احدث الذكاء الاصطناعي (AI) ثورة على كافة الأصعدة، مثيراً موجة من الاهتمام والفضول لدى كافة شرائح المجتمع. ومع انتشار التقنيات الخاصة بهذا الذكاء، كثرت النقاشات حول تداعياتها على العالم الحالي والأجيال المقبلة. الا أن الذكاء الاصطناعي لم ينحصر في الحاضر والمستقبل، بل عاد الى الماضي أيضا. فبفضل هذه التقنية، قام الباحثون بانشاء تطبيق جديد قوامه التركيز على الماضي القديم وإحياء حضارات زالت منذ زمن بعيد.
لغات خاصة بعصور قديمة
مع ظهور"الشات جي بي تي"والتقنيات المشابهة، أصبح الذكاء الاصطناعي مرتبطاً بشكل وثيق بكافة القطاعات، حتى وصل به الأمر الى الحضارات القديمة. إذ أثبت الذكاء الاصطناعي أنه أداة لا تقدر بثمن في ترجمة اللغات القديمة أو المنقرضة.
و في السياق، طوّر فريق مشترك من العلماء المختصين برنامجًا للذكاء الاصطناعي مصممًا خصيصًا لهذا الغرض. يكمن دوره الأساسي في ترجمة النصوص الأكادية المكتوبة بخط مسماري، والتي يعود بعضها إلى عام 2500 قبل الميلاد.
وتُعتبر اللغة الأكادية، التي تحدثت بها شعوب بعض المناطق في بلاد ما بين النهرين، المعروفة بالعراق اليوم، ذات أهمية تاريخية كبيرة. وقد كشفت ورقة بحثية نُشرت في Heritage Daily مؤخراً عن وجود مئات الآلاف من الألواح الطينية المكتوبة بالأكادية. ومع ذلك، وبسبب ندرة خبراء النصوص الأكادية، فان جزءاَ كبيراَ منها ما زال غير مترجم، خصوصاً وأن تعقيدات اللغات تشكل تحديًا قويًا للكثير من الباحثين.
أهمية إعادة إحياء هذه اللغات
يحكم العالم اليوم حوالى 7000 لغة، تنتشر بين شعوب العالم والجماعات الصغيرة على حد سواء. اذ يتواصل حوالى 96% من سكان العالم باستخدام نحو 4% فقط من هذه اللغات، مما يجعل الغالبية العظمى منها عرضة للانقراض. ويتجاوز التنوع اللغوي حوادث التاريخ الباطلة، فاللغات تعتبر أحجار الزاوية الأساسية لهوية المجتمع وسلطته.
وفي ظل سيطرة الثقافات العالمية وعمليات التجانس والشركات الكبرى على المجتمعات، فان الثقافات الطرفية تجد نفسها على هامش المجتمع، مما يؤدي إلى انضمام العديد من الجماعات إلى نادي شعوب التراث المفقود. ومن بين النتائج المحزنة لهذه المأساة الثقافية فقدان اللغات، أي فقدان المجتمعات لجزء كبير من تراثها .وتأتي من هنا أهمية احياء اللغات القديمة.
من مبررات إحياء اللغات القديمة
المبرر الأول لإحياء اللغة يرتبط مباشرةَ بالأخلاق ويمثل مسعىً مشروعًا. اذ تكمن أهمية إحياء اللغات الأصلية والأقلية في تصحيح الظلم الاجتماعي التاريخي. وتستحق هذه اللغات أن تُستعاد اقله تعويضاً عن جرائم الماضي، حيث كانت تتعرض الحضارات للإبادة اللغوية. فكثير من السكان الأصليين كانوا يُختطفون من أمهاتهم عندما كانوا أطفالًا فيكبرون دون أن يتذكروا لغاتهم، وهذا مؤشر اضافي على ضرورة التعامل مع هذه المسألة عاجلاً. "الحق باللغة الأم"، يوازي الحق بالأرض الأم. وينبغي على الحكومات أن تعترف بأهمية التعويض عن فقدان اللغات، لتمكين جهود إحياء اللغات المهددة أو حتى تمكين اللغات المعرضة للانقراض. فاللغة لها أهمية أكبر حتى من الأرض. وفقدانها لا يؤثر فقط على الاستقلال الثقافي والسيادة الفكرية والروحانية والتراث، بل أيضًا على جوهر الهوية نفسها.
أما الدافع الثاني وراء إحياء اللغة فهو جمالياتها. الغوص في غزارة اللغات واكتشاف الكلمات العجيبة والفريدة هو متعة لا توصف. كما تكمن أهمية استرجاع اللغات القديمة في فائدتها الاجتماعية.
إن إحياء اللغات المهددة يمنح شعورًا بالقوة للأفراد الذين فقدوا معنى الفخر وفي بعض الحالات حتى سببًا للعيش. فالتعددية اللغوية توفر العديد من المزايا الإدراكية والصحية. فعلى سبيل المثال، يظهر الناطقون بلغتين أصليتين قدرات إدراكية أعلى بالمقارنة مع نظرائهم الأحاديي اللغة، كما أن الدراسات قد أثبتت أن اللغتين الثنائيتين تؤخر بداية الخرف.
في سياق التعامل مع التكتلات العالمية وفقدان اللغات، اكتسب إحياء اللغات أهمية متزايدة في عام 2020، حيث يسعى الناس لاستعادة استقلالهم الثقافي وتعزيز سيادتهم الروحانية والفكرية وتحسين رفاهيتهم العامة. فلإحياء اللغة فوائد متعددة الجوانب، حيث تشمل النواحي المعنوية والجمالية والنفسية والإدراكية والاقتصادية، بالاضافة الى أهميتها في تعزيز العدالة الاجتماعية، التناغم الاجتماعي، التنوع، تعزيز قابلية العمل، كما تأثيرها الايجابي على الصحة العقلية.