Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

إن الطلب المتزايد على الخدمات السحابية ونمو التطبيقات الذكية مروراً بانتشار انترنت الأشياء وصولاً إلى توسع الذكاء الاصطناعي، كل هذه العناصر أدّت إلى تزايد عدد مراكز البيانات ونشاط سوقها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج. ويتوقع الخبراء زيادة الطلب على مراكز البيانات سنوياً تلبيةً لطلب العملاء والمستخدمين من الأفراد والشركات.

تجذب المنطقة استثمارات بناء مراكز بيانات حديثة بما يتوافق مع رؤية الدول مثل رؤية "كويت جديدة 2035" و"عمان الرقمية" و"رؤية المملكة 2030" و"رؤية قطر الوطنية 2030". فبينما تتبنى الحكومات بيئة تكنولوجية متطوّرة، يبرز دور مراكز البيانات لاستيعاب الطلب المتزايد على الطاقة وتوفير البنية التحتية الملائمة.

فمنذ بدأ مفهوم المدن الذكية يتوسع ، بدأت الدول إنشاء مراكز بيانات لتكون جزءاً من مشروع المدينة الذكية. ويُبدي الخليج العربي اليوم اهتماماً متزايداً بتبني الحلول الرقمية ودمج الذكاء الاصطناعي في مراكز البيانات حيث تلعب هذه التقنية دوراً بارزاً بتطوير هذه المراكز في منطقة الخليج وعلى مستوى العالم. هذا بالاضافة إلى تطوير البنية التحتية الرقمية لتعزيز مكانتها في هذا المجال والتنافس مع السوق المحلي والعالمي. نظراً لذلك، قد تصل قيمة دمج الذكاء الاصطناعي في مراكز البيانات العالمية إلى 775 مليار دولار بحلول عام 2034. إلى جانب الرقمنة، تركز دول الخليج والمنطقة على تحقيق الاستدامة من هذه المبادرات لتغيير حياة المواطنين.

 

الشرق الأوسط والخليج يقودان سوق مراكز البيانات

توفر مراكز البيانات فرصاً جديدة للعمل ولتطوير المهارات كما انها تعزز الاقتصاد الرقمي الذي يقوم عليها بشكل أساس. على ضوء هذا النمو والتطوّر أقدمت شركات تكنولوجيا عالمية مثل أمازون على انشاء مراكز بيانات في الخليج والاستثمار فيها. وتفيد التقارير بهذا الخصوص بتخصيص أمازون مبلغ قدره 5.3 مليارات دولار للاستثمار في المملكة العربية السعودية في مراكز بيانات. وتعمل دول الخليج والشرق الأوسط على تعزيز تقنياتها لتبني الجيل القادم من الخدمات الرقمية لاستخدام عدد أكبر من التطبيقات. وفي هذا الاطار، تتصدر كل من الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية سوق مراكز البيانات حيث يتزايد استهلاك البيانات والذكاء الاصطناعي. ما يُعد انشاء مراكز بيانات من أسرع المجالات نمواً في المنطقة حالياً مع مشاريع ناشطة تبلغ قيمتها 1.2 مليار دولار ومشاريع مستقبلية بقمية 433 مليون دولار.

تتصدر دبي السوق الرئيسي لمراكز البيانات، تليها أبوظبي، حيث يعتبر كل منهما من المدن الذكية الموجودة في الشرق الأوسط وأفريقيا. وتتمتع الامارات باتصال قوي بالألياف الضوئية إلى جانب استخدام 99% من السكان النشطين للانترنت، وهذا ما يجعلها بمكانة متصدرة للاستثمار بمراكز البيانات.

إن انشاء مراكز بيانات في الدولة يسهم في تطوير التقنيات في الامارة بما يخدم استراتيجية دبي الرقمية التي تهدف إلى جعل الامارة مركزاً رقمياً عالمياً ومتقدماً في التحول الرقمي. هذا وتمتلك الامارات ودبي خاصةً كل المقومات التي تمكنّها من تأهيل مراكز بيانات مستدامة فتحافظ بذلك الامارة على مكانتها المتقدمة في الاقتصاد الرقمي على مستوى العالم.

أما المملكة العربية السعودية، فتتمتع أيضاً بسوق كبير محلياً مع توسع الانترنت فيها. على ضوء ذلك، تركز المملكة اليوم على الاستثمار بمراكز البيانات لديها حيث تضم 22 منشأة مشاركة نشطة وأكثر من 40 منشأة قيد الإنشاء. على الخط نفسه، تعد مدن الرياض وجدة والدمام المواقع الرئيسية للاستثمار بمراكز البيانات، في حين تعمل مدينة نيوم الذكية الجديدة على توسيع بنيتها التحتية لتضع نفسها كمركز رئيسي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مع التركيز على جذب الاستثمار للخدمات والاتصالات الموثوقة داخل الدولة والعالم وسوق دول الخليج أيضاً.

كذلك تبرز قطر ريادتها في قطاع مراكز البيانات حيث سبق أن أعلنت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وبالشراكة مع مايكروسوفت عن توسيع منطقة مراكز البيانات السحابية في الدولة. توثّق هذه الخطوة التزام دولة قطر بالتقنيات الحديثة وتطويرها وخصوصاً تلك التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي واعتمادها في الاستراتيجيات المستقبلية. وقد أحرزت وزارة الاتصالات القطرية تقدماً كبيراً في مجال التحول الرقمي والبيانات في السنوات الأخيرة حيث انتقلت أكثر من 143 جهة حكومية إلى سحابة "أزور" إلى جانب تدريب الكوادر والمهارات الشابة على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي والاستفادة من هذه التكنولوجيا لتحسين الانتاجية ورفع مستوى الخدمات وتطوير الأعمال.

هذا وقد أظهرت قطر تحولاً رقمياً كبيراً خلال السنوات الأخيرة دفع المجتمع والاقتصاد الرقمي في البلاد إلى الأمام. هذا الواقع أدى إلى نمو عدد التطبيقات السحابية والقائمة على الذكاء الاصطناعي مما عزز دور مراكز البيانات في جميع أنحاء قطر.

وحول مراكز البيانات في الكويت، يتوقع الخبراء أن تصل قيمة سوق مراكز البيانات في الدولة إلى 352.3 مليون دولار بحلول عام 2028 بعدما بلغت في عام 2022 نحو 200 مليون دولار. وتعمل الكويت بنشاط على تطوير خدمات التكنولوجيا ومعها مراكز البيانات. ويستفيد سوق مراكز البيانات في الدولة من وجود 4 كابلات بحرية تربط بين الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا. وتأخذ عمالقة التكنولوجيا العالمي مكانة واسعة لها من الاستثمارات بمراكز البيانات في الكويت مثل غوغل وأمازون ومايكروسوفت التي أعلنت مشاريع عدّة لها في هذا الاطار. لغاية عام 2023 كانت تستضيف الكويت نحو 6 مراكز بيانات ضخمة يتم تشغيلها بالتعاون مع كبرى شركات الاتصالات ومنها زين، Ooredoo وstc إلى جانب شركات أخرى.

مؤخراً افتتحت مصر 3 مراكز بيانات عملاقة وهي مدعمة بأحدث الأنظمة الحكومية والشبكات فائقة السرعة ووحدات التبريد لضمان جودة عالية من الخدمات دون انقطاع. ويقدم مركز البيانات الرئيسي خدمات لوزارات وجهات الدولة بإجمالي 50 ألف مستخدم. يحتوي المركز على 1327 خادماً رئيسياً، ويشمل 1200 راك بسعة 120 بيتابايت. أما مركز البيانات الموازي للمركز الرئيسي، فيعمل على حركة تداول البيانات وحفظها. بينما 4 مراكز بيانات فرعية بسعة 1400 راك وإجمالي 1240 خادماً رئيسياً بسعة 73 بيتابايت، ويتم ربطها بمسارين مختلفين.

تهدف مراكز البيانات الثلاثة إلى دعم الخدمات السحابية في مصر وتوفير أعلى مستوى من الخدمات والكفاءة التشغيلية. ونظراً لأهمية وجود مراكز البيانات، تخصص مصر مليارات الدولارات في هذا المجال استعداداً للطلب الهائل الذي سيكون على الانترنت والخدمات السحابية والتطبيقات بطبيعة الحال في ظل الثورة التكنولوجية السريعة.

تدعم مراكز البيانات أعمال الشركات العالمية كما تجذب الاستثمارات إلى البلاد من خلال اتصال موثوق. ليس ذلك فقط، بل تلعب مراكز البيانات دوراً كبيراً بنمو الشركات الصغيرة والمشاريع الناشئة حيث أصبح بإمكانها الاستفادة من سعات أكبر لتخزين البيانات وبالتالي تخفيف التكاليف المتالية.

 

كم تبلغ نفقات انشاء مركز للبيانات

تتفاوت كلفة انشاء مراكز البيانات وترتبط بعناصر عدّة بحسب التصميم الداخلي والهندسة الخارجية، والموقع والحجم ومساحة الأرض المطلوبة التي قد تتراوح كلفتها بين 200 ألف دولار و 500 ألف دولار وأنظمة الأمن الرقمي المعتمدة للحفاظ على البيانات والتي تبلغ قيمتها بين 500 ألف دولار ومليونين دولار. هذا بالاضافة إلى المواد المستخدمة ومعدات البناء ومعدات التبريد الصديقة للبيئة  التي تتراوح قيمتها بين 500 ألف دولار و1.5 مليون دولار وتصميم البنية التحتية والبنية الكهربائية لضمان كفاءة المركز التي تبلغ بين مليون و500 ألف دولار و3ملايين دولار.

 

شركات الاتصالات والتقنية تدخل سوق مراكز البيانات

أعلنت شركات اتصالات عدّة عن انشاء مراكز بيانات خاصة بها في المنطقة تهدف إلى تركيز مكانتها في هذا المجال. وفي هذا السياق، أطلقت شركة أمنية المرحلة الأولى لبناء واحد من أكبر مراكز البيانات من المستوى الثالث والمعتمد من معهد Uptime الأميركي الرائد والمتخصص بتصنيف مراكز المعلومات والبيانات. ويتضمن هذا المركز مجموعة من الحلول الرقمية التي قد تغيّر مشهد الرقمنة وقطاع الأعمال في الأردن. يأتي هذا المركز مجهّزاً بأحدث التقنيات والأنظمة الالكترونية لتلبية العملاء ولتقديم أفضل الخدمات ولضمان استدامة الشركات والأعمال والمؤسسات الحكومية. كما سيقدم مركز بيانات أمنية الجديد Tier III خدمات عمليات الأمن السيبراني (SOC) وخدمات عمليات إدارة الشبكات (NOC) مما يُشكل منظومة متكاملة تلبي احتياجات الشركات من حيث الأمن والتشغيل والإدارة. يتميّز مركز أمنية للبيانات الجديد بأعلى المواصفات العالمية لخدمات التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية.

بدورها، تقدم شركة stc قدرات هائلة لمراكز البيانات تتيح للعملاء فرصة التحكم بنشاطهم على الانترنت وعلى التطبيقات الذكية.

وفي عام 2022، أعلنت Ooredoo عمان إنشاء ثلاثة مراكز بيانات جديدة في كل من صلالة وبركاء وصحار بهدف دعم الشركات المحلية في هذه المدن. توفر هذه المراكز أحدث الخدمات والخيارات العالمية في التخزين السحابي، واسترداد البيانات والأمن السيبراني.

وتتبارز شركات التقنية بعدد مراكز البيانات التي تمتلكها حيث تتصدر كل من مايكروسوفت وأمازون ويب سيرفسز المراكز الأولى. وتملك مايكروسوفت نحو 300 مركز للبيانات بينما تملك أمازون ويب سيرفسز

25 مركزاً. تليها غوغل مع 25 مركزاً للبيانات وثم ميتا24  مركز.

 

مراكز البيانات والبيئة

لا بدّ من ذكر الناحية السلبية لبناء مراكز بيانات، فبسبب استهلاكها الكبير للطاقة تنتج عنها نسبة كبيرة من الانبعاثات الكربونية. وتعتبر مراكز البيانات من أهم العناصر الملوثة للبيئة. لهذا السبب، تعمل الشركات على تحسين شروط البناء لتقديم مراكز بيانات صديقة للبيئة وخفض الأثر السلبي لهذه المراكز.

تُعد مراكز البيانات مسؤولة عن استهلاك الطاقة لحوالي 1% من استهلاك العالم للطاقة، ويتراوح متوسط ​​فعالية استخدام الطاقة بين 1.4 و1.6. وتمثل انبعاثات الكربون المرتبطة بها حوالى 2-4% من انبعاثات الكربون العالمية. في ظلّ هذه التحديات والتركيز على الطاقة المتجددة تشارك شركات التكنولوجيا جهودها لاتخاذ القرارات اللازمة في هذا القطاع.

يشمل نهج مايكروسوفت تجاه الاستدامة البيئية في عمليات مراكز البيانات ثلاثة عناصر أساسية تتمحور حول خفض التأثير التشغيلي لتحقيق الحياد الكربوني، وتمكين كفاءة الموارد من خلال التكنولوجيا والشراكات، وتسريع عملية البحث.

أما بالنسبة لشركة أمازون، وهي إحدى الشركات التي تقدم الخدمات السحابية الأكثر شمولاً، فتملك  استراتيجياتها الخاصة لتقليل البصمة البيئية لمراكز البيانات الخاصة بها. تشمل هذه الاستراتيجية استخدام طاقة متجددة بنسبة 100%، وتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2040، وتقنيات تبريد مبتكرة لمحاولة التقليل من استخدام المياه واستخدام شرائح مصممة من قبل أمازون لتحسين كفاءة الطاقة.

من ناحيتها، تركز إستراتيجية الإدارة المستدامة لمراكز البيانات من غوغل على الإدارة البيئية الشاملة، ودمج كفاءة الطاقة، واستخدام الطاقة المتجددة، والحفاظ على المياه. كما تركز الشركة على الانبعاثات الصفرية، والاستثمار بالطاقة المتجددة، والعمليات الموفرة للطاقة، والأخذ بالاعتبار معايير البناء الأخضر. إن هدف استبدال 120% من المياه المستهلكة في عمليات مراكز البيانات باستخدام تقنيات التبريد المتقدمة والمشاركة في مشاريع استعادة المياه يسلط الضوء على جهودهم في مجال الاستدامة البيئية.

وسط كل هذه التطورات يبقى السؤال الأهم، كيف ستتمكّن الشركات من خلق  التوازن بين متطلبات العملاء اللامتناهية على المستوى الرقمي والحاجة إلى حماية البيئة وبناء مراكز بيانات تستجيب إلى هذه الأهداف في آن معاً؟

تكمن الاجابة في الابتكارات المرتقبة خلال المرحلة المقبلة والتي ستعزز دور مراكز البيانات أكثر واستخدام التكنولوجيا أيضاً لدعم أنشطتنا على الانترنت آملين التوجه نحو عالم رقمي أكثر استدامة.