودعم الاقتصاد الرقمي مما قد يحقق نقلة نوعية في قطاع الأعمال.
كم بلغ استثمار قطر في الذكاء الاصطناعي؟
بلغ استثمار الحكومة القطرية 2.5 مليار دولار في البيانات والذكاء الاصطناعي مما سيخلق نحو 26 ألف فرصة عمل. يأتي ذلك لرغبة قطر بأن تكون من بين أفضل 10 دول على مستوى العالم في مؤشر التنافسية الرقمية بحلول عام 2030. لكن ماذا يعني ذلك؟
تركز دولة قطر على التكنولوجيا والابتكار والبحث والتطوير إلى جانب غيرها من القطاعات على المستوى المحلي. وفي هذا الاطار، أعلنت الحكومة القطرية خطتها الاستراتيجية لتحقيق التحول الرقمي الشامل في البلاد. تدعم هذه الخطة البنية التحتية الرقمية والحكومة الرقمية والاقتصاد الرقمي والتقنيات الذكية وتعزز رقمنة الاقتصاد والمجتمع. هنا يبرز دور الذكاء الاصطناعي في تحول القطاعات بالاضافة إلى المبادرات والشراكات مع الشركات التكنولوجية العالمية التي من شأنها دعم التوجه نحو التكنولوجيا.
ولا بدّ من الاشارة إلى أن قطر تحتل المرتبة الاولى في دول مجلس التعاون الخليجي في الحوكمة الرقمية وفي سرعات الانترنت عبر الهاتف المحمول بدعم من مايكروسوفت أزور وغوغل كلاود. هذا وتَعد التطورات التي يقودها الذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية والطاقة والتمويل من أهم التحولات، حيث تتعاون الحكومة والقطاع الخاص في المبادرات التحويلية هذه. على الخط نفسه، أطلقت قطر برامج تعليمية ومبادرات بحثية خاصة بالذكاء الاصطناعي، بهدف زيادة نسبة العمال ذوي المهارات العالية إلى أكثر من 46% بحلول عام 2030. ووفقاً لما ذكرته ستاتيستا، قد يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030 إلى 1.9 مليار دولار مع تخصيص 2.5 مليار دولار كحوافز لتنفيذ برامجها في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنية والتكنولوجيا ودعم الابتكار.
كما تركز قطر على تطوير المدن الذكية فيها من خلال الأنظمة الذكية بالاضافة إلى دعم الاستثمارات الرقمية التي سترتفع خلال عامنا الحالي. ويُعد توجه قطر نحو الرقمنة خطوة مثيرة للاهتمام في وقت ترتفع فيه حركة البيانات.
رؤية الكويت 2035 تركز على سوق التكنولوجيا
تعتبر الكويت أيضاً من أكثر الدول تقدماً تقنياً وتكنولوجياً هي التي تركز على تنوع اقتصادها بعيداً عن الاقتصاد النفطي وتحويل البلاد إلى مركز رقمي تنافسي بامتياز. وفي اطار رؤية 2035 ترسخ الكويت مسارها نحو تحقيق الرقمنة الشاملة وتطبيق التحول الرقمي في مختلف القطاعات. تشمل هذه التحولات انشاء بنية تحتية رقمية، الاعتماد على الأنظمة الرقمية والبرمجيات ودعم المشاريع الناشئة التي تأتي بمزيد من الايرادات للبلاد. من المتوقع أن تبلغ قيمة سوق قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الكويت 39 مليار دولار بحلول 2030 حيث تركز الحكومة على تطوير الاتصالات وتحسين الخدمات وتقديم أفضل الحزم للاستجابة إلى متطلبات العملاء المتغيّرة باستمرار خصوصاً مع ارتفاع عدد الأشخاص المتصلين بالانترنت حيث أن 99% من سكان البلاد لديهم اتصال مباشر بالشبكة. يتم التعاون بين شركات القطاع العام والقطاع الخاص لتقديم حلول مبتكرة تتماشى مع احتياجات السوق الكويتي.
كما تُناقش الشركات الكويتية سبل تطوير قطاع التكنولوجيا على كافة المستويات وهذا من شأنه أن يجعل الكويت كدولة رائدة رقمياً، جاهزة لاعتماد الحلول الذكية في المستقبل بما يضمن ديناميكية السوق على مدار السنوات المقبلة. تستفيد الكويت من قدرات الذكاء الاصطناعي لتسهيل العمليات التشغيلية وأتمتها والتخطيط لاطلاق منتجات رقمية جديدة تتوافق مع تقدم التكنولوجيا على مستوى عالمي.
يسهم قطاع التكنولوجيا بتطور الدول وزيادة انتاجها المحلي تجسيداً لرؤيتها المستقبلية. فلا يرى خبراء القطاع امكانية التقدّم دون حلول الرقمنة ودمجها بالأعمال ومختلف القطاعات التي أصبحت غالبيتها تعتمد بشكل أساس على الذكاء الاصطناعي بالدرجة الأولى. فهل يرتبط تطور الدول بتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي؟