بقلم جورج جابر, مدير قسم المشغلين الآخرين
لقد شهدت شركات مشغلي الاتصالات تحولاً على مدار العقد الماضي مع تغيّر المتطلبات التقليدية لخدمات الاتصالات من الخدمات الصوتية إلى خدمات البيانات (بما في ذلك VoIP)؛ كما أدى التحول الرقمي المتسارع إلى زيادة اعتماد التقنيات الناشئة مثل السحابة وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي. ويحدث التحول على عدة أصعدة، بما في ذلك الانتقال من المنتجات القياسية إلى الحلول القائمة على المنصات، ومن العملاء التقليديين (مقدمي خدمات الإنترنت، ومشغلي الشبكات الافتراضية المتنقلة، ومقدمي خدمات الهاتف الثابت وما إلى ذلك) إلى عملاء الجيل التالي (كبار مقدمي الخدمات، وشبكات توصيل المحتوى، ومنصات الألعاب، وما إلى ذلك).
ومن العلاقات التقليدية بين المشغلين (الإجراءات اليدوية) إلى علاقات الجيل التالي (واجهات برمجة التطبيقات، وسلسلة الكتل، وما إلى ذلك).
بالتوازي مع هذا التحول الهيكلي لمشغلي الاتصالات، شهدت منظومة مشغلي الاتصالات في المملكة العربية السعودية تحولًا سريعًا في السنوات الأخيرة بسبب عوامل عديدة مثل المبادرات التنظيمية لهيئة الاتصالات والفضاء والتقنية والاهتمام المتزايد من كبار مقدمي الخدمات ومنصات المحتوى في المملكة العربية السعودية؛ بسبب التحول الرقمي السريع في المملكة.
على الصعيد التنظيمي، سرّعت الهيئة جهودها بشأن لوائح الوصول إلى النطاق العريض للمشغلين ونشرت قواعد وإرشادات تقديم خدمات البيع بالجملة لسيل النبضات باستخدام شبكة الألياف لإنشاء أٌطر الاستفادة المشاعة (تم الاتفاق على إتاحة الوصول للطبقة الثانية من سيل النبضات باستخدام شبكة الألياف بين مقدمي الخدمة) لكل من قطاعي المستهلكين والأعمال. كما منحت الهيئة التنظيمية السعودية رخصتين جديدتين لمشغلي شبكات الهاتف المحمول، أحدهما هو "سلام موبايل" لتعزيز المنافسة عبر الهاتف المحمول مع الداخلين الجدد إلى السوق.
كما تعمل الجهات الفاعلة الرقمية مثل كبار مقدمي الخدمات وشبكات توصيل المحتوى ومنصات المحتوى، على زيادة تركيزها في المملكة العربية السعودية؛ التي تعد أكبر اقتصاد في المنطقة مع تحول وطني سريع يتماشى مع أهداف رؤية 2030. يؤدي التحول الرقمي في المملكة عبر قطاعات المستهلكين والأعمال والحكومة إلى تسريع اعتماد التقنيات الناشئة مثل السحابة وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، إلى جانب الخدمات الشاملة مثل الشبكات الاجتماعية وبث الفيديو والاتصالات الموحدة والتعاون. كما تتطلّع الجهات المحرّكة الرقمية العالمية والإقليميون الذين يقدمون مثل هذه الحلول والخدمات التقنية إلى إنشاء عقدهم الطرفية في المملكة لتقليل وقت الاستجابة وتقديم تجربة أفضل للمستخدم بالإضافة إلى الامتثال لسياسة ولوائح خصوصية البيانات. وفي هذا السياق، ظهر مقدمو الخدمات السحابية ومنصات كبار مقدمي الخدمات، ومشغلي شبكات توصيل المحتوى، ومنصات الألعاب بين أوساط العملاء الرئيسيين لمشغلي الاتصالات في المملكة العربية السعودية.
يؤدي تزايد الطلب على السعة خاصة من هؤلاء المحرّكين الرقميين، إلى زيادة استخدام الشبكة وتحقيق اقتصاديات الحجم (وهي المزايا الناتجة عن انخفاض التكاليف نظراً لارتفاع مستوى الانتاج)، مما يؤدي إلى - بالإضافة إلى المنافسة القائمة على البنية التحتية بين مشغلي الشبكات - إلى تدهور مستمر في أسعار خدمات مشغلي الاتصالات مثل ما حصل في أوروبا والولايات المتحدة.
سيتم تشكيل مستقبل منظومة عمل مشغلي الاتصالات في المملكة العربية السعودية في المقام الأول من خلال مبادرات الاستثمار/ الشراكة للاعبين الرقميين في المملكة واستثمارات البنية التحتية (الكابلات البحرية، ومراكز البيانات، ومنصات مقسم الإنترنت، والميل الأخير، والنقل) في ظل المبادرات السياسية والتنظيمية لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وهيئة الاتصالات والفضاء والتقنية.
ومن المتوقع أن توفر الكابلات البحرية الجديدة قيد الإنشاء (2AFRICA, BLUE RAMAN, IEX, AFRICA-1, SEAMEWE-6, Cinturion) قدرة دولية إضافية تبلغ 1.1 بيتابت/ثانية إلى المملكة العربية السعودية. وبالإضافة إلى الكابلات البحرية، يتيح الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمملكة الاتصال الأرضي بين المملكة العربية السعودية وجيرانها في دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك مصر والأردن واليمن. ويعمل مشغلو الشبكات على تطوير قدرات البنية التحتية الخاصة بهم في نقاط الاتصال الحدودية للاتصال الأرضي ويتطلعون إلى أن يكونوا مزود النقل/المحور بين الشرق والغرب. وتستكشف شركات الاتصالات السعودية أيضًا طرقًا برية بديلة إلى أوروبا عبر فلسطين أو العراق، كتكرار للطريق المصري الحالي الذي يحمل معظم حركة المرور.
سيكون التركيز المتزايد على مراكز البيانات المحايدة لشركات النقل ومنصات مقسم الإنترنت عاملاً أساسيًا آخر سيشكل مستقبل المنظومة في المملكة العربية السعودية. يتزايد عدد المشاركين والسعة المتصلة ومؤشرات ذروة حركة المرور بشكل مستمر في مقسم الإنترنت السعودي (SAIX) ومقسم إنترنت جدة (JEDIX). وسيظل الربط البيني المحلي ومقسم حركة المرور بين مزودي خدمات الإنترنت/شركات الاتصالات ومقدمي الخدمات السحابية وكبار مقدمي الخدمات وشبكات توصيل المحتوى ومنصات الألعاب أمرًا بالغ الأهمية لضمان زمن وصول أقل للمستخدمين النهائيين والامتثال للوائح خصوصية البيانات.
باختصار، يجب أن تواصل منظومة مشغلي الاتصالات تحولها الإيجابي وأن تصبح أكثر قدرة على المنافسة لتمكين رقمنة المملكة بشكل فعال. إن توفير البنية التحتية وخدمات القدرات عالية الجودة في بيئة تنافسية سيكون بمثابة حافز للتحول الرقمي في المملكة. وسيكون دور وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وهيئة الاتصالات والفضاء والتقنية حاسمًا في التعاون الشفاف والبنّاء مع جميع أصحاب المصلحة في القطاع، بما في ذلك شركات الاتصالات، ومقدمو خدمات الإنترنت، ومقدمو مراكز البيانات، ومقدمو الخدمات السحابية، ومتخصصو الحوسبة السحابية، وشبكات توصيل المحتوى، ومنصات الألعاب، ومنصات مقسم الإنترنت.