منذ عقود والمتخصصون في علم الأعصاب يعملون على علاج أمراض الدماغ مثل مرض الزهايمر وباركنسون. وبسبب دقتها، سارت هذه الرحلة ببطء شديد. فالدماغ هو أكثر الأعضاء تطوراً في جسم الانسان، وهو الأصعب من حيث الاستكشاف. ومع أن مجموعات البيانات التي تم جمعها لأبحاث الدماغ تعتبر هائلة وجاءت نتيجة لسنوات كثيرة من الكد والعمل، إلا أنها ليست مترابطة ولا حتى مترجمة الى لغة علمية موحدة.
وعلى الرغم من الاستثمارات الكبيرة التي توضع في هذا الاطار، أشار أحد الباحثين في معهد ألين لعلوم الدماغ الى انه وحتى اليوم لا حلول لاضطرابات الدماغ الرئيسية. ويعود السبب الرئيسي الى غياب المعلومات المركزية والمركبة.
الا ان هذا الواقع لن يبق على حاله، وذلك بفضل التمويل المقدم من المعاهد الوطنية للصحة (NIH) والتكنولوجيا المقدمة من خدمات الحوسبة السحابية-AWS الى معهد ألين من اجل تكثيف الجهود والنهوض بمنصة شاملة لمعرفة الدماغ.
ما هي منصة معرفة الدماغ؟
مكونان أساسيان يميزان هذه المنصة. الأولى تتمثل بإنشاء خريطة جديدة لخلايا الدماغ بأكمله، تقوم على تركيبها مجموعة من باحثي علم الأعصاب من 17 معهدًا من حول العالم.
أما المكون الثاني فهو الذي يعمل عليه معهد ألين بالاشتراك مع خدمات الحوسبة السحابية، والذي يركز على استخدام خريطة الدماغ المذكورة سابقاً من أجل إنشاء أكبر مكتبة مفتوحة المصدر لبيانات خلايا الدماغ في العالم. وفي التفاصيل، يشكل علم الجينوم ووحدة الخلية العمود الفقري لهذه المنصة. وبفضل التقنيات الجديدة التي تحدد الجينات المستخدمة داخل خلايا الدماغ الفردية، سيتمكن الباحثون من الكشف بشكل أفضل عن التعقيد الجزيئي للدماغ بالاضافة الى الجينات المسؤولة عن مهام الخلايا. فالخلايا العالية الدقة هي التي ستساعد الباحثين على فهم الأسباب الأساسية وراء الأمراض العقلية والاضطرابات التي تصيب الانسان. هذا الأمر، سيتيح المجال لكثير ممن يعانون من اضطرابات عقلية وعصبية الحصول على تشخيص أوضح وعلاج أفضل.
تجدر الاشارة الى أن هذه المبادرة هي الأولى من نوعها لناحية تجميع وتوحيد قواعد بيانات واسعة النطاق حول بنية ووظيفة أدمغة الثدييات.
ماذا عن مزايا هذه المنصة؟
أهمية هذه المنصة تكمن في المعلومات التي تقدمها للباحثين. فتفاصيل الدماغ التي كانت مجهولة في السابق أصبحت متاحة الآن. والحقيقة أن هذه المنصة قادرة على ربط الباحثين بقطع مختلفة من المعلومات. على سبيل المثال لا الحصر، سيتمكن هؤلاء من استخراج البيانات من الدماغ السليم ومقارنتها بتلك الخاصة بالدماغ المصاب.
وتتمثل هذه الرؤية الطويلة الأمد أيضاً في دمج جميع معلومات بيولوجيا الثدييات من خلال رسم بياني شامل المعرفة، مما يتيح ضم كل نتائج أبحاث الدماغ مهما كانت انواعها ومقاربتها.
كيف تعمل هذه المنصة؟
لتحويل البيانات الضخمة والمعقدة والمتعددة الوسائط إلى معلومات مفيدة للأطباء، يعتمد المعهد الذي يجري هذه الابحاث على خدمات الذكاء الاصطناعي-AI والتعلم الآلي-ML من خدمات الحوسبة السحابية. ويتم التحضيرلادخال الذكاء الاصطناعي التوليدي في هذه المعادلة في المستقبل.
ويدير معهد ألين جميع البيانات من خلال استخدام الحوسبة عالية الأداء، والتي تسمح بتخزين وتحليل واتاحة الوصول إلى البيانات بالاعتماد على 200 مليار خلية موجودة في الدماغ البشري، وتحويلها إلى أداة مفتوحة المصدر لكي يستعين بها الأطباء في نهاية المطاف من اجل إيجاد العلاجات الانسب لأمراض الدماغ.
وفي السياق، أعلن المدير الإداري لـخدمات الحوسبة السحابية أن "التعلم الآلي من خدمات الحوسبة السحابية يُمكّن المؤسسات البحثية من الكشف عن اتصالات واكتشافات جديدة مع خدمات الذكاء الاصطناعي المصممة لهذا الغرض". وأضاف:"هذه الطريقة فعالة من حيث التكلفة وقابلة للتطوير. لقد ألهمنا هذا العمل على إطلاق رؤى لم يسبق لها مثيل حول الدماغ البشري، ونتطلع إلى العديد من الإنجازات البحثية في الدماغ في المستقبل".
ما بين التكنولوجيا والطب
بعد أن غزت عالمنا بشكل كبير، انعكست التكنولوجيا على كل تفاصيل حياتنا، وأخذ الباحثون يطورونها تلقائياً من أجل استخدامها في مجال الطب والصحة، كما غيرها من المجالات. ويعتبر الإنترنت مصدراً مهماً للمعلومات الطبية، خصوصاً بعد انتشار المواقع الطبية بلغات مختلفة والتي ساهمت الى حد معين برفع الوعي الصحي.
كما أصبح بإمكان مقدمي خدمات الرعاية الصحية الوصول إلى المرضى بسهولة. اذ استفاد الكثير من المستشفيات العالمية من مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات التكنولوجية من أجل التواصل مع مرضاها، والإجابة عن استفساراتهم وأسئلتهم.
أضف الى ذلك قدرة التكنولوجيا على توفير آلات جديدة وأدوية وعلاجات ساعدت في حماية العديد من الأشخاص وحسنت من فرص علاجهم. هذا واستطاعت تحسين الأبحاث والدراسات العلمية لجعل الرعاية الصحية أكثر كفاءة.
في سياق متصل، وفرت الإنترنت والتكنولوجيا المساعدة للباحثين والعلماء لناحية الادراك المسبق لانتشار بعض الأمراض، ما يسمح لهم بالتحضير لمواجهتها بوقت مبكر وتقليل الخسائر المتوقعة قدر المستطاع. هذا ما حدث مؤخراً مع انتشار فيروس كورونا. وفي حين كانت نتائج التجارب العلمية تأخذ سنوات للانتشار، أصبح من السهل اليوم الحصول على أحدث الدراسات والنتائج عبر الانترنت.
ولا بد من الاشارة الى أن أهمية التكنولوجيا لا تقف عند هذا الحد، بل ان تسخيرها بهدف تطوير أعضاء لجسم الإنسان يعد من أهم الجوانب في مجال الطب. فهي ساعدت الأطباء في زراعة أطراف صناعية لبعض المرضى، كما يقوم الباحثون في الوقت الحالي ببحث كيفية استخدامها بديلًا عن التبرع بالأعضاء بهدف حماية أرواح كثيرين.