بقلم عمار طبا، نائب رئيس هواوي للعلاقات العامة والإعلام في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
تجتاح موجات التحول الرقمي مختلف القطاعات والصناعات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم. ويكتسب زخم الرقمنة حالياً وتيرة غير مسبوقة في دول منطقتنا، سيما بعد أن أصبح العديد من التقنيات الثورية كشبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية أحد أهم الأسس التي تعتمد عليها الاستراتيجيات والرؤى الوطنية. بيد أن استمرار تسارع التطور التكنولوجي والابتكارات الجديدة وطرق تشغيلها وأولويات تطبيقاتها من الضروري أن يترافق مع خطط تنمية وتطوير المهارات البشرية التقنية والإرتقاء بخبراتها لمواكبة الطلب المتطور باستمرار.
قضية المهارات البشرية التقنية ليست مجرد مصدر قلق للشركات التي باتت تكافح بالفعل للعثور على موظفين مؤهلين يستطيعون خدمة خططها المستقبلية لتطوير وتنمية الأعمال، ولكنها قضية يتسع أفقها على مستوى الدول كونها أولوية ترتبط بشكل مباشر بأداء منظومة التنمية الإجتماعية والإقتصادية عموماً. وأثبتت التجارب أن نقص المهارات التقنية يحدّ من مستوى التنافسية الوطنية والقدرة على استغلال الفرص الاقتصادية التي يمكن اكتسابها من خلال نشر التكنولوجيا الحديثة.
استجابة لأهمية بناء اقتصادات رقمية مستدامة مبنية على المعرفة، تم إدراج التحول الرقمي وتحفيز الابتكار والاعتماد على التقنيات الحديثة في صلب العديد من الرؤى الوطنية الطموحة لدول المنطقة وفي مقدمها رؤية السعودية 2030، ومئوية الإمارات 2071، ورؤية قطر 2030. ويتمحور جزء كبير من أهداف هذه الرؤى حول الاستفادة القصوى من التكنولوجيا في شتى المجالات، وتلعب قضية تنمية المهارات البشرية التقنية وتطوير الخبرات دورًا مركزيًا فيها.
وفقًا لشركة غارتنر للأبحاث، من المتوقع أن يصل الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات إلى 230.7 مليار دولار أميركي في عام 2025، بزيادة بنسبة 7.4% عن عام 2024. ويؤكد العديد من الدراسات الحديثة بأن الاستثمار في تقنية المعلومات والاتصالات يعود بنتائج إيجابية مذهلة على مستقبل أعمال الشركات وتقدم الدول على حد سواء. ويوضح "مؤشـــــــر الرقمنـــــة العالمــــي" من هواوي الذي شمل دراسة مقاييس الرقمنة في 77 دولة تشكل 94% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم و82% من إجمالي عدد سكان العالم بأن كل استثمار بقيمة دولار واحد في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ينتج عنه عائد استثماري بقيمة 8.3 دولارات أميركية في الاقتصاد الرقمي للبلد المستثمر.
في عصر التحول الرقمي الذكي الحالي، ستزداد وتيرة الارتباط المباشر بين جدوى الاستثمارات والتكنولوجيا. وستكون عوائد الاستثمارات رهناً بجدارة الاستثمار بالتكنولوجيا عموماً، والموارد البشرية التقنية الماهرة القائمة عليها على وجه الخصوص. وسيعتمد نجاح الأعمال وتحقيق أهداف الاستراتيجيات الاقتصادية للدول على مدى تطور منظومة المواهب الماهرة والمؤهلة لقيادة مسيرة التنمية والتطوير بالاستغلال الأمثل لمفرزات صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات. ومن الممكن أن تزداد مشكلة نقص المهارات التقنية بروزًا إن لم يتم التعامل معها كأولوية. وبالمقابل، سيكون لسد الفجوة الرقمية تأثير إيجابي في تعزيز العوائد المالية الفورية للأعمال، وضمان مستوى جديد من الفوائد الاجتماعية من خلال إعداد أجيال جديدة أفضل تعليماً وقوى عاملة أكثر خبرة ومهارة واستعداداً للمستقبل.
هناك العديد من الجهات الحكومية المؤهلة لإدارة مبادرات وبرامج تأهيل المواهب، لكن النموذج الأمثل الذي أثبت جدارته في هذا المجال هو الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث برهنت التجارب أنه يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دوراً حاسماً في إعداد وتنمية المواهب التقنية من خلال العمل كجسر يربط بين المؤسسات الأكاديمية والهيئات الحكومية. ويمكن للشراكات المنفتحة والتعاون بين القطاعين العام والخاص أن يكون عماد إنشاء نظم إيكولوجية تعليمية ديناميكية تتوافق مع متطلبات الصناعة وتلبي احتياجات سوق العمل وتطور المجتمعات.
في عام 2025، ستكون المنافسة بين الدول على أوجها في مجال الاستفادة من التقنيات الحديثة ضمن سيناريوات عديدة. وهذه المنافسة لم تعد مقتصرة على التخطيط للتحول الرقمي بأوجهه التقليدية، بل تتطلب الإرتقاء الى مستوى التحول الرقمي الذكي بعد أن غزا الذكاء الاصطناعي مختلف أوجه الأعمال والخدمات. ومما يدعو للتفاؤل بأن عدداً من دول المنطقة كدول مجلس التعاون الخليجي تعتبر اليوم في موقع جيد يؤهلها ليس لركوب موجات التحول الرقمي الذكي فحسب، بل لريادتها، باعتبارها في مقدمة الدول على مستوى العالم التي استفادت من إمكانيات تقنيات متقدمة هامة كشبكات الجيل الخامس، وانتقلت للمرحلة التالية منها وهي شبكات الجيل الخامس المتقدم. وتجربة قطر في كأس العالم التي وفرت تجارب استثنائية غير مسبوقة أدهشت العالم بفضل شبكات الجيل الخامس خير مثال على ذلك. كما أن سعي السعودية والإمارات الجاد لبناء المدن الذكية ومجتمعات الـ10 جيغابايت من أهم المحاور التي سترتقي بالبنية التحتية لصالح مسيرة التنمية والتطوير. كما أن عناية هذه الدول الخاصة بالاستثمار بالذكاء الاصطناعي وتقنيات متقدمة أخرى كالحوسبة السحابية، واستكشاف آفاق دمجها مع تقنيات أخرى متطورة ستسهم بالتأكيد في رفع كفاءة الأعمال وتطور المجتمعات.
وبينما تمضي هذه الدول بخطط تحفيز الابتكار التقني ونشر التكنولوجيا والتركيز بشكل خاص على رعاية المواهب لإعداد جيل قيادي قادر على التعامل مع تحديات وفرص التكنولوجيا، سيبقى التعاون المنفتح بين القطاعين العام والخاص والشراكة بينهما في برامج التدريب وصقل المواهب ورفع كفاءات الخبرات مساراً جوهرياً لتحقيق الأهداف الوطنية المنشودة. وتعتبر برامج المسؤولية الإجتماعية للشركات أحد أهم ممرات العبور للمرحلة التالية من توفير المهارات التقنية التي ستدلي بدلوها في مجال بناء الاقتصادات الرقمية لدول المنطقة، بعقول وأيادي أبنائها. ومن المهم أن تسهم شركات التكنولوجيا الرائدة عالمياً في توفير برامج تدريب بخبرات عملية ترفد جهود تحديث مناهج الجامعات لمواكبة الطلب المتزايد في سوق العمل على المهارات التقنية، سيما في تخصصات حساسة تتزايد تحدياتها كالأمن السيبراني والطاقة المستدامة.
مبادرات هواوي للمسؤولية الاجتماعية في مجال رعاية المواهب كبرنامجها العالمي "بذور من أجل المستقبل" و"مسابقة الإبتكار" وغيرها من البرامج المنبثقة من أكاديمية هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات بفروعها الـ 260 في المنطقة يقوم عليها 2000 مدرب مؤهل من جامعات مرموقة تعتبر نموذجاً واقعياً وعملياً للشراكة بين القطاعين العام والخاص لرعاية المواهب وإعداد أجيال واعدة للمستقبل من أبناء المنطقة. وهدف الشركة الطَموح على المستوى العالمي هو رعاية أكثر من 10 ملايين محترف رقمي وذكي بحلول عام 2030، يتم العمل عليه في إطار بناء النظم الإيكولوجية الرقمية الذكية المزدهرة لفائدة مستقبل المجتمعات البشرية وتطورها المستدام.
إقرأ المزيد: هواوي تتبنى أحدث التكنولوجيا مواكبةً مشهد التطوّر