إبتكارات ظهرت على مدار العام كان أغلبها نقطة مفصلية في حياة البشر مما سرّع الثورة الصناعية الرابعة. وحرصاً منها على تقديم صيغة أفضل من الخدمات الحيوية، تركّز شركات التقنية على تطوير نموذج الذكاء الاصطناعي بوجه جديد.
بهدف تعزيز استخدام التكنولوجيا بشكل آمن واعتماد الذكاء الاصطناعي بعيداً عن التهديدات الأمنية، تُطوّر الشركات الناشئة أنظمتها الرقمية الأكثر تقدماً وكل ما يتعلّق بالحلول الذكية الأساسية للأعمال. وفي الوقت الذي تبحث فيه الحكومات عن كيفية تحقيق التحول الرقمي الشامل وسدّ الفجوة الرقمية والاستجابة إلى متطلبات السوق، برزت بعض المعايير التوجيهية للتخفيف من المخاطر المحتملة والاستعداد للمرحلة الجديدة إن كان على مستوى سلوك العملاء أو على مستوى حماية الخصوصية على شبكة الانترنت.
الشركات وتطبيق الذكاء الاصطناعي في الأعمال
تسارع انتشار الذكاء الاصطناعي وتوسّعه في الأعمال مع نمو حركة مرور البيانات واستخدام الآلات والأجهزة الالكترونية لاتمام العمليات الصناعية والتشغيلية. على ضوء ذلك، دخلت الشركات والمشاريع الناشئة في سباق التقنية لتحقق نجاحات متتالية من خلال الحلول الرقمية والتحولات على مستوى الأعمال ومجالات مختلفة منها الرعاية الصحية والتسويق الالكتروني والتعليم والصناعة والزراعة والخدمات المالية وكل ما يرتبط بالحوسبة السحابية والبلوكتشين. تستخدم الشركات أشكالاً متعددة من الذكاء الاصطناعي يمكن تلخيصها بالتعلم الآلي، الشبكات السحابية، معالج الصور والفيديو لاستخراج المعلومات وتحليل البيانات.
تحقق الحلول الرقمية ميزة تنافسية للشركات فهي تحسّن تجارب العملاء، ترفع مستوى الخدمات وتعزز أداء الموظفين لتحقيق نتائج أفضل على مستوى النظام الانتاجي والتشغيلي. أما الذكاء الاصطناعي فيساعد الفرق العاملة على ايجاد الحلول الصائبة لمعالجة الثغرات الطارئة وحل المشاكل وترقّب حدوثها لتجنّب أكبر ضرر ممكن. وبينما تقوم المؤسسات بتدريب موظفيها على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي وأنظمته للاستفادة القصوى من تطبيقاته وخدماته في العمليات اليومية، تراقب الدول النامية وخصوصاً الملمّة بشقّ التكنولوجيا هذا التطوّر لمواكبة العصر الرقمي بكل المجالات بشكل آمن وبطريقة فعالة. فكيف تبدّلت معايير الحماية منذ انطلاق الذكاء الاصطناعي حتى يومنا هذا؟
200 وثيقة لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي
في ظلّ المخاوف والتساؤلات حول مستقبل الأعمال والشركات والمجتمعات مع تقدّم الذكاء الاصطناعي، تعتبر المبادئ التوجيهية والأنظمة الأخلاقية الخطوة الأولى لنشر الوعي وتعزيز الثقة حول هذه التقنية والحدّ من مخاطرها. في هذا الاطار، قام باحثون بمراجعة السياسات المبدئية والمعايير الأخلاقية المنشورة بين 2014 و2022. وقد وجد الباحثون أن المبادئ الأكثر انتشاراً والتي نصت عليها الوثائق المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والتي بلغ عددها 200 وثيقة والمنبثقة من 37 دولة، 82.5% منها يتعلّق بالشفافية، 78% ركّزت على الأمن، 75.5% اختصت بالعدالة، 68.5% على الخصوصية، بينما 67% شدّدت على المساءلة. أما المبادئ الأقل شيوعاً فشملت حقوق العمل، الصدق والملكية الفكرية.
تحمل مدونة السلوك هذه كيفية ادارة الذكاء الاصطناعي لتعزيز الاستخدام الآمن للتكنولوجيا في كافة أنحاء العالم حيث بدأت الدول السبع التي تشمل كندا وفرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا واليابان وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي الدخول بتفاصيل الذكاء الاصطناعي لتطوير أنظمتها التي تعتبر أساسية للأعمال ولمعالجة التحديات في العالم الافتراضي من ناحية أخرى.
تعتبر مدونة السلوك مهمة جداً لوضع أطر تنظيمية لاعتماد الذكاء الاصطناعي إن كان في مجال الأعمال أو لتعزيز الاقتصاد أيضاً خصوصاً في الدول التي تعتمد على هذه الأساليب بنسبة متزايدة. لا يزال الجدل قائماً حول طريقة تنفيذ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي فمنهم من يعتبر أنه يجب تقييس كل ابتكار وفقاً لمعايير الأخلاقيات قبل تطبيقه بينما يعتبر البعض الآخر أنه يجب اخضاع تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى الضوابط والرقابة دون الحدّ من قدرات هذه التقنية. ومع التهديدات التي تطال الأفراد بفعل التميّز الجنسي والعرقي، كانت اليونسكو أول من تبنى اتفاقاً عالمياً بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي منذ عام 2021 والذي يشمل أربع توصيات تشمل حماية البيانات، حظر استخدام الذكاء الاصطناعي للمراقبة، دعم وسائل الذكاء الاصطناعي القائمة على استخدام البيانات بكفاءة وتقييم العواقب الأخلاقية للذكاء الاصطناعي.
يجد الخبراء أهمية قصوى في تعميم معايير الذكاء الاصطناعي والسعي دائماً نحو تطويرها باعتبار أن مسيرة هذا النمو ستقود العالم إلى مرحلة مختلفة مع السنوات المقبلة حيث ستكون فيها الآلات والأجهزة الالكترونية راسخة أكثر من القدرات البشرية.
وبينما نحن على مشارف العام 2024، تسعى الشركات إلى تعزيز نشاطها في قوة الذكاء الاصطناعي دون تجاوز الأخلاقيات والمعايير الدولية لهذه التقنية. يكمن هذا الهدف في بناء استراتيجية واضحة مع نمو حركة البيانات وايمان الشركات بدور هذه البيانات لتحليل سلوك المستخدم وتلبية احتياجاته المتبدلة باستمرار.
امتداداً لهذا الاهتمام، من المتوقع أن ينمو الانفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي ليتجاوز 110 ملايين دولار مع العام 2024.
مخاوف تقلق البشرية
مع وتيرة النمو والتطوّر السريع، يتوقع خبراء التكنولوجيا أسوأ السيناريوات بشأن الذكاء الاصطناعي والحلول التقنية بالعموم باعتبارها سلاحاً خطراً يتجاوز بقدراته العقل البشري.
سرعة وفوضى المعلومات: يُستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة لفبركة الصور والفيديو والنصوص المزيفة مما يوسّع المخاوف بشأن انتشار التقنية في حياتنا اليومية بما أن الخطر قد يطال الجميع دون استثناء من الآن فصاعداً. وبين السرعة والدقة، يهدد الذكاء الاصطناعي مستخدميه لاعتباره سلاحاً رقمياً بيد المؤسسات والشركات لشنّ هجمات إلكترونية من الأخطر والأسوأ على الاطلاق.
تهديد الخصوصية: لأن البيانات والمعلومات الشخصية هي أغلى ما نملك على الانترنت، تعتبر الحماية من الذكاء الاصطناعي أمراً بالغ الأهمية خصوصاً وأن كل التطبيقات باتت تعتمد على هذه التقنية للتفاعل مع المستخدم ومراقبة سلوكه أونلاين وما بنجذب إليه من احتياجات أو طلبات.
التفوّق على البشر: ولعلّه من أكثر المخاوف التي تشغل العالم، هل سيتفوّق الذكاء الاصطناعي والأجهزة الالكتروينة على القدرات البشرية؟ هل ستبقى الشركات بحاجة إلى القوى العاملة أم سيتم الاكتفاء بالقوة الرقمية فقط؟ قد يكون فقدان السيطرة على الذكاء الاصطناعي من أسوأ السيناريوات المطروحة ولهذا السبب تُشدد الدول على أهمية تحديد المعايير وتطوير الأنظمة لتتوافق مع العصر الذكي مع حماية الوظائف في وقت بات الذكاء الاصطناعي يهدد نحو 28 مليوناً، والحد من موجة تسريح الموظفين الذين استُبدلوا بروبوتات أو آلات مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
الأجهزة ذاتية التحكم: أصبحت تجتاح عالمنا براً وبحراً وجواً من المنازل الذكية وطائرات دون طيار وسيارات ذاتية القيادة وأجهزة إلكترونية مستقلة التحكم. فمثل هذا النوع من الآلات يثير قلق الخبراء والمتخصصين بالتقنية لمجرّد فكرة أن تكون هذه الأخيرة قادرة على السير والعمل من تلقاء نفسها دون تدخل العقل البشري.
يمنح عصر السرعة بإيجابياته وسلبياته فرصة لتجربة الأنظمة الذكية والبرامج المتطورة مما يخدم استراتيجية الشركات ورؤيتها على المدى البعيد. إنما قد يواجه هذا الأمر هجمات خطيرة وثغرات بالغة يستغل من خلالها المخترقون خصوصية المستخدم أو يهددون البنية التحتية الرقمية ويعطّلون النشاط الالكتروني.
تمتد قوة الذكاء الاصطناعي إلى أبعد مما هو عليه فهل ستُقيّد التقنيات المستقبلية حرية الأفراد وتسيطر عليهم أو سيتمكّن خبراء التقنية من تحديد قدرات العالم الذكي لما يشكله من تهديد وجودي للبشرية؟