يشهد عالمنا اليوم ارتفاعاً سكانياَ ملحوظاً مما يُنذر بأزمة غذائية قادمة خلال السنوات القليلة المقبلة. بحلول نهاية العام 2050، سيصل عدد السكان في المناطق التي تعاني ندرة في كمية المياه إلى 5.7 مليارات شخص. بالتوازي مع ارتفاع نسب الولادات من المتوقع استهلاك المياه والطعام واستنزاف مصادر الطاقة بكمية أكبر.
تلتزم معاهد البحوث البيئية والطاقة بتطوير كافة القطاعات المتعلقة بالاستهلاك اليومي حيث تبحث مؤخراً كيفية رقمنة قطاع المياه ووضع خطة استراتيجية للسماح بتدفق كميات أكبر للمستهلكين. تُعد الرقمنة من أهم الحلول المطروحة حالياً لزيادة الفرص وتخفيف المشاكل على كافة المستويات. وتختبر أغلبية القطاعات خدمات وقدرات التقنيات التكنولوجية لا سيّما إنترنت الاشياء والذكاء الاصطناعي للانتقال من برنامج العمل التقليدي إلى برنامج ذكي. على الخط نفسه، تتوسع حلول رقمنة المياه لتُغطي أغلب المناطق والمجالات كما أنها تساهم بتأمين حياة أفضل عبر دعم الشبكات الرقمية والكفاءات التشغيلية. ويؤكد الخبراء أن رقمنة قطاع المياه تُقلل الانبعاثات المضرة بالبيئة وتُجنّب الكوارث الطبيعية المرتقبة من فيضانات وجفاف مناخي. كما تتخطى عملية رقمنة قطاع المياه البنية التحتية التقليدية لتصل إلى الأنظمة الهجينة، فهي بذلك توفر كل المعلومات للمستهلكين بالوقت الآني لاعلامهم بكل ما يتعلق بكمية المياه المتوفرة وجودتها. تقود البلديات والحكومات مسيرة التحول الرقمي لتحسين الأعمال كما أنها تعتمد على جمع البيانات وتحليلها لتحقيق التنمية المستدامة وتمكين الاستخدامات الأكثر كفاءة. ويؤكد المتخصصون في قطاع المياه ضرورة نشر الحلول الرقمية في هذا المجال لتحسين الاستخدامات المتنوعة وتلبية احتياجات المجتمع مع الحفاظ على نظام بيئي صحي.
إدارة خطوط إمدادات المياه عبر العدادات الذكية، إنترنت الأشياء والبلوك تشين
تؤكّد التقارير الأخيرة ضرورة دمج التقنيات التكنولوجية بالشركات المزودة للمياه. تتيح رقمنة قطاع المياه مراقبة مستوى تدفق المياه من خلال العدادات الذكية، مع الأخذ في الاعتبار الرواسب الهائلة الناتجة عن تسرب المياه. يعمل عدّاد المياه المدعوم بتقنية إنترنت الأشياء على مراقبة التدفق والضغط ودرجة الحرارة وغيرها من المعلومات داخل خطوط أنابيب التوزيع؛ كما يسمح بمراقبة نظام التوزيع بأكمله في الوقت الآني بمساعدة التكنولوجيا المستندة إلى المستشعر. بالاضافة إلى ذلك، تتيح العدادات الذكية المراقبة عن بُعد بميزة لاسلكية، لتجنب متاعب زيارة المواقع في كثير من الأحيان.
إلى جانب إنترنت الاشياء، تعمل تقنية البلوك تشين على حل مشاكل توزيع المياه بكفاءة وفعالية عالية، كما تساعد على تخفيف المخاطر وتمكين المراقبة الاستباقية لأنظمة إدارة المياه. توفر شبكات البلوك تشين معلومات بوتيرة مستمرة لمنظمات المياه والجهات الحكومية لمتابعة واقع البنية التحتية وعمليات الفوترة. يُستخدم البلوك تشين للحصول على المعلومات وإدارة حالة تراخيص المياه، وشبكات التوزيع. كما تقدم تقنية البلوك تشين فرصة لإدارة المياه واصدار بيانات سريعة ومباشرة، يمكن استخدامها للتحليل والتحسينات في خطط ممارسات الاستهلاك.
يُعد استخدام التقنيات التكنولوجية أمراً ضرورياً للحفاظ على الثورة المائية والتخفيف من عمليات الهدر والاستخدام العشوائي. هذا وتساعد التطبيقات الذكية في الحفاظ على جودة المياه في ظلّ الأزمات الطارئة كالتي مرّ بها العالم مع انتشار وباء كوفيد-19. بدورها تساعد البيانات على تحليل المكونات الأساسية التي تتشكل منها تدفقات المياه بالاضافة إلى تحسين آلية العمل في مؤسسات المياه وإعادة التكرير.
على ضوء ذلك، يتم تدريب الموظفين الجدد في شركات توزيع المياه لاستخدام التكنولوجيا بطريقة أسهل والتأقلم مع التغييرات في هذا المجال: إن كان من ناحية التطبيقات والبرامج الذكية، إدارة المواقع الالكترونية، تعزيز استخدام رمز الاستجابة السريع QR code وتطوير البنية التحتية الرقمية واستخدام أجهزة الاستشعار وأنظمة الري عن بُعد.
رقمنة قطاع المياه لتحقيق التنمية المستدامة
تُكثّف الحكومات جهودها لرقمنة قطاع المياه بشكل كامل من ناحية وتنظيم التعاونات التي تصب لهذه الغاية من ناحية أخرى.
ضمن الخطط المطروحة لتحقيق الرقمنة على كافة المستويات، تُنظّم قطر سلسلة من ورش العمل لتسليط الضوء على أهمية رقمنة قطاع المياه على صعيد الدولة والأفراد من خلال دمج التكنولوجيا بنظام إدارة المياه في قطر. تعتبر هذه الخطوة محركاً أساساً لتحقيق التنمية داخل الدولة في ظل التغيرات المناخية التي نتعرض لها حالياً. هذا وتُشجع الهيئات المعنية على نشر الحلول القائمة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء بالاضافة إلى مشاركة البيانات والمعلومات الآنية المتعلقة بمسار خطوط المياه والتي ستؤثرايجاباً على قطاع المياه في قطر خصوصاً.
في هذا الإطار، يشير خبراء في صيانة شبكات الصرف الصحي إلى أهمية الأنظمة والبرامج الذكية واعتماد الحلول التكنولوجية لإدارة المياه والتحكم بها. كما من المهم أيضاً العمل للانتقال إلى البرامج الذكية في المرافق والمصانع لطرح حلول ملموسة بعيدة المدى.
كذلك في الأردن، تعمل الحكومة الاردنية بكل ما لها من قدرات على تحسين خدماتها الالكترونية لتمكين رقمنة قطاع المياه لديها وتطوير حلولها التقنية والاستشعارات من خلال التطبيقات الذكية، الأقمار الصناعية وغيرها من الأدوات الأساسية.
تسارع الدول إلى تطوير تقنيات المياه الرقمية في ظلّ التحديات التي فرضها الوباء، إلى جانب إطلاق التطبيقات الذكية التي تتيح انجاز المهام عن بُعد.
يُشكّل اليوم التحول الرقمي محور التنمية المستدامة مما يساهم في معالجة المشاكل والتحديات بشكل أسرع بالاضافة إلى اعتماد سياسات واستراتيجيات إنمائية لتحسين جودة الحياة. بينما يُعد قطاع المياه من القطاعات الأساسية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، كما تُنفق الحكومات المليارات سنوياً لتعزيز الشبكات ودعم تدفق البيانات إلى جانب الابتكارات التقنية العاملة لخدمة القطاع. ويتمتع المستهلكون والعملاء اليوم بكفاءة عالية مع زيادة العائدات والاستثمارات وخفض تكلفة العمليات التشغيلية.
مقابل ذلك، تواجه مرافق المياه والبلديات التي لم تعتمد الرقمنة في قطاع المياه صعوبات عدّة في ما يتعلّق بمراقبة الأداء، تنفيذ العمليات ومواجهة المخاطر. كما لا تقتصر الحلول الرقمية على تحسين خدمة العملاء فحسب بل تساهم بتنفيذ المهام اليومية بشكل أفضل.
إعتماد التحول الرقمي وتطوير التقنيات في مرحلة ما بعد كورونا
يمكّن التحول الرقمي العمل المشترك بين الشركات بكفاءة أكبر ومعالجة المشاكل المستجدة في قطاع المياه وسائر المجالات. ومن خلال الاجتماعات الافتراضية، تتيح الحلول التكنولوجية تدخّل الخبراء من كافة المناطق حول العالم وتشخيص المشكلة بسهولة ومراقبة العملية التشغيلية من المرحلة الأولى حتى النهائية.
في العام 2020، بلغت القيمة السوقية لعدادات المياه الذكية العالمية 4.89 مليارات دولار ومن المتوقع أن تصل أن إلى 9.71 مليارات دولار أميركي بحلول العام 2030، مع معدل نمو سنوي مركب متنامٍ بنسبة 7.3% خلال فترة الممتدة من 2021-2030.
تبلغ الحاجة إلى رقمنة القطاعات ذروتها في عصر تهيمن فيه التقنيات الذكية والحلول التكنولوجية. وفي عصر ينتشر فيه الذكاء الاصطناعي على كافة المستويات، يصبح الاتجاه نحو التحول الرقمي أسرع لتفادي المشاكل والأزمات المفاجئة وضمان تحسين الانتاجية ورفع قيمة الإيرادات.