تتوالى الأجيال على مرّ العقود البشرية بما تحمله معها من ثقافات وتقاليد ومفاهيم. منذ أوائل التسعينات لغاية 2023، واكب العالم كلّ جيل بجيله مع اختلاف نمط الحياة، تطوّر الخبرات وتبدّل العادات الاجتماعية. بعد جيل X - التلفزيوني (1965-1979) ظهر جيل الألفية "Y" (1980-1994) لنصل اليوم إلى جيل "Z" - الرقمي (1996 – 2013).
صحيح أن الأزمات العالمية لم تكن سهلة في الفترة الأخيرة مع انتشار كورونا في العام 2019 إلى التحول المناخي وصولاً إلى الركود الاقتصادي والثورة الرقمية المتسارعة إلا أن هذه الأخيرة رسمت ملامح الجيل Z وشكّلت سلوكياته بصورة مختلفة عن الأجيال السابقة. ظهر الجيل Z مع طفرة الانترنت وتوسع التكنولوجيا على أن يشكّل المنتمون إليه ربع سكان منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحلول عام 2025. وفي حين تتمثّل اختلافات جوهرية ضمن الجيل الرقمي الواحد Z إلا أن هناك قواسم مشتركة عدّة يُجمِع عليها علماء الاجتماع.
الجيل الرقمي كما لم تعرفه من قبل
يرتبط الجيل الرقمي Z بكل عناصر التكنولوجيا والتقنية والانترنت. وبينما لا تزال مشاركة البعض خجولة على مواقع التواصل الاجتماعي والتفاعل الافتراضي محدوداً، إلا أن علاقة قوية تربط الجيل Z بالأجهزة الالكترونية والهواتف والشاشات ليُبدّل بذلك مفهوم التواصل ويكون صلة الوصل بين الواقع والحياة الرقمية. يشكّل الجيل Z نحو 2.5 مليار من اجمالي سكان الأرض وهو من أكثر الأجيال التي استفادت من ثورة التحول الرقمي لنقل الأعمال إلى مرحلة أكثر تقدماً. يعتمد الجيل الرقمي على التقنيات بشكل أساس لانجاز الأبحاث والمهام العملية واليومية مما شجّع الشركات على الانتقال إلى شبكة الانترنت للوصول إلى أكبر عدد ممكن من العملاء. إجتماعياً هو من أكثر الأجيال التي حوّلت مفاهيم المجتمع وبدّلت المعتقدات السائدة.
تعتبر شبكة الانترنت والتطبيقات الذكية أكثر من مجرّد منصات للتواصل والترفيه بل هي بالنسبة للجيل الرقمي وسيلة لتنظيم الأعمال، التخطيط والعمل بفاعلية أكبر. يتمتع الجيل Z عموماً بتجاربه التكوينية الخاصة التي تختلف عن تجارب معظم جيل الألفية. أما أفراده فيحملون بعض الصفات المميزة باعتبارهم من الأجيال الأكثر توقاً لاكتشاف المستقبل مقارنةً بالأجيال السابقة، كما يعملون على رقمنة كل المجتمع، ويهتمون بالتعبير عن الذات والتفاعل مع المجتمع الافتراضي وتعزيز استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
وكونه جيلاً ملتزماً بقيمه الرقمية، يتوقع الجيل Z ازدهار مشاريع التجزئة خلال السنوات المقبلة - فغالباً ما يلتفت الجيل الرقمي إلى المشاريع الهادفة والتي تُبنى على قاعدة من المتابعين. ووفقاً للدراسات، 73% من جيل Z يحاولون شراء المنتجات من شركات ذات رؤية طموحة في العالم الرقمي، أو المؤسسات التي تدعم القضية البيئية وتهدف إلى نمو المجتمع وتعزيز الابتكار فيه.
قضايا ومشاكل تواجه الجيل الرقمي
يواجه الجيل Z مخاوف ومشاكل عدّة على المستويات كافة. أبرز هذه المشاكل كان أزمة كورونا والتداعيات التي تركها الوباء على المجتمع والقطاعات والصناعات كافة. فخلال هذه الفترة شكّلت الأزمة الصحية محطّ أنظار العالم والتفكير بالسبل المتاحة للتأقلم مع الواقع الجديد كان الهدف الأكبر. بحسب متخصصين بعلم الاجتماع، كان اعتماد التكنولوجيا هو الحل الأول أثناء كورونا إلا أن بعض الأفراد توصلوا للافراط باستخدام وسائل التواصل لدرجة الادمان عليها.
أنتجت هذه الظاهرة مشاكل نفسية خطيرة مما عزز الرغبة في الانعزال عن العالم الخارجي. هذا بالاضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي وتحديات المناخ وتغيّر شروط العمل وزيادة الجرائم السيبرانية وارتفاع حدّة التهديدات على الانترنت وتعرّض البيانات والحسابات الشخصية إلى السرقة. في هذا الاطار، يشير المعالجون النفسيون إلى زيادة الشعور بالمنافسة لدى الأفراد والتركيز على تطوير آلية التعامل مع التطبيقات الافتراضية للهروب من الواقع. وقد سرّعت الثورة الصناعية الرابعة مراحل نمو الجيل الرقمي الذين باتوا أكثر نضجاً من أعمار صغيرة مقارنةً بالأجيال السابقة.
على عكس ما يُشاع، يصف البعض الجيل الرقمي بالجيل "الحساس" الذي مرّت عليه تحديات عدّة وأزمات متتالية خلال مدّة زمنية قصيرة. وهناك دراسات أخرى تؤكد أهمية وجود الجيل الرقمي في يومنا هذا باعتباره محركاً أساسياً في دفع عجلة الاقتصاد الرقمي حيث سيشكّل نحو ثلث القوى العاملة بحلول عام 2030. كما من المتوقع أن يساهم في رفع الانفاق الاستهلاكي إلى 3 تريليونات دولار بحلول عام 2030 مع ابراز قدرته على التكيّف مع التقنيات الجديدة والأجهزة الالكترونية حيث أن الجيل الرقمي يتمتع بكفاءة أكثر من جيل الألفية بنسبة 2.5% وأكثر من 8% من الجيل التلفزيوني أي جيل X.
الجيل الرقمي يغيّر سوق العمل
من المؤكد أن سوق العمل لم يعد على ما كان عليه قبل تطوّر التكنولوجيا وانتشار الانترنت فكان ذلك لافتاً في استراتيجية الشركات التي باتت تهتم برفع مستوى المهارات الرقمية لديها لأتمتة البيانات ودمج الحلول الذكية في بيئة العمل. كما يسلّط الخبراء الضوء على أبرز التقنيات نمواً مما يزيد الحاجة إلى ابتكار منصات جديدة تلبي حاجة المستخدم. ومن المتوقع أن تشهد الوظائف المتعلّقة بالتقنية زيادة ملحوظة خلال السنوات الخمس المقبلة مع سرعة نمو التكنولوجيا والصناعات وتحول الاقتصاد إلى اقتصاد رقمي. على ضوء ذلك، تغتنم الحكومات الفرصة لتطوير استراتيجيتها وسدّ الفجوة الرقمية مع التركيز على الأنظمة المعتمدة لمواجهة التحديات والارتقاء بجودة الحياة.
وبينما يعتقد البعض أن التحول الرقمي والرؤية المستقبلية سيهزمان جيل الألفية إلا أن التوقعات تُظهر عكس ذلك اذ سيشكلون 75% من العاملين بحلول عام 2025. فإلى جانب مواكبة العصر لن يأتي التحول الرقمي بفائدة على جيل Z فقط بل سيشكلّ نقلة نوعية للأجيال السابقة التي تجد نفسها أما خيار واحد حالياً يحتّم عليها اكتشاف العالم الافتراضي واختبار التحولات رغم اختلاف الاحتياجات.