Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

تستهلك الحلول الذكية والتقنيات التكنولوجية كمية هائلة من الطاقة لأتمتة العمليات التشغيلية وانجازها بكفاءة عالية. مع التحول الرقمي السريع يرى العلماء ضرورة لترشيد استهلاك الطاقة للحدّ من الانبعاثات الكربونية وتحقيق الاستدامة. فهل تستهلك الحلول التقنية موارد الطاقة أكثر من الانسان؟

بالفعل، تستهلك التكنولوجيا على اختلاف أنواعها كمية كبيرة من الطاقة من خلال استخدام الأنظمة الذكية وأنظمة الاستشعار والتحكم عن بُعد. أما المباني والمدن الذكية فهي وحدها تستخدم أطناناً من الطاقة لتوفير الخدمات والاستجابة إلى كل الاحتياجات الفعلية. وتعتبر شركات التكنولوجيا جزءاً كبيراً من هذا الاستهلاك مما يؤكد تأثيرها المباشر على البيئة. ففي عام 2023، استهلك كل من شركة غوغل ومايكروسوفت 24 تيراواط ساعة من الكهرباء ما يتجاوز معدل استهلاك طاقة في أكثر من 100 دولة. يؤكد ذلك حاجة شركات التكنولوجيا إلى الطاقة الهائلة لعملها. وفي هذا الاطار، تسعى شركتا غوغل ومايكروسوفت كغيرهما من عمالقة التكنولوجيا حول العالم إلى تحقيق الاستدامة واعتماد الطاقة المتجددة والعمل للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية والاستثمار في الطاقة النظيفة. إلى جانب ذلك، تبرز مراكز البيانات واستهلاكها الهائل للطاقة أيضاً لتشغيل خدماتها السحابية ولتخزين المعلومات بالاضافة إلى دعم الذكاء الاصطناعي.

إقرأ المزيد: ما علاقة قطاع الطاقة بالأمن السيبراني؟

 

"شات جي بي تي" والذكاء الاصطناعي: إستهلاك للطاقة والكهرباء

يستهلك "شات جي بي تي" أكثر من نصف مليون كيلووات من الكهرباء في الساعة للاستجابة إلى 200 مليون طلب تقريباً يومياً. ومع اعتماد التكنولوجيا وروبوتات الدردشة بشكل أكبر فهذا يتطلب استهلاك كمية أكبر من الموارد. ويشير الخبراء إلى أن دخول الذكاء الاصطناعي إلى السوق يتطلّب استخدام المزيد من الطاقة والأرقام إلى تزايد. فبحسب الدراسات من المتوقع أن يلتهم الذكاء الاصطناعي بين 85 إلى 134 تيراواطاً في الساعة سنوياً بحلول عام 2027 وقد يصل استهلاك الكهرباء بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي إلى 0.5% من نسبة استخدام الكهرباء على مستوى عالمي بحلول عام 2027 أيضاً. ليس ذلك فحسب، بل يستخدم الذكاء الاصطناعي كمية كبيرة من المياه يومياً أكثر مما يستهلك الانسان. لكن ما الغرض منها؟ تُستهلك المياه لتبريد مراكز المعالجة وانتاج استجابات الذكاء الاصطناعي لكل أسئلة المستخدمين ومتطلباتهم.

هذا الطلب الهائل على الطاقة يخلق تحديات كبيرة لشبكات الاتصالات والبنية التحتية الرقمية ويُحذّر خبراء التكنولوجيا من أن كمية الكهرباء المتوفرة لن تكون كافية لتشغيل الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025. كما ان الاستثمارات المخصصة لتدريب روبوت الدردشة لن يكون لها سقف. فمثلاً وصلت كلفة تدريب نموذج GeminiAI من غوغل إلى 191 مليون دولار بينما تصل كلفة تدريب "شات جي بي تي -4" من OpenAI إلى نحو 78 مليون دولار.

على ضوء ذلك، ارتفعت نسبة الانبعاثات الكربونية حول العالم بنسبة 50% في السنوات الخمس الأخيرة ومع ذلك يبقى من الصعب تحديد كمية الطاقة الفعلية التي ستستخدمها شركات التكنولوجيا والتي ستحتاج إليها الحلول التقنية.

إقرأ المزيد: حصاد الطاقة وانعكاسه المذهل على اتصال الإنترنت

 

واقع الاتصالات واستهلاكها للطاقة العالمية

يوازي واقع شبكات الاتصالات واقع التكنولوجيا والتقنية فهي أيضاً تستهلك كمية كبيرة من طاقة الكهرباء لتشغيل شبكاتها رغم أن الاتجاه الأكبر اليوم هو نحو كيفية الحدّ من البصمة الكربونية وتحقيق الاستدامة لما يتوافق مع أهدافها في الحفاظ على البيئة والانتقال إلى الطاقة المتجددة. وفقاً للمعلومات يساهم قطاع الاتصالات بنحو 3% من استهلاك الطاقة العالمي مما يخلق تحدياً كبيراً لقدرة شركات الاتصالات على التوصل إلى توازن بين التطور الرقمي التكنولوجي والحفاظ على الموارد الأساسية للطاقة التشغيلية. لكن ما الحلول المطروحة للحدّ من استخدام الطاقة في هذا المجال؟

رغم زيادة استهلاك الطاقة عالمياً إلا أن الحلول لا تزال مطروحة، فالهدف الأساس يكمن بالحدّ من الانبعاثات السامة الناتجة عن نشاط الانسان وتجنّب تداعيات الاستخدام المفرط للتكنولوجيا وأجهزتها.

في هذا الوقت، برزت شبكات الألياف الضوئية كحلّ لمشكلة الطاقة وهي توفر سرعات فائقة تتراوح بين 1 و10 غيغاواط في الثانية. وتُسارع شركات عدّة وخصوصاً شركات الاتصالات إلى استخدام الكابلات البحرية كونها أكثر موثوقية وفعالية ونظراً لقدرتها على ضمان حركة سريعة للبيانات ولمسافات طويلة أيضاً دون التأثير سلباً على البيئة.

فبالمقارنة مع شبكات الاتصالات التقليدية، تستخدم شبكات الألياف الضوئية نسبة قليلة من الطاقة لذا يُعد الارتقاء إليها خطوة ايجابية للحدّ من الانبعاثات الكربونية بحسب ما أوردته الدراسات.

 

شبكات الهاتف المحمول لتحسين كفاءة الطاقة

يمكن لشبكات الهاتف المحمول تحسين كفاءة الطاقة فهي تمثل 60% من نسبة الاستهلاك داخل موقع شبكات الاتصالات. من ناحيتها، عملت شركة إريكسون على تقديم ابتكارات لخفض استهلاك الطاقة الكهربائية لأجهزة شبكات الجيل الخامس اللاسلكية بنسبة 40%.

وبينما نجحت شركات اتصالات عدّة في أوروبا والدول العربية في خفض استخدامها للطاقة مع توفير الطاقة المتجددة، يواجه البعض الآخر من الشركات تحديات لتحقيق ذلك أثناء تشغيل عملياته.

نتيجة تزايد الأعمال على الأرض، كان لشركات الاتصالات في الخليج والمنطقة استراتيجياتها الخاصة لتطوير طريقة استخدامها للطاقة والانتقال إلى الطاقة الخضراء والحدّ من الانبعاثات الكربونية. أما تبني التقنيات الحديثة فيساعد شركات المنطقة بأن تكون في الطليعة حيث أن جميع الشركات من مختلف المجالات تتطلع نحو المستقبل الأخضر والحلول المستقبلية الخضراء الصديقة للبيئة. فإن حاجتنا المتزايدة للتكنولوجيا لا يجب أن تمنعنا من الحفاظ على البيئة وعلى مقومات العيش السليم.  

 

تمويل التكنولوجيا الخضراء وثورة الشرق الأوسط

تُدرك شركات الاتصالات والتكنولوجيا العالمية وتلك التي تأخذ الشرق الأوسط مقراً لها أهمية تحقيق التوازن البيئي مع تحديد أهدافها لتحقيق الاستدامة والوصول إلى الحلول الذكية والابتكارات. وفي ظلّ هذا التحول تنظر دول المنطقة وشركاتها إلى خطط تشجّع التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة لتحسين كفاءة استخدام الطاقة وتحفيز الابتكار. يركّز العالم العربي استثماراته في هذا السوق لدعم المشاريع الناشئة والقائمة على الاستدامة مما يسلّط الضوء على خطورة التغييرات المناخية وأهمية حماية البيئة. فإلى جانب الأعمال الخضراء، تركز المنطقة على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة التي تهدف إلى توجيه الشركات نحو المشاريع الأكثر استدامة وتقييم استراتيجيات استخدام الطاقة وخفض الانبعاثات الكربونية.

على خط الجهود المبذولة تؤكد المملكة العربية السعودية سعيها إلى تحقيق صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2060 مع جذب أكبر عدد ممكن من الشركات الناشئة لتعزيز التكنولوجيا والتقنية في البلاد وتوفير أعلى مستوى من الخدمات. كما تشدد الحكومة السعودية على المستقبل الأخضر وأهمية الحلول الرقمية التي توفر فرصاً اضافية لتوسع الاستثمارات الخضراء. هذا وتحاول الشركات داخل المملكة تطوير التكنولوجيا في مختلف المناطق المحلية كخطوة أساسية لتحقيق الاستدامة والاستقرار والازدهار الاقتصادي والاجتماعي على حدّ سواء.

وتمضي الامارات أيضاً نحو هذا المسار لدعم التكنولوجيا الخضراء للحدّ من الانبعاثات الكربونية كما توفر كل التسهيلات لجميع الشركات والمؤسسات من القطاعين العام والخاص لتحقيق الهدف المنشود.

يُعد استثمار الدول العربية والخليج بالتكنولوجيا الخضراء خطوة ذكية مع الابتعاد عن استخدام النفط والغاز.

ستستمر التكنولوجيا بدورها خلال السنوات المقبلة لكن الأهم يبقى كيفية اعتماد هذه الحلول ومعرفة تأثيرها على استهلاك الطاقة في مختلف القطاعات. فكما يمكن للتكنولوجيا أن تستخدم كمية هائلة من الطاقة، يمكنها في الوقت عينه أن تساهم في خفض هذه النسبة من خلال ارشاد المستخدمين لتتبع الطاقة ومراقبة سلوكهم.  

إقرأ المزيد: الجانب المُظلم من لوائح الطاقة الشمسية والبطاريات الايكولوجية