شكّل التعليم عن بُعد نقلة نوعية بقطاع التربية والتعليم في وقت بات اعتماده خطّة ملحّة لضمان استمرارية العام الدراسي على أثر انتشار الوباء التاجي. على ضوء ذلك، وضعت المدارس والمؤسسات التعليمية استراتيجيتها المستقبلية لاستبدال التعليم الحضوري بالتعليم الرقمي جزئياً.
94% من الطلاب حول العالم توقفوا عن الذهاب إلى المدرسة منذ العام 2020 مع تفشي كوفيد-19، ومازال البعض منهم يتابعون برنامجهم الدراسي عن بُعد عن طريق الانترنت. بغض النظر عن ايجابيات التعليم عن بُعد، إلا أن التحديات التي يطرحها ليست بقليلة ولا بدّ من الأساتذة والجهات المعنية تطوير أسلوبهم في التعليم استجابةً إلى تطوّر نماذج التدريس عالمياً. ترتبط فعالية التعليم عن بُعد بسلسلة من البرامج التقنية والتطبيقات الذكية التي تؤمّن التفاعل الافتراضي بين المدرّس والطالب غير أن بعض الدول لم تكن تملك المقومات الكافية لمواكبة هذا التحول ما أدى إلى تراجع مستواها المدرسي والأكاديمي مقارنةً بالدول التي واكبت هذا التطور.
التقدّم التكنولوجي يفرض الاتجاه نحو التعليم أونلاين
شهد العالم طفرة غير مسبوقة في برامج التعليم الافتراضي بعد أشهر على انتشار كوفيد-19 وتوقف الأعمال في كافة القطاعات. قد لا يستهوي المدارس والجامعات التعليم عن بُعد باعتبار أن التعليم الحضوري أكثر فعالية، لكن التقدّم التكنولوجي ساهم بازالة هذه النظرية مع إتاحة ابتكارات جديدة ومتنوعة. وصلت الاستثمارات في التعليم عن بُعد عالمياً إلى نحو 18.7 مليار دولار في العام 2019 على أن تصل إلى 350 مليار دولار بحلول العام 2025. بدورها، عملت شركات التقنية والتكنولوجيا على طرح العديد من التطبيقات الذكية والتقنيات العاملة بالذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء لتحسين التعليم الافتراضي في المستقبل.
زاد كوفيد-19 حاجة الانتقال إلى التعليم عن بُعد بسرعة لتعزيز فرص التعلّم للجميع من دون استثناء بالاضافة إلى تحقيق التنمية المستدامة وتطبيق رؤية الدول المستقبلية التي تنص على تأمين التوازن والاستقرار الاجتماعي والثقافي.
تجارب عربية وعالمية حول التعليم الافتراضي... بين الاخفاقات والنجاحات
لم تنجح كل الدول بتجربتها مع التعليم عن بُعد. فمنها من حقق استفادة كبيرة ووسّع نطاق البرامج التعليمية الذكية ضمن كافة المدارس والجامعات لديها ومنها من رسب بمواكبة التطورات في هذا الإطار. من التجارب العربية الناجحة، تجربة المملكة العربية السعودية التي اهتمت بالتعليم عن بُعد حتى قبل ظهور الجائحة باعتباره جزءاً من رؤية المملكة 2030. في غضون ذلك، طوّرت المملكة العربية السعودية بنيتها التحتية الرقمية كما تم تحديث منصات التعليم الافتراضي على ضوء تعاون الهيئات والوزارات المعنية لتوفير التعليم الالكتروني إلى كل الطلاب.
بدورها تعاملت الإمارات العربية المتحدة بذكاء مع الأزمة الصحية حيث طوّرت حلولها التكنولوجية وتقنيات الذكاء الاصطناعي للاستمرار بالعام الدراسي رغم تداعيات الجائحة. إلى جانب ذلك، عملت السلطات الاماراتية على تدريب الطاقم التعليمي لكيفية تطبيق التعليم الهجين واستخدام التطبيقات الذكية بالطريقة الصحيحة.
أما مصر فاعتمدت الأجهزة اللوحية لإجراء الامتحانات وربطت المناهج المدرسية ببنك المعرفة المصري، كما وسّعت التعليم عن بُعد ليشمل المراحل الابتدائية والثانوية.
على الصعيد العالمي، تعتبر الصين من أنجح النماذج للتعليم عن بُعد ليتجاوزعدد الطلاب المنخرطين بالتعليم الافتراضي 89.27 مليون طالب للعام 2020 أي بزيادة 21.9% عن العام 2019. كذلك، تعاونت وزارة التربية مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لاطلاق بوابة التعليم للمدارس الابتدائية والثانوية.
تحديات تعلّق آلية التعليم عن بُعد والوزارات تتصرّف
مع اندماج التعليم الالكتروني، عانت مجموعة من الدول التي لم تستعد كما يجب إلى التحولات الرقمية المفروضة من تحديات عدّة. يعود ذلك إلى فقدان القدرات المالية، والتقنية، والبنية التحتية، والافتقار إلى الطاقات البشرية الضرورية والتجهيزات المتعلقة بشبكة الانترنت. بحسب الخبراء، على وزارات التربية حول العالم تعديل خططها للتماشي مع عصر الرقمنة وإلا سيخسر الطلاب عامهم الدراسي. أمام هذه الأزمة غير المسبوقة، يتوجّب على المدارس والجامعات تأمين مرونة الأعمال والتدريس الافتراضي لفترة طويلة الأمد وعدم الاقتصار بالفترة الراهنة.
عوامل أخرى تحدّ من فعالية التعليم عن بُعد منها عدم توفّر الكهرباء، أو عدم الاتصال بالانترنت أو ضعف الشبكات اللاسلكية. لذلك، على مزودي الخدمات والاتصالات العمل على تطوير شبكاتهم والاستجابة إلى متطلبات المستخدمين لتأمين جودة أفضل وسرعة أعلى لحركة الانترنت.
بحسب آخر التقارير، نحو ثلثي أطفال العالم ما زالوا محرومين من خدمة الانترنت في المنزل بسبب وضعهم المادي أو الاجتماعي المحدود. كما أن التفاوت بين الأسر الأكثر فقراً –الذين لا يملكون أجهزة ذكية أوكمبيوتر – والأسر الميسورة يعتبر من العوائق الحقيقية التي تؤخر الاتصال بالانترنت وبالتالي التأخر عن التعليم. أما الدول النامية فهي أيضاً تعاني بشكل أو بآخر لتوفير خدمات التعليم عن بُعد خصوصاً أثناء الضغط الكثيف على شبكات الانترنت من قبل الطلاب والأساتذة الذين يقيمون الصفوف افتراضياً.
هل نشهد على زوال التعليم الحضوري؟ وكيفية خلق التوازن بينه والتعليم الافتراضي
لا يلغي التعليم عن بُعد التعليم التقليدي بل هو مسانداً له ويضمن استمراريته بصورة عصرية أكثر ذكاءً. فبين التحديات ورؤية المستقبل، يدفع التعليم عن بُعد قطاع التربية إلى أفق تعليمية تعلّمية حديثة نتجاوز بها كوفيد-19 والأزمات اللاحقة. على ذها الخط، تعتبر 72%من المنظمات أن التعليم الإلكتروني يمنح المتعلمين ميزات تنافسية كما يرفع مستوى المعرفة لدى الاساتذة ويساعدهم على الانخراط أكثر بعالم الرقمنة والبرامج الذكية. ويتحدّث المدرسون عن ضرورة التعويض عن فترة غياب الطلاب عن المدرسة مقترحين التوازن الامثل بين التعليم الافتراضي والتعليم الحضوري مع الأخذ بالاعتبار الوسائل التقنية المتاحة لتنمية المهارات التعلمية لدى الطالب والقدرات المطلوبة لدى الأساتذة.
