تقود قطر ثورة الذكاء الاصطناعي والتقنيات التكنولوجية بخطوات ثابتة لمواكبة التحوّل السريع في هذا المجال. تستجيب رؤية قطر 2030 لأهداف الدولة المستقبلية لتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي وتعزيز آفاق التحول الرقمي في وقت تستعد فيه الدول لإحياء كأس العالم في كرة القدم 2022.
يُعد الاستثمار في الاتصالات والتكنولوجيا عاملاً أساسياً لحماية البيئة المجتمعية بما يتجانس مع التقدّم الحاصل في قطر. على ضوء ذلك، طرحت الحكومة القطرية مبادرات عدّة وعقدت شراكات من شأنها دعم البنية التكنولوجية الرقمية وتعزيز مكانة قطر في سوق الاقتصاد الرقمي والتجارة الالكترونية على مستوى المنطقة والعالم. بحسب رواد الأعمال، تعتبر قطر من الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي حيث من المتوقع أن يبلغ حجم هذا السوق 5.7 ملايين دولار في قطر مع مطلع العام الجاري. استكمالاً لذلك، تم إنشاء لجنة للذكاء الاصطناعي تُنعش الاستثمارات الأجنبية والمحلية، تجذب الشركات متعددة الجنسيات وتسرّع عملية التحول الرقمي في وقت ترجّح فيه التقارير أن ينمو سوق الذكاء الاصطناعي في قطر 40% سنوياً. وتتطلع قطر إلى تطوير الأجهزة الذكية لديها والبرامج الالكترونية استجابةً لاستراتيجية الذكاء الاصطناعي لتشمل الخدمات المالية واللوجستية والتسوّق والرعاية الصحية وغيرها من القطاعات بالاضافة إلى دعم الشركات والمشاريع الناشئة.
كأس العالم 2022 يجمع الابتكارات والتكنولوجيا في قطر
تأثرت الرياضة كغيرها من القطاعات في قطر بالتغييرات التقنية التي شهدها العالم فواكبت الدولة التطوّر الرقمي مع بناء ملاعب بهندسة ابداعية مُدمجة بالخدمات التكنولوجية المستجدة. منذ أن أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا عن استضافة قطر بطولة العالم لكرة القدم 2022 بدأ العمل تدريجياً لتطبيق الحداثة وتنفيذ نسخة مبتكرة وعصرية من مونديال 2022. مع تدشين الملاعب الجديدة استعداداً لاستضافة الحدث الأبرز هذا العام، حضرت التكنولوجيا بصورة أساسية في التصميم الداخلي والخارجي مع تزويد الملاعب بالتقنيات الذكية لخدمة الجمهور وتقديم تجربة فريدة: من المتوقع أن توضع كاميرات تسمح بمشاهدة المباراة عن بُعد عبر نظارات الواقع الافتراضي.
تعليقاً على ذلك، يؤكد المنظمون لكأس العالم – قطر 2022 دمج التكنولوجيا والابداع الرقمي باعتباره أحد القيم الأساسية لأول مونديال يُقام في منطقة الشرق الأوسط. وبعد تأثيرات كوفيد-19 غيّرت الحكومة القطرية طريقة العمل لتتجه نحو الرقمنة. أما من ناحية قطاع الرياضة، فأشار الرئيس التنفيذي لبطولة كأس العالم - قطر 2022 ناصر الخاطر، إلى التقنيات المتجددة المعتمدة في الملاعب أهمها تقنية التبريد لتحدي الطقس الحار معبراً عن فعالية هذه التكنولوجيا التي سترفع مستوى الرياضة في الدولة.
"رؤية قطر الوطنية 2030" تتبنى الآفاق الرقمية للتنمية المستدامة
تعتمد رؤية قطر على التنمية الشاملة بهدف الارتقاء بحياة المواطن ودعم الاستراتيجيات والخطط التنفيذية المرتكزة على تطوير الاقتصاد الرقمي القائم على دعم الأعمال والمعرفة واتخاذ الاجراءات الضرورية لإدارة أفضل. كما تهدف رؤية قطر إلى تحقيق التنمية الاجتماعية القائمة على تعزيز العلاقات بين الأفراد من خلال وسائل التواصل والاتصال الحديثة وتنطوي البنية التحتية الرقمية لتلبية الطلبات واحتياجات السكان.
يعتبر الخبراء التقنيون أن الجهد الذي وضعته قطر لتطوير البنية التحتية الرقمية والإمكانات الالكترونية وفّرت للدولة فرصة الدخول إلى عالم الذكاء الاصطناعي توازياً مع التطورات السريعة التي شهدتها الدولة. بدورها تستفيد الشركات الناشئة من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتخفيض كلفة الانتاج، رفع جودة الأعمال بالاضافة إلى جذب العملاء وتحسين الخدمات إلى جانب تخفيض استهلاك الطاقة.
ينعكس وجود الذكاء الاصطناعي على كافة المستويات الحياتية مع زيادة الأرباح وتسريع التوجّه نحو تحقيق التحول الرقمي على الرغم من كل التحديات التي فرضها الوباء على الشركات الكبيرة والمتوسطة. تعتمد هذه الأخيرة بشكل كبير على التكنولوجيا والحلول الذكية كإنترنت الأشياء، التعلم الآلي وغيرها من التقنيات الحديثة.
حرصت شركات القطاع العام والخاص على مواصلة الأعمال وتقديم الخدمات بكل ما لها من طاقة وموارد مادية وبشرية. كان القطاع المصرفي القطري من أهم القطاعات التي استعانت بالذكاء الاصطناعي والمواكبة للتحول الرقمي مما ساهم بطرح حلول مبتكرة تحافظ على نمو ونجاح الشركة. بحسب المعنيين، يعتبر القطاع المالي والتكنولوجيا المالية من القطاعات الواعدة على مستوى العالم وليس فقط على المستوى المحلي ما يعزز استخدام الذكاء الاصطناعي ودعم الفرص وجذب المستثمرين إلى الأسواق القطرية. وفي الحديث عن الجهود القطرية لتطوير القطاع المالي، يسعى مصرف قطر المركزي لإطلاق استراتيجية التكنولوجيا المالية لتسهيل المعاملات وإتمامها إلكترونياً لتوفير الوقت وفرض بيئة مناسبة لاعتماد التقنيات التكنولوجية الآمنة مع تجنّب الهجمات السيبرانية وكل التهديدات المحتملة.
وللإسراع بتحقيق رؤية قطر 2030، تم طرح برنامج قطر الذكية "تسمو" المصمم لتسريع التحول الرقمي وتمكين البنية التحتية الرقمية والاستجابة إلى المتطلبات التكنولوجية. كما تسعى قطر إلى تحقيق مستقبل رقمي من خلال هذه المنصة التي تركّز على خمسة قطاعات أساسية: الخدمات اللوجستية، المواصلات، الرعاية الصحية، البيئة والرياضة.
الاستثمارات الرقمية القطرية تسجّل أعلى مستوياتها
تشهد الاستثمارات الرقمية القطرية نمواً بارزاً لتصل إلى أعلى مستوياتها خلال العام 2021. وبحسب التقارير قد يرافق ذلك نمو بفرص العمل مع تشجيع الشراكات والابتكارات الوطنية. وكجزء من استراتيجيتها الوطنية، رفعت الدولة القطرية استثماراتها في القطاع الرقمي مع توسّع مشاريع شركات التكنولوجيا.و في وقت سابق تم عقد شراكات استراتيجية لإنشاء مركز بيانات سحابي إقليمي لتقديم الخدمات السحابية في قطر وتوسيع البنية التحتية الرقمية والسحابية عالمياً على أن تبدأ ثلاثة مراكز بيانات سحابية بإسم "مايكروسوفت أزور" العمل في قطر في العام 2022.
على هذا الخط، ترى جهات قطرية نمو حجم الإنفاق على التكنولوجيا وقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات ليصل إلى نحو 9 مليارات دولار بحلول العام 2024 وتوسّع العمليات المتعلّقة بهذا المجال على أرض قطر بعد التقدّم الملحوظ الذي أحرزته الدول مع انتشار الجائحة.
أوروبياَ، احتلت قطر المرتبة الثانية بضخامة الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المالية على مستوى بريطانيا كونها تُعد من المحركين الأساسيين في هذا المجال. جاء ذلك نتيجة ضخ نحو 376 مليون دولار لتمويل هذه المشاريع وغيرها من الخطط المستقبلية.
أهم الابتكارات الالكترونية للثورة الرقمية
لطالما اهتمت الحكومة القطرية وشركات القطاع العام والخاص بتطوير خططها بغية تحقيق رؤية قطر المستقبلية 2030. دخلت قطر الحقل التكنولوجي منذ سنوات فأسست في العام 2009 "واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا" التي تضم الأعمال والشركات الدولية والمحلية، فضلاً عن الجامعات ومراكز الأبحاث التي تحضنها بهدف تطوير الخدمات لمواجهة التحديات. إضافة إلى ذلك، تم إطلاق العديد من البرامج التقنية والتكنولوجية من الواحة مما جذب الاستثمارات إلى الدولة. في مايو 2021، أعلنت هيئة المناطق الحرّة تأسيس مصنع قيمته 3.5 ملايين دولارلإنتاج أجهزة مبتكرة من الكمبيوتر المحمول إلى جانب الساعات الذكية والهواتف المحمولة. يستجيب هذا المصنع إلى متطلبات العملاء لا سيّما مع زيادة حاجتهم إلى استخدام الأجهزة الذكية للتعلم والعمل عن بُعد. بالاضافة إلى صناعة الأجهزة الالكترونية سيحمل المصنع المشاريع اللوجستية والبحث والتطوير في مجال التقنية والتكنولوجيا لتقديم الحلول الذكية إلى العملاء. سيوفر هذا المصنع أكثرمن 160 فرصة عمل في الدولة بما فيها 144 لأصحاب المهارات التقنية.
استفادت قطر من الجائحة محوّلةً حياة الانسان إلى حياة ذكية حيث عمل الباحثون في كلية العلوم والهندسة على تطوير كمامة ذكية تستخدم تقنية الاستشعار وتراقب المؤشرات الصحية بدقة عالية وتحللها في الوقت الفعلي. يمكن ارتداء هذه الكمامة للاستخدام اليومي فهي خفيفة الوزن وقادرة على التأقلم مع التغييرات المحيطة من درجات الحرارة وحرارة الجسم واختلاف حالة التنفس. لا يمكن الحديث عن الابتكارات الذكية من دون ذكر الروبوتات التي شكّلت الجزء الاكبر من الابتكارات في الفترة الأخيرة. اذ حققت قطر نجاحات بارزة في هذا المجال مع استخدام الروبوت في العديد من القطاعات أهمها قطاع الرعاية الصحية لمساعدة الطاقم الطبي بالاضافة إلى الروبوتات التي نشرتها الحكومة في الأماكن العامة لرصد المصابين بالفيروس (في المطار، المتاجر...).
رفعت هذه الابداعات عدد الهجمات الالكترونية في قطر وفي المنطقة فأكدت الوكالة الوطنية للأمن السيبراني في قطر ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لإحباط هذه العمليات والتصدي للجرائم الالكترونية. كما يؤكد خبراء التكنولوجيا توجّه المؤسسات والشركات إلى العمل عن بُعد واستخدام الانترنت والمواقع الالكترونية والتطبيقات الذكية بشكل أكبر على ضوء الجائحة مما سهّل الاختراقات الرقمية في وقت كانت فيه قطر باستعدادها الكامل لهذا الواقع معززةً تدابيرها وخططها الأمنية.