أخذت الوظائف عن بُعد مكانة لها بعد تفشي الوباء إلا أن هذه النقلة النوعية عادلها الانتقال الكامل إلى الحلول الرقمية مع بعض المخاوف من هيمنة القوة الالكترونية على القدرات البشرية. هذا الواقع دفع الشركات الى اعتماد سياسات مختلفة تتماشى مع الواقع الجديد مع تعزيز التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي.
نجحت مؤسسات وهيئات القطاعين العام والخاص باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي على أنواعها واستغلال امكاناتها الكاملة لسدّ الفجوة الاجتماعية. بدورها لا تزال الحكومات تعمل بكل مقوماتها على ممارسة أعمالها بطريقة متطوّرة تزامناً مع تطوير الخطط والاستراتيجيات لاتخاذ القرارات المناسبة في إدارة الأعمال التسويقية والتجارية على المستويات الاقليمية والدولية والعالمية. من السيارات ذاتية القيادة إلى الأطباء الافتراضيين، يعمل الذكاء الاصطناعي على تغيير نمط العيش والعمل والسفر وطريقة انجاز المعاملات. فبحسب الدراسات قد يزيد الذكاء الاصطناعي ما يصل إلى 15.7 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول العام 2030. كذلك ستزيد الشركات العالمية خبرتها ومعرفتها بالذكاء الاصطناعي باعتبار ذلك محفزاً لتنمية الابتكارات مما سيؤثر على النمو الاقتصادي العالمي والإنتاجية أيضاً. وقد تعاملت الشركات والحكومات بطريقة استثنائية مع الازمة التي مرّ بها العالم منذ عامين، أزمة كورنا. على المقلب الآخر، دخل الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات ليصبح جزءاً أساسياً من عملها منها قطاع السيارات والنقل، الداتا، التعلّم، الاقتصاد، الألعاب الالكترونية، الصحة، إنترنت الأشياء وقطاع الخدمات. ويؤكّد الخبراء أهمية الذكاء الاصطناعي في خلق المزيد من فرص العمل بالاضافة إلى زيادة خبرات البحث والتطوير لتحسين جودة الحياة وتقليل التكاليف.
تطوير البرامج والرؤية المستقبلية يحققان التنمية والاستدامة
تتوسّع تطبيقات الجيل الخامس مع تطوّر البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتعزيز المواهب الرقمية في منطقة الشرق الأوسط. وفي السياق، تتبنى الإمارات ضمن رؤية الإمارات 2021 والمملكة العربية السعودية ضمن رؤية المملكة 2030 وقطر ضمن رؤية قطر الوطنية 2030 استراتيجيات خاصة تتصدر من خلالها الدول الأخرى في اعتماد تقنيات الجيل الخامس وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي.
بين الآلات واليد العاملة البشرية، يأخذ البشر 88% من المهام الوظيفية على مستوى العالم غير أنه قد يختلف الوضع خلال السنوات المقبلة لتشغل الآلات الذكية النسبة الأكبر وتحتل اليد العاملة البشرية 47% من الوظائف. يتعامل أغلبنا مع الذكاء الاصطناعي بصورة يومية ليتواجد في مختلف التطبيقات والمجالات من حولنا كمحرّك البحث، المساعد الصوتي وغيرهما العديد. أما في الفترة الأخيرة، فتطوّر الذكاء الاصطناعي بشكل كبير بفضل التعلّم العميق الذي سمح للذكاء الاصطناعي بتطوير نفسه بنفسه لنشهد بعد ذلك على اطلاق أول روبروتات ذاتية التحرّك في الامارات والسعودية.
بالاضافة إلى ذلك، أُدرج دور الذكاء الاصطناعي في تطوير الحوسبة السحابية والتطبيقات الذكية المتعلّقة بقطاع الصحة والتجارة والتسويق والاستثمار وصولاً إلى خدمات التعرّف على الوجه، السيارات ذاتية القيادة، الطائرات المسيرة. خلال الأعوام الأخيرة، أسست كل من الامارات ومصر والبحرين والسعودية جامعات ومراكز متخصصة بتدريس الخصائص المتعلّقة بتقنية الذكاء الاصطناعي لتدخل الدول العربية بذلك المنافسة العالمية في قطاع التكنولوجيا والتقنية. وبحسب الخبراء، يسيطر الذكاء الاصطناعي على أغلب المجالات حيث سنتعامل خلال السنوات القليلة القادمة مع الموظفين الرقميين في القطاعات المصرفية والمدارس والمستشفيات. على ضوء ذلك، من المتوقع اختفاء الكثير من الوظائف مقابل تلك التي ستتطوّر أكثر فأكثر لتأخذ مساحة لها من وظائف الأجيال القادمة. ويخشى البعض من التكيّف تماماً مع التقنيات الذكية وسيطرتها الكاملة على حياتنا في وقت أصبحت فيه عدّة تقنيات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها.
هل فقدان الوظائف محتّم مع التقنيات التكنولوجية؟
يحذّر البعض من تأثير الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات على سوق الوظائف عالمياً، إلا أن من المقدّر أن نكون بحاجة إلى 97 مليون شخصية لتولي وظائف الذكاء الاصطناعي مع ضمان بقاء الكثير من الوظائف بحلول العام 2025.
وبينما تدرك الشركات أهمية الذكاء الاصطناعي ودوره المحوري في تطوير الأعمال واستمراريتها على الرغم من كل التداعيات التي تركها الوباء، تعبّر هذه الأخيرة عن فوائد التكنولوجيا بالعموم لما لها من تأثير ايجابي في تحسين جودة الخدمات والانتاجية وتحرير الانسان من التقيّد بالمهام التقليدية. يقول الخبراء ومختصو الموارد البشرية إن الذكاء الاصطناعي سيلعب دوراً استثنائياً في عمليات التوظيف خصوصاً وأن الشركات الناشئة تعتمد على الخوارزميات والبيانات لتحسين اختيار الموظفين وعمليات التوظيف بالاجمال.
لذلك، يعتبر الذكاء الاصطناعي اليوم من أبرز الحلول المطروحة في عصر التحول الرقمي ليساعد على انتشار الخدمات الذكية ويدعم الخطط المستقبلية المعتمدة استجابةّ للمتغيرات الطارئة، ولتسريع وتيرة العمل.
زاد حجم الاستثمارات في هذه التقنية لا سيّما من قبل دول الخليج حيث تعمل السعودية على تطوير مدينة "نيوم" الذكية لتكون أول مدينة إلكترونية تحت إدارة الذكاء الاصطناعي في العالم بحلول العام 2025 إلى جانب تطوير الهيئة الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي التي تدعم الاقتصاد الرقمي القائم على الآلات الذكية.
بدورها أعدّت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر بالتعاون مع وزاة التعليم العالي استراتيجية الذكاء الاصطناعي التي تهدف إلى توسيع امكانية هذه التقنية في الجمهورية المصرية وتعزيز ريادة مصر في مجال الذكاء الاصطناعي على المستويين الاقليمي والدولي. على ضوء ذلك، كثّفت مصر التعاون مع الشركات العالمية العاملة في مجال التكنولوجيا والتقنية لدفع الكفاءات والطاقات الشبابية الضرورية. إلى جانب ذلك، تم إطلاق العديد من المبادارات، وتدشين المراكز لرعاية الابداع التكنولوجي والتطبيقات الرقمية في الدولة للحفاظ على ريادة مصر في القارة الأفريقية والشرق الأوسط.
على مستوى عالمي، تقوم خدمة البريد الوطنية في السويد، بتدريب الموظفين على استخدام نظارات الواقع الافتراضي لمحاكاة كل شيء من المركبات العاملة إلى فرز الرسائل. بدأت العملية أثناء فترة انتشار الوباء حينما أُجبر الموظفون على البقاء في المنازل والالتزام بالتباعد الاجتماعي فتباحثت الشركات بإعادة بناء هيكلة عملية جديدة يعتمدها فريق العمل بكل أقسامه.
إرشادات قانونية لتنظيم استخدام التكنولجيا
يؤكد الباحثون على ضرورة توافق المهارات والكفاءات مع قدرات الذكاء الاصطناعي. ومع الاعتماد الكبير على التقنيات الرقمية، يصبح الانخراط في العالم الافتراضي أمراً ضرورياً لتطبيق النظريات الجديدة وتبني سياسات المدن الذكية المرتقبة. من أجل بناء هذا التوافق، تعتمد الحكومات وهيئات القطاع العام والخاص سلسلة من الاجراءات والقوانين تتماشى مع مبادىء الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي بالاضافة إلى نشر العادات والتقاليد المتجانسة مع هذا التحول.
بالاضافة إلى الفوائد اللوجستية، يُعد الذكاء الاصطناعي من الدوافع الأساسية لتحقيق التحول الرقمي في المنطقة والعالم. وتعمل 65% من المؤسسات على تسريع الحلول الرقمية لديها خلال العام الحالي لتخفيض كلفة التشغيل ورفع الايرادات بينما تواجه نحو 90% من الشركات صعوبة في توسيع وجود الذكاء الاصطناعي لديها بسبب غياب المنهجية المناسبة. في حين تهتم معظم المصانع والشركات بالتقنيات الالكترونية لخفض الانبعاثات السامة. وبمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة يدعم الذكاء الاصطناعي وجود استراتيجية سحابية واضحة لتحليل البيانات ورفع المنافسة والتميز بخدمة العملاء. مقابل ذلك، تتعرّض الحكومات لضغوطات عدّة قد تؤخرعملية التحول الرقمي الشامل أو تمنع توسّع نطاق هذه التقنية وتعيق تحويل الأعمال.
على مدار السنوات الأخيرة، شهد قطاع الاتصالات والتكنولوجيا مقاييس جديدة أدت إلى بناء دول رقمية ومدن ذكية تدعم الذكاء الاصطناعي بالدرجة الأول. هذا التوجّه كان القاعدة الأساس لتنفيذ الكثير من المشاريع التي رفعت الناتج المحلي ولنمو القطاعات بالتوازي.
في ضوء السعي إلى تعزيز جودة الخدمات الرقمية، تتحول الشركات إلى الجيل الخامس لدعم الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لضماء عمل الآلات. ومع احترام مبدأ الشفافية والخصوصية الالكترونية يحرص مزودو الخدمات على تزويد الخدمات الجديدة مع الحفاظ على أعلى معايير الأمن السيبراني من خلال سياسات واستراتيجيات خاصة لحماية البنية التحتية الرقمية للاتصالات والقطاعات الحيوية.