على مدار الأعوام الخمسين الماضية، شهد القطاع الزراعي تحولات كبيرة. فالبذور والري والأسمدة المحسنة ساعدت المزارعين على زيادة المحاصيل بشكل كبير. فيما اتت التقنيات الحديثة لكي تسهل العمل الزراعي وتساهم في رفع الإنتاجية. والفضل في ذلك يعود بالدرجة الأولى الى التقدم التكنولوجي.
الا انه وفي الوقت الحالي، لا تزال الزراعة في مراحلها الأولى من الثورة الجديدة التي يقودها مجال الاتصال والبيانات. اذ يمكن للتقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والتحليلات وأجهزة الاستشعار المتصلة بالشبكة وغيرها، أن تعزز المحاصيل بشكل أكبر، وأن تزيد من فعالية استهلاك المياه، بالاضافة الى تعزيز الاستدامة والمرونة في كل من الإنتاج الزراعي وتربية الماشية.
أما الاستهلاك خلال الأزمات المستشرية في العالم الآن، فهو يزيد من الحاجة الى المزيد من الزراعات المحلية والمستدامة بحسب التوقعات، مما يستلزم إجراء تعديلات على الممارسات الحالية القائمة. فربع الأراضي الصالحة للزراعة في العالم تدهورت، وتتطلب إصلاحات واسعة النطاق لتتمكن من زيادة محصولها. كما أن إمدادات المياه الحالية لن تتمكن من تلبية احتياجات العالم من المياه بحلول العام 2030.
ومن المتوقع أيضاً، أن يصل عدد سكان العالم إلى 9.7 مليارات شخص في العام 2050، مما يستلزم زيادة بنسبة 70 في المائة في عدد السعرات الحرارية التي يمكن الوصول إليها للاستهلاك، على الرغم من ارتفاع سعر المكونات المستخدمة لإنتاج هذه السعرات الحرارية.
كيف تأثرت الزراعة بالعصر الرقمي؟
كما باقي القطاعات، لا شك في أن القطاع الزراعي تأثر بالتكنولوجيا، والتي انعكست بدورها على عدة مستويات، اليكم ابرزها:
-الزراعة الدقيقة: يمكننا القول وداعاً الى عصر التخمين. فاليوم أصبح بالامكان تحسين العمليات الزراعية بشكل لم يسبق له مثيل، بسبب أحدث أجهزة الاستشعار والطائرات بدون طيار وغيرها من التقنيات الحديثة. هذه التكنولوجيا، التي تتراوح ما بين رسم خرائط التربة إلى مراقبة المحاصيل، ستساعد في زيادة الغلال والحفاظ على الموارد.
- الزراعة العمودية: تزداد شعبية هذه الزراعة مع التقدم الحاصل. اذ تزيد من إنتاج المحاصيل في الداخل عبر استخدام أنظمة الزراعة المائية، والتي تحتاج الى مساحات أقل من الأراضي وتسمح بالإنتاج على مدار العام. أهمية هذه الاستراتيجية المستدامة تكمن في توفير الطعام الطازج المزروع محليًا بشكل دائم.
- الري الذكي: ندرة المياه وسوء استهلاكها يشكلان قلقاً عالمياً. ولا بد من استثمار التكنولوجيا للحد من هذه المعضلة. ان التقدم اليوم سيتيح للمزارعين مراقبة مستويات رطوبة التربة في الوقت الفعلي واستخدام طرق ري دقيقة بالاعتماد على معدات مستوحاة من إنترنت الأشياء. كما ستسمح التكنولوجيات الحديثة بتحسين صحة المحاصيل وتخصيص الموارد، ويترافق ذلك مع التوجيه لناحية استخدام الكميات المناسبة في الري بحسب حاجة التربة.
-الزراعة الآلية: ان الروبوتات موجودة في خدمة المزارعين وهي قادرة على دخول الحقول والقيام بالعديد من المهمام. هذه الآلات المستقلة قادرة على القيام بواجبات مثل الزراعة والحصاد وحتى تحديد صحة النباتات. أهميتها تكمن في القضاء على العمل اليدوي وزيادة الكفاءة. مما يسمح للمزارعين بالتفرغ والتركيز على مهام أخرى في سبيل زيادة الإنتاج الإجمالي.
- تطبيقات الجوال للمزارعين: أصبح سهلاً على المزارعين الوصول الى أحدث المعلومات المختصة بالزراعة بفضل التكنولوجيا. اذ تقدم تطبيقات الهاتف المحمول معلومات فورية ونصائح احترافية حول كافة الجوانب الزراعية بدءًا من التنبؤات الجوية حتى علاج الآفات. كما وتزيد هذه التطبيقات من فرص تحليل اتجاهات السوق بسهولة والتواصل مع الموردين.
اذاً، يوفر التقدم التكنولوجي اليوم الكثير من التسهيلات للمزارعين التي تصب في خانة زيادة الإنتاج وتوفير الموارد وضمان الأمن الغذائي لعدد متزايد من سكان العالم للسنوات القادمة.
ماذا عن عقبات هذه التقنيات؟
في السياق، لا بد من الاشارة الى أن هذا القطاع يواجه تحديات كبيرة لا بد من التطرق الى بعضها. أهمها البنية التحتية للاتصال،اذ يعد إنشاؤها أمرًا بالغ الأهمية في ظل افتقار أرياف كثيرة لهذه البنية. اذ لا فعالية للتقنيات الزراعية الحديثة دون هذه البنية التحتية متطورة.
في المقابل، بدأ العديد من المزارعين في استخدام البيانات المتعلقة بالعناصر الحيوية مثل التربة والمحاصيل والثروة الحيوانية والطقس في السنوات القليلة الماضية. الا أن هذه البيانات ليست متاحة لجميع المزارعين.
فعدد قليل منهم، قادر على الاستفادة من التقنيات الرقمية المتطورة التي يمكن أن تساعد في تحويل هذه البيانات إلى رؤى جديرة بالاهتمام وقابلة للتنفيذ. وفي المناطق الأقل تطورًا، ما زال المزارعون ينفذون اعمالهم الزراعية بشكل يدوي تقريبًا، خصوصاً وأنها غير مجهزة للاندماج بالتكنولوجيا الحديثة.