تثير سرعة تقدم التكنولوجيا وتطور الذكاء الاصطناعي بشكل خاص، القلق بشأن أخطاره المحتملة وانعكاساته على حياة البشر. وتعتبراشكالية الوظائف واحدة من المواضيع الأساسية التي تشغل الموظفين، كما المراقبين. ففي حين يشيد البعض بأهمية هذا التطور لناحية مساعدة الأشخاص على أداء مهامهم بشكل أفضل. يؤكد البعض الآخر ان العكس هو الصحيح وأن الذكاء الاصطناعي سيأخذ مكان العديد من الموظفين، وسيصبح هؤلاء عاطلين عن العمل.
في هذا الاطار، جاءت نتيجة احدى الدراسات مثيرة، اذ خلصت الى ان التكنولوجيا ستحل مكان البشر في العديد من الوظائف، والتي تعود بشكل كبيرالى النساء.
وعلّق أحد الخبراء الاقتصاديين على هذه النتيجة قائلاً أن توزيع الجنسين عبر المهن يعكس التحيزات المتجذرة بعمق في مجتمعاتنا، حيث غالباً ما تكون النساء محصورات في وظائف محددة كالمساعدين الإداريين والسكرتيرات. وبالتالي، سيؤثر الذكاء الاصطناعي على التوزيع الاجتماعي للوظائف بشكل أو بآخر.
ما هي الوظائف الأكثر تأثراً بالذكاء الاصطناعي؟
خلصت دراسة أجراها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية الأميركية الى أن وظائف عديدة من المرجح أن يستبدلها الذكاء الاصطناعي كجامعي الفواتير والحسابات، وكتبة الرواتب والأمناء التنفيذيين، والتي تشغلها بمعظمها النساء. هذا الواقع سيؤدي الى تفاقم التفاوت بين الجنسين عبر تفاوت التوزيع للقوى العاملة. بدورها، ستؤدي هذه الخطوة الى نسف كل الجهود والتشريعات التي سبق وبذلتها الدول المتقدمة في سبيل تحقيق المساواة بين الجنسين في الوظائف. أما حالياً، فتفكر بعض الشركات في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي للتخفيف من موظفيها وتسيير عملها.
وفي السياق، أشارت احدى الشركات الرائدة الى أنها تبطئ عملية التوظيف، خصوصاً لناحية الأدوار التي يمكن للذكاء الاصطناعي ان يؤديها بسهولة والتي ترتكز على وظائف المكاتب الخلفية. ويتوقع الرئيس التنفيذي للشركة، أن يتم استبدال ما يصل إلى 30% من هذه الوظائف خلال السنوات الخمس القادمة بالتقنيات الجديدة. هذا الأمر سيؤدي إلى خسارة ما يقارب 7800 وظيفة.
الذكاء الاصطناعي لا يستطيع أن يستبدل كل الوظائف
من سياق التوقعات الدائمة لمستقبل الوظائف، يقول المراقبون إنه ومن المرجح أن يسيطر الذكاء الاصطناعي على تلك التي يسودها التكرار. على سبيل المثال لا الحصر، يستطيع شات جي بي تي من شركة أوبن إيه آي ان يقوم بمهام تستغرق الكثير من الوقت بالعادة، كالبحث عن عدد هائل من النصوص ومراجعتها وتلخيصها. وهو يجيدها بوقت قصير جداً.
كذلك للذكاء الاصطناعي تأثير على عملية التوظيف اذ يقوم بعملية فرز السير الذاتية، وهي مهمة تتطلب عادةً أكثر من شخص لانجازها خلال فترة قصيرة.
اما المضي قدماً وتوفير فرص إعادة التدريب سيكون أمراً أساسياً للمرأة بشكل خاص وللموظفين بشكل عام للانتقال الى العصر الجديد ومواكية هذا التطور. فالقيام بذلك، سيخول الجميع الاستفادة من إمكانات ومهارات الذكاء الاصطناعي وتوظيفها لصالحهم.
هل هذا يعني أن الوظائف الأخرى بأمان؟ في الواقع كلا، فقد أفادت الأبحاث الدولية الأخيرة أن تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي لن يقتصر فقط على الوظائف المرتكزة على التكرار بل أيضاً على تلك عالية الأجور. لذا فان الذكاء الاصطناعي يمثل خطراً حقيقياً على الوظائف.
الوظائف مهددة بشكل جدي
وفي وقت سابق، نشرت احدى الشبكات الأميركية تقريراً للمنتدى الاقتصادي العالمي مفاده أن 14 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم ستختفي خلال السنوات الخمس المقبلة. وتستند هذه الدراسة الى استطلاعات لأكثر من 800 شركة. فالاضطرابات التي سيشهدها العالم في السنوات المقبلة ستكون هائلة. وستؤثر سلباً على الاقتصاد، كما على سوق العمل العالمي. ما سيدفع الشركات للجوء الى التقنيات التكنولوجية المختلفة بدل الموظفين من أجل تسيير أمورها.
ووجد المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يستضيف تجمعاً للقادة العالميين في سويسرا، سنوياً، أن الذكاء الاصطناعي مثير للقلق، فأصحاب العمل يتوقعون خلق 69 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2027 مقابل إلغاء 83 مليون وظيفة قائمة. ما سيؤدي إلى خسارة صافية تقدر بـ14 مليون وظيفة، أي ما يعادل 2% من العمالة الحالية.
ونظرالى أن تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم سيشكلان السبب الرئيسي لخسارة الكثير من الوظائف الا أن أنظمة الطاقة المتجددة ستكون المحرك الجدي في توليد الوظائف الجديدة.
التكيف مع المستقبل
على الرغم من ايجابياته، يواجه الذكاء الاصطناعي الكثير من التحديات، كالحاجة الى التنظيم والاحتمال الكبير للوقوع في الخطأ. وتفادياً للانعكاسات السلبية، يجب على الحكومات والشركات ان تضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح، أخلاقي كما وحماية الموظفين من الآثار السلبية له. هذا وتحتاج الاخيرة إلى توظيف استراتيجيات التحول الرقمي أيضاً بشكل صحيح.
عموماً، سيكون مستقبل العمل قائماً بشكل اساسي على التكنولوجيا. هذا التحول سيغير الاقتصاد وسوق العمل بطبيعة الحال. وفي حين أن هناك تحديات يجب معالجتها، الا ان فرصاً كثيرة للنمو والابتكار تلوح في الأفق، من خلال التكيف مع سوق العمل المتغير، والسعي للاستثمار في المهارات والتقنيات الجديدة، بالاضافة الى خلق ظروف عمل عادلة ومنصفة. بهذه الطريقة يمكننا بناء اقتصاد أمتن ومستقبل أفضل للأجيال القادمة.