قبل بضعة أشهر، ظهر شات جي بي تي، مبشرًا بعصر جديد من التكنولوجيا. وهو يعتمد بشكل أساسي على الذكاء الاصطناعي، الذي يخوله إجراء استجابات شبيهة بالإنسان، بناءً على كميات هائلة من البيانات. منذ ذلك الحين، حذر الخبراء مراراَ وتكراراً من امكانية المس بأخلاقيات المهن. الا ان هذا الامر لم يلاق آذاناً صاغية لدى الجميع، اذ وقع أحد المحامين ضحية الشات جي بي تي.
وفي التفاصيل، خضع المحامي ستيفن شوارتز الى جلسة استماع للعقوبات أمام قاضي احدى المقاطعات الأميركية بعد أن اعترف الاخير باستخدامه لهذا التطبيق من اجل الحصول على موجز في شكوى إصابة شخصية قدمها موكله ضد خطوط الطيران الكولومبية. وجاءت هذه الجلسة نتيجة لاستحواذ المذكرة على ستة آراء للمحكمة، لم تكن صحيحة في الاساس. وقد أشار بيان المحكمة الى أن شوارتز "يأسف بشدة" لاعتماده على هذه التكنولوجيا، خصوصاً وانه "لم يكن مدركاً لاحتمالية أن تكون محتوياتها خاطئة".
خلل في الكفاءة؟
يشير مراقبون الى ان التطور الحالي يفرض على المحامين الاطلاع بشكل دائم على أحدث ابتكارات التكنولوجيا المرتبطة بهم بشكل مباشر أو غير مباشر. كما أن على هؤلاء التأكد من المراجع التي يعتمدون عليها لاستقاء معلوماتهم، خصوصاً وأن التطبيقات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي اثبتت انها لا تقدم معلومات صحيحة دائماً. ما يعرّض المحامين كما غيرهم لأخطاء فادحة.
إنعكاس الذكاء الاصطناعي على القضاء
كثيرة هي الأسباب التي تشير الى أن الذكاء الاصطناعي سيكون له دور فعال في النظام القضائي. فالنظام الحالي يسيطر عليه المساعدون والباحثون القانونيون بشكل كبير، لأنهم هم من يقومون بالبحث والاستكشاف واحياناً كثيرة تفسير المعلومات.هذا الواقع، من شأنه أن يزيد من أتعاب المحاماة.أما الذكاء الاصطناعي فان بامكانه تسريع البحث وتخفيف الاعباء على النظام القضائي.
من ناحية أخرى يمكن توكيل بعض المهام الاضافية للذكاء الاصطناعي مثل مقابلة العملاء وجمع المعلومات بشكل صحيح منهم. في هذا الاطار، يرى علماء النفس أن الانسان قد يكون صادقا وأكثر حرية عندما يتحدث إلى آلة لأن الآلات لن تحكم عليه.الا ان الذكاء الاصطناعي لن يحل مكان وسائل جمع المعلومات، فأحيانا يبقى من الضروري ان تكون النقاشات ذات فعالية.
في السياق، تجدر الاشارة الى أن هذه التقنية الجديدة تساعد القضاء كثيراً في عمليات الاستجواب، خصوصا لناحية تقصي ردود أفعال الشهود والمجرمين في كل مرة يتحدثون فيها، بالاضافة الى اتمام عملية المقارنة اللازمة من أجل الوصول إلى النتيجة الأفضل.
حالياً، تتقصد شركات المحاماة الانفاق على الذكاء الاصطناعي لكي لا تضيعّ فرصة التفوق على منافسيها، فكلما باشرت بادخال هذه التكنولوجيا الى عملها، تمتعت بميزة استراتيجية وسرعة اكبر في حل النزاعات. وبذلك، يصبح أيضاً بالامكان التقليل من عدد ساعات العمل، خصوصاً وأن المحامي مثلاً يعمل على قضية واحدة لساعات كثيرة. أما الذكاء الصناعي فقادر على تقليل عدد هذه الساعات لأكثر من النصف.
وعلى الرغم من أن التخوف يسيطر على الكثير من المحامين في ظل هذه التقنية الجديدة، الا ان التقليل من ساعات العمل سيرفع من الجودة، وسيزيد من فرص تكرار تعامل العملاء مع المحامي ذاته.
الحاجة الى مهارات جديدة؟
بالنسبة الى العاملين في مجال القانون من محامين وقضاة وغيرهم، فان الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لن يكون بمجرد الضغط على زر بل سيستغرق جهداً أكبر من ذلك.
وسيكون أكثر فعالية عندما يتم استخدامه لاستكمال المهارات البشرية. فالأشخاص القادرون على التكيف مع هذه التكنولوجيا بوعي ومسؤولية هم المستفيدون من هذه الأدوات بشكل جيد.
هذا الأمر سيفرض على أصحاب الاختصاص اكتساب مهارات جديدة، بما في ذلك القدرة على اختيار أداة الذكاء الاصطناعي المناسبة لمهمة معينة، وصياغة استفسارات فعالة، وتقييم ملاءمة وجودة ودقة الردود، ما يسمح لهم بتعديل الاستفسارات حسب الضرورة وتجميع النتائج الإجمالية في عرض متماسك وقابل للتنفيذ.
أما شركات المحاماة فهي ستحتاج بدورها إلى توفير تدريبات جديدة حتى يتمكن المحامون الممارسون من التكيف مع هذه البيئة. كما ويترتب على كليات الحقوق أيضًا تحديث مناهجها الدراسية لتشمل مواد مختصة بكيفية استخدام أدوات الكتابة والبحث بالذكاء الاصطناعي بشكل أكثر فعالية، خصوصاً وأن هذه المهارات ستكون مطلوبة بشدة في المستقبل.