تُضاعف الصين جهودها واستثماراتها المالية لتطوير إصداراتها في مجال الرقائق وأشباه الموصلات. فعلى الرغم من التحديات والعواقب التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين، إلا أن الأخيرة تمكّنت من تسويق منتجاتها للشركات ومواصلة التصدير.
على ضوء ذلك، ها هي الصين تُهدد اليوم بالاستيلاء على أكبر مصنع لأشباه الموصلات في العالم وهو مصنع TSMC التايواني الذي يُدر حصته في سوق تصنيع أشباه الموصلات نحو 54%. تثير هذه الخطوة مخاوف الحكومتين الأميركية والتايوانية حيث سبق أن تصدرت الصين السباق العالمي للتسلح بأشباه الموصلات مع تكثيف الجهود على خطط الانفاق على الأبحاث والتطوير والانتاج وباعتبارها تنتج الكمية الأكبر منها في العالم. تتنافس الدول في صناعة أشباه الموصلات حيث تعتبر تايوان مركزاً مهماُ للانتاج كذلك الولايات المتحدة. على هذا الخط، تحاول الولايات المتحدة أن تشد الحصار على هذا السوق مما قد يدفع الصين إلى توطين صناعة الشرائح الالكترونية لديها مما سيفرض تبعات اضافية عليها.
تُعد الرقائق الالكترونية أو أشباه الموصلات عنصراً مهماً في صناعة احتياجات متنوعة منها الأجهزة الالكترونية التقليدية، الهواتف المحمولة والكمبيوتر، كما تدخل في صناعة السيارات والطائرات وحتى شبكات الجيل الخامس. على ضوء ذلك يزيد الطلب على أشباه الموصلات بنسبة 10% وأكثر بشكل سنوي. فبعد أزمة كورونا، أدت الحرب بين أوكرانيا وروسيا إلى زيادة الطلب على تلك الصناعة مما أدى إلى ظهور المصانع والمبادرات الداعمة لانتاجها. بدورها تعمل تايوان، سينغافورة، كوريا الجنوبية واليابان على توسيع قواعدها في هذا السوق مع توريد كمية أكبر من أشباه الموصلات.
يتطلب بناء مصانع لانتاج أشباه الموصلات عدّة عناصر منها توفّر القدرات المالية، القدرات البشرية حيث يتطلب وجود نحو ألف إلى ألفي مهندس في كل مصنع وهذا لا يمكن تحقيقه بشكل مباشر. هذا وتتمثل العوائق الأخرى في توفير الموارد الأساسية في الدولة.
تعمل الصين على زيادة حصتها في مجال تصنيع أشباه الموصلات ومضاعفة قدرتها الانتاجية في إطار استراتيجيتها للوصول إلى هيكلية جديدة تعزز مكانة الصين وترفع حصتها في السوق خلال الفترة المقبلة. وفقاً للدراسات، تُخطط الصين لانفاق 150 مليار دولار على أشباه الموصلات، تليها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي مع نحو 50 مليار دولار ثم الهند فاليابان.
يشهد العالم ارتفاعاً ملحوظاً على طلب الرقائق الالكترونية مما أدى إلى ارتفاع المبيعات في مختلف الدول. تعليقاً على ذلك، أعلنت رابطة صناعة أشباه الموصلات الأميركية عن قيمة مبيعات صناعة أشباه الموصلات العالمية التي بلغت 50.9 مليار دولار في شهر أبريل 2022، لتحقق بذلك زيادة نسبتها 21.1% مقارنةً بالعام 2021 حيث وصل إلى 42 مليار دولار.
في ظل نقص العرض وارتفاع الطلب، تواجه الدول منافسة عالية بمجال الرقائق وانتاجها محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي مع متابعة سلسلة من الاجراءات التقنية والمادية والقانونية.
صراع سياسي مستمر ومخاطر تواجه القطاع
تعمل مصانع أشباه الموصلات على تلبية حاجات السوق والمستهلكين من خلال زيادة الانتاج لمواكبة الانتعاش الاقتصادي بعد أزمة كورونا. على الرغم من العوامل المؤدية لزيادة الطلب على الرقائق الالكترونية عالمياً، يواجه هذا القطاع سلسلة من التحديات والمخاطر منها سياسية أو مالية. في هذا الاطار، يتخوّف المحللون من عودة الطلب المتزايد على أجهزة التلفزيون والكمبيوتر ما سيؤدي إلى قلة الطلب على الرقائق. وتبرز العوائق السياسية مع فرض العقوبات الأميركية على الصين ومنع المصانع الصينية من استخدام الرقائق الأميركية وبالتالي هذا ما يترك تداعياته على الانتاج الداخلي للشركات.
كما تعمل الشركات المصنّعة للرقائق على زيادة استثماراتها في هذا المجال لتوسيع نطاقها على كافة الدول مع زيادة الطلب والنمو المستقبلي.
من المرجّح أن تستمر أزمة نقص الرقائق لغاية العام 2023 مع اعتماد عدّة قطاعات عليها. بدورها تخطو شركة إنتل خطوة كبيرة في عالم أشباه الموصلات مع استثمارها نحو 7.1 مليارات دولار على منشآت تعبئة الرقائق في ماليزيا. توفر هذه المنشآت المزيد من فرص العمل حيث تشكل ماليزيا 13% من عمليات اختبار وانتاج الرقائق في العالم.
المنطقة العربية تدعم مشاريع بناء مصانع إنتاج الرقائق
من ناحيتها الدول العربية تولي اهتماما بأشباه الموصلات مع التوجه نحو الصناعة المستقلة في قطاع السيارات والتكنولوجيا وغيرها العديد في مجالات الطاقة وتقنية المعلومات. في هذا الاطار، تتقدم المملكة العربية السعودية بمشروعها لتأسيس هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار لتأهيل المواهب في المملكة ودعمهم على إنتاج أشباه الموصلات داخل البلاد. لهذه الغاية تعمل المملكة على توفير الأدوات الضرورية للتصميم وبكلفة مدروسة بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030.
هذا ويتم العمل من قبل المجموعات المختصة بالتكنولوجيا بالتعاون مع المملكة العربية السعودية على بناء أول مصنع لأشباه الموصلات في الشرق الأوسط والذي تبلغ قيمته 9 مليارات دولار. كما تبحث المملكة بسلسلةمن التعاونات والشراكات الداعمة لمثل هذه المصانع في ظل التوترات الحاصلة على الصعيد الدولي لا سيّما بين الولايات المتحدة والصين، تليها تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية. ويعتبر موقع المملكة العربية السعودية من أهم المواقع في منطقة الشرق الأوسط لبناء هكذا مشاريع كونها تملك بنية تحتية رقمية مؤاتية إلى جانب العمل على تحقيق التنمية المستدامة داخل المملكة.
تساعد الحوافز اللوجستية على تنمية هذه الصناعة في المملكة مع مضاعفة التمويل والاستفادة من الاعفاءات الضريبية إلى جانب تحديد خطة شاملة تدعم الاقتصاد الرقمي والحلول الرقمية. من جهتها تعتبر الحكومة السعودية أن الدخول بهذا المجال سيفتح أمام المملكة فرصاً عدّة وكبيرة جداً.
وكذلك نجحت الامارات بتقديم تجربة فريدة في صناعة أشباه الموصلات مع تعزيز الابتكار في هذا المجال في وقت تسيطر فيه شركات محددة على الأسواق. هذا وتعتمد بعض اقتصادات العالم على صناعة أشباه الموصلات حيث أحرزت كل من ماليزيا وسنغافوة تقدماً بارزاً بهذا الاتجاه من خلال البرامج التكنولوجية المقدمة والشراكات الموسعة التي أقيمت لسدّ الفجوة الحاصلة في السوق.
تستعرض الدراسات الصعوبات التي واجهت أصحاب القطاعات المستفيدة من الرقائق وكيف كان تأثير الأزمة العالمية عليها ونقص الرقائق الذي أدى إلى خسائر كبيرة بالنسبة لمصنعي السيارات مثلاُ في الولايات المتحدة الذين قُدّرت خسارتهم بنحو 300 مليار دولار من المبيعات خلال العام 2021. وتلفت التقارير إلى أهمية اتباع النهج التكنولوجي الجديد لمواكبة العصر الرقمي. وفقاً للدراسات تحدد شركات تصنيع معدات السيارات كمية معينة من الرقائق التي ستنتجها بنفسها بحلول العام 2025. ولا بد من الاشارة إلى تأثير أزمة كورونا على هذا القطاع مع انخفاض حركة الشحن بين الدول.
تعتمد نحو 169 صناعة على الرقائق الالكترونية ومن المتوقع أن تزيد الحاجة إليها خلال السنوات المقبلة بنسبة 50% مع ارتفاع أعداد الأجهزة الذكية والكمبيوتر والتحول نحو التقنيات السريعة وبرامج إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي
تحتاج صناعة أشباه الموصلات إلى وقت طويل لذلك تعمل الشركات المصنعة بكل جهودها لانتاج المزيد من الرقائق وبناء عدد أكبر من المصانع استجابةً لحاجة العملاء والسوق المحلي والعالمي. ولغاية الآن يصعب توقع المدة التي ستطول فيها أزمة نقص الرقائق إلا انها قد لا تستمر لغاية النصف الثاني من العام 2023. كما يتخوّف المحللون من تفاقم الحرب الاوكرانية وعودة انتشار الوباء من جديد وهذا ما يُحتم اتخاذ اجراءات جديدة طويلة المدى.