وفّرت التكنولوجيا خدمات لا تُعد ربطت الانسان بالعالم الافتراضي وسمحت له باكتشاف محيطه القريب والبعيد. فوسط التغيّرات المزدوجة اقتصادياً واجتماعياً، فرضت المجالات الرقمية نفسها في سوق العمل وعلم تشفير الداتا والكمبيوتر ومعالجة البيانات أبرزها.
من المتوقع أن يبلغ عدد مستخدمي التكنولوجيا الرقمية والانترنت في الشرق الأوسط نحو 160 مليون مستخدم بحلول العام 2025 مع تسريع وتيرة التحول الرقمي واعتماد الحلول الذكية. على هذا الخط، أصبحت المنصات الرقمية أوسع والمواقع الالكترونية منتشرة أكثر مما يتطلّب صيانة البرامج الخاصة بها وحماية البيانات على مدار الوقت مع زيادة الحاجة إلى انتقال الأعمال لشبكة الانترنت والوسائل الافتراضية. ويكثر الحديث مؤخراً عن أساسيات العلوم الرقمية والكفاءات المطلوبة في هذا المجال، خصوصاً وأن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ما زالت تفتقر إلى المهارات المطلوبة للاستجابة إلى التحديات والهجمات المحتملة في العالم السيبراني. من ناحية أخرى، يشير الخبراء إلى ضرورة تغذية الطلاب الجدد ودعمهم لتطوير مهاراتهم التكنولوجية والتقنية والتركيز على تقديم الكفاءات المؤاتية لحماية الداتا الضخمة ومراقبة تدفق البيانات على مدار حركتها.
علم التشفير هل هو وظيفة المستقبل؟
آلية التشفير، هي طريقة لحماية المعلومات والحفاظ على سلامة البيانات على الانترنت من الانتهاكات الالكترونية عبر تشفير الرموز لتتعذّر قراءتها من جهة خارجية. يعلم الباحثون بالمجالات التقنية أهمية التكيّف مع الواقع الجديد بكافة أبعاده. أما للراغبين في اكتشاف المزيد حول عالم التكنولوجيا فعليهم تطوير مهاراتهم لرفع حظوظهم بايجاد فرصة عمل كما هو الوضع في كل الاختصاصات. تحظى الوظائف الرقمية في مجالات الأمن السيبراني والتقنية والتكنولوجيا عموماً باقبال واسع مع نقص اليد العاملة حيث تتنوع التطبيقات العملية وتختلف الخطط المعتمدة بين شركة وأخرى لضمان الاستمرارية والأمن على حد سواء. هذا ويشمل الطلب أيضاً متخصصين في التجارة الالكترونية والتجزئة وبطاقات الدفع الالكتروني والعملات المشفرة وصيانة المواقع الالكترونية وكلمات مرور أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الذكية بالاضافة إلى تحسين شبكات الاتصالات اللاسلكية.
يعمل خرّيجو علم التشفير ضمن مؤسسات وشركات مصنّعة للكمبيوتر أو الهواتف الذكية إلى جانب أجهزة الخوادم وكل ما له علاقة بالاتصالات والشبكات وتكنولوجيا المعلومات. يُعد علم التشفير من الاختصاصات المحدودة لغاية الآن، لذا تبحث الشركات عن توظيف أصحاب الخبرة بما يصب في مصلحتها على المدى الطويل مع الانتقال التام إلى عصر الحاسبات الكمومية – Quatum Computer فضلاً عن الثورة الصناعية الرابعة وما أتت به العملات الرقمية من تجدد. كما تتناغم المجالات الرقمية المستحدثة مع البحوث والتطورات الأخيرة التي طالت التكنولوجيا والعالم الافتراضي أي بعد انتشار مفهوم ميتافيرس وزيادة الاستثمارات فيه.
مقابل ذلك، يواجه المتخصصون بعلم التشفير تحديات كبيرة أبرزها محاولات ابتكار نظام جديد يجعل العمل على الروابط مستحيلاً مما يعيق أمن الاتصالات ويحد من سرعتها.
عالم التكنولوجيا عالم بلا حدود، هذا هو الوصف الدقيق للعصر الحديث الذي يحمل معه سيناريوات عدّة تعيشها مؤسسات التكنولوجيا حول العالم.
المواهب الجديدة نحو "الديجيتال"
تحرص المواهب الجديدة على اختيار المجال الأنسب وسط مشهد عالمي سريع التقلّب. أما الشركات الجديدة فتعتبر بدروها جزءاً من هذا المشهد مع طلبها موظفين عاملين بالمجالات الرقمية أكثر من أي وقت مضى. بحسب الاحصاءات الأخيرة، 60% من العاملين الجدد يبحثون عن الشركات التي تتبنى الرقمنة ضمن أعمالها وتفضيلها على الشركات التقليدية خصوصاً بعد التحولات التي فرضها الوباء على كافة المستويات. بينما 66% من الكفاءات في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا مستعدة للعمل عن بُعد. وفي هذا الاطار، تتصدر كندا الدول من حيث استقبالها الموظفين الراغبين في العمل بالمجالات الرقمية، كذلك فرنسا وألمانيا، تليها الامارات مع نسبة 12% حيث تجذب الدولة الكفاءات والمهارات المتطوّرة مما يخدم رؤيتها. هذا وتعتبر الامارات في المرتبة الأولى في المنطقة لجذبها المواهب الرقمية بينما تأتي دبي في المرتبة السادسة وأبوظبي في المرتبة التاسعة ضمن قائمة أكثر 10 مدن جاذبية للمواهب الرقمية على مستوى العالم.
نظراً للواقع الجديد، أصبحت الوظائف عن بُعد متاحة بشكل أكبر وهذا ما أضاف أهمية المجالات الرقمية. كما تقدم الحكومات خططها لدمج التكنولوجيا 100% في الأعمال وأسواقها الاقتصادية لتدخل بمنافسة كبيرة مدفوعة بأهداف جديدة وتطلعات تتوافق مع اهتمامات المستخدمين والطلاب والكفاءات الشابة. من الواضح رغبة الشباب بتوسيع خبراتهم في البنية التحتية الرقمية وبكل ما يتعلق بالبيانات وأمن الانترنت وتطوير المهارات الرقمية بحدّ ذاتها. بحسب الاتحاد الدولي للاتصالات، من أهم المجالات المطلوبة حالياً هي القدرة على حماية المستخدمين النهائيين في مجتمع رقمي تتعدد فيه الهجمات السيبرانية ومعالجة كلمات المرور الأكثر تعقيداً. وتعتبر المهن المتخصصة بالرقمنة مهمة جداً لتوجيه القطاعات ووضع أفضل السياسات للنهوض ولتحقيق التنمية المستدامة.
توازياً، لا بدّ من تطوير التقنيات المستخدمة والبرامج الداخلية بالاضافة إلى تحسين التعلم الآلي والتخصصات في هذا المجال وتعزيز دور مراكز الاتصال وسائر وظائف التكنولوجيا لأهميتها على المدى البعيد. أما عن سوق العمل في الشرق الأوسط وأفريقيا، فما زالت تفتقر إلى كل المهارات المطلوبة في العالم الرقمي مع نقص المواهب.
وعلى الرغم من تطوّرها في السنوات الأخيرة، تعاني الدول الخليجية من فجوة في المهارات الرقمية وهذا ما يعزز وجود الهجمات وتنوعها على الانترنت. فوفقاً لاتجاه المنطقة نحو الرقمنة الشاملة، تبحث الدول في الخليج والدول المجاورة عن الطرق الأنسب لبناء المهارات المطلوبة بسلسلة من المراحل التعليمية وورش العمل التي تساهم باستكشاف الفرص الرقمية والقدرات بين الشباب لضمان المزيد من الأعمال لمستقبل أكثر ازدهاراً وربحاً على الاطلاق في عالم التكنولوجيا.
نمو الوظائف التكنولوجية بحلول العام 2023
يرى الخبراء مجموعة من الوظائف التي قد تشهد نمواً كبيراً بحلول العام 2023 حيث يتم التركيز حالياً على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بعدما شهد نمواً بنسبة 70% خلال الفترة الأخيرة. كما من المرجح أن تستفيد الشركات من اختصاصيي الذكاء الاصطناعي لتحقيق أرباح أكبر وتعزيز الأعمال المبرمجة والتقنية.
على الخط نفسه، تبحث الشركات عن محللي البيانات ومتخصصين بمعالجتها وادارتها مع اعتماد البيانات الضخمة لتوسيع الأعمال وفهم رغبات المستخدم ومتطلباته مع توفر الخدمات السحابية. من ناحية أخرى، تنتشر الروبوتات مع ظهور الكثير من المجالات الرقمية كالتي ذكرناها وغيرها العديد. لهذه الغاية، تزداد صناعة الروبوتات أكثر فأكثر بعدما شهد المجال نمواً بارزاً في العام 2019 وصل إلى 62.75 مليار دولار على أن يبلغ 189 مليار دولار بحلول العام 2027. وتُصمم الروبوتات الحديثة لتحاكي القدرات البشرية والتواصل مع الانسان بشكل أفضل سواء كانت فردية أو متواجدة في المصانع.
يتابع الخبراء تطور التحولات والمواهب الظاهرة التي تتناسب مع مستجدات التكنولوجيا. وتعتمد الشركات اليوم على مهندسي السحابة للتعامل مع الحوسبة السحابية وخدماتها وصيانة المنصات والبرمجيات على مدار الوقت. كما يهتم مهندسو السحابة ببناء الخدمات السحابية للشركات والتمييز بين البرمجيات القديمة والجديدة وكيفية استخدامها لحماية المعلومات والأمن السيبراني.
في هذا الصدد، تطلب الشركات اختصاصيين في أمن المعلومات لمراقبة شبكة الانترنت وحماية الحسابات والمنصات الالكترونية من الانتهاكات أونلاين وتجنّب حالات الاختراق الهائلة والتركيز على المعايير العالمية لأمن المعلومات. توازياً تحتاج الشركات إلى مطوري المواقع الالكترونية المتخصصين بكتابة الكودات بلغات مختلفة لتطوير الموقع أو لانشاء منصة رقمية.
لن تقتصر الوظائف الالكترونية على هذه السلسلة فقط بل ستكون في الأيام المقبلة مجموعة أخرى من الوظائف والمهارات المطلوبة في السوق لتلبية متطلبات الشركات أولاً ورغبات المستخدم أيضاً.