بقلم: تشارلز يانغ، رئيس هواوي في الشرق الأوسط
تشترك برامج التحول الرقمي في دول الشرق الأوسط بهدف موحد يتمثل ببناء اقتصاد رقمي متنوع ومستدام بالاعتماد على التقنيات الرقمية لمرحلة ما بعد النفط. وتعتبر التقنيات الثورية الحديثة كالجيل الخامس والسحابة المساهمة في دفع عجلة الثورة الصناعية الرابعة واحدة من العوامل الأساسية لتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، خصوصاً في فترة ما بعد أزمة كورونا.
وتوقع المحللون أن تزداد نسبة الإنفاق على مشاريع التحول الرقمي في الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا بعد الجائحة من 25% من إجمالي الإنفاق على تقنية المعلومات والاتصالات في عام 2020 إلى 37% في عام 2024.
بالتوازي مع التسارع الكبير الحاصل على صعيد تبني التقنيات الحديثة، يجب أن تتم العناية بتوفير أساس متين للأمن السيبراني يتماشى مع التحديات المتصاعدة في الفضاء الالكتروني بسبب تزايد الاعتماد على التكنولوجيا، حيث نشهد في الوقت الحالي العديد من المخاطر الإلكترونية الناجمة عن الثغرات الأمنية التي تعاني منها بعض الأجهزة والبرمجيات، فرضها واقع الحجم الهائل والمتزايد للتواصل والعمل عبر الانترنت وتبادل البيانات .
وتوقع تقريرٌ نشرته مؤسسة Cybersecurity Ventures أن تؤدي الجرائم الإلكترونية إلى أضرار يصل حجمها إلى 6 تريليون دولار سنوياً على المستوى العالمي بحلول عام 2021. وفي ظل تزايد الهجمات الإلكترونية، تولي مختلف القطاعات أهمية كبيرة للأمن السيبراني، ويتم اعتماد المزيد من القوانين واللوائح والمعايير في القطاع العام بشكل منتظم. وعلى مدار العامين الماضيين، تم إقرار أكثر من 180 قانوناً للأمن السيبراني في 151 بلداً، حيث تسهم هذه القوانين في تحقيق تقدم كبير في هذا المجال، لكن يجب أن نعمل جميعاً على تعزيز التعاون والشفافية كأولوية وخطوة اولى لضمان أمن المستقبل الرقمي من التهديدات الإلكترونية.
ونشهد اليوم توجهاً متزايداً من جميع الأطراف في المنطقة لتعزيز التعاون والعمل المشترك على ضمان الأمن السيبراني. ويسهم خبراء الأمن في القطاع الخاص والشركات التقنية والمؤسسات الأكاديمية والمسؤولون في دعم استراتيجيات الأمن السيبراني الوطنية التي وضعتها الحكومات. وسعدنا في هواوي بالمشاركة في العديد من اللجان المحلية والإقليمية ومجموعات العمل والمراكز الفكرية للمساهمة في تعزيز مبادرات الأمن السيبراني التي نحرص على دعمها وتوفير خلاصة خبراتنا وتجاربنا لإنجاحها.
وللارتقاء بمستوى التعاون، يجب على الشركات والحكومات أن تعمل معاً بشفافية وأن تثق بالتقنيات التي تعتمد عليها. وفي إطار تعزيز نهج الانفتاح والشفافية، حرصنا على بناء العديد من مراكز الشفافية العالمية للأمن السيبراني وحماية خصوصية المستخدم التي يمكن لكافة الأطراف الدولية زيارتها والعمل فيها والاستفادة من مختلف مزاياها. وخلال الفترة الماضية، توجت هواوي نهج الشفافية والانفتاح بافتتاح المركز الأكبر من نوعه في العالم لشفافية الأمن السيبراني وحماية خصوصية المستخدم في دونغ غوان بالصين، وهو جزء من شبكة متكاملة من المراكز تنتشر حول العالم في كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا.
يوفر المركز منصة مفتوحة لكافة الجهات المعنية بمستقبل أمن التكنولوجيا ومواجهة التحديات المتصاعدة ومشاركة الخبرات وإجراء البحوث والتجارب والتقييم اللازم لحوكمة الأمن السيبراني والتعاون على توفير الحلول التقنية اللازمة في هذا المجال. وتم تصميم المركز كمنصة شاملة الأدوات لدعم جهود ابتكار منتجات وحلول الأمن السيبراني. وسيسهم المركز في تعزيز التعاون والعمل المشترك بين أصحاب المصلحة عبر سلسلة توريد تقنية المعلومات والاتصالات والتي تشمل الجهات التنظيمية ومنظمات الاختبار الدولية المستقلة ومؤسسات وضع المعايير، بالإضافة لعملاء هواوي وشركائها ومورديها لتحسين قدرات الأمن السيبراني بشكل شامل.
اليوم، تبرز أهمية التعاون بين الحكومات والمنظمات الدولية والشركات التقنية العالمية على توحيد معايير الأمن السيبراني أكثر من أي وقت مضى. ويؤكد الجميع على أن تكون المعايير التقنية مستقلة، وأن يتم تطبيقها بشكل متكافئ على جميع الشركات والشبكات. وفي قطاع الاتصالات - على سبيل المثال - تتعاون العديد من المؤسسات مثل الجمعية الدولية للهاتف المحمول ومشروع شراكة الجيل الثالث مع أصحاب المصلحة في القطاع التقني على تعزيز مواصفات أمن تجهيزات الشبكات والشهادات المستقلة. ولاقتْ المبادئ الأساسية قبولاً واسعاً في القطاع التقني، إذ ستؤدي دوراً مهماً في تطوير الشبكات الآمنة والتحقق منها.
وعلى الرغم من الإنجازات الكبيرة التي يتم تحقيقها في مجال ضمان الأمن السيبراني، ما زال الطريق أمامنا طويلاً ويتضمن الكثير من أطر بناء جسور التعاون والعمل المشترك الذي يبنى بالدرجة الأولى على الشفافية والثقة، إذ يعتبر ضمان الأمن السيبراني واحداً من أصعب وأعقد التحديات التي نواجهها ويحتاج لاعتماد نهج قائم على المعايير الموحدة التي تتوافق مع مصلحة كافة الأطراف ضمن القطاع التقني، لا سيما فيما يخص الحوكمة والقدرات التقنية والشهادات المستقلة والبحث والابتكار المشترك .
بعد وضع المعايير، يجب أن يتم اعتماد آلية مستقلة للتحقق الأمني. وبعد ذلك، ينبغي أن يتم الإعلان عن نتائج هذه الإجراءات لكي تتمكن المؤسسات من اتخاذ القرارات بناءً على متطلبات الأمان. كما ستعود آراء الأطراف الخارجية المستقلة وخبراء الأمن بالنفع على الجميع، حيث يمكن أن يشيروا إلى الثغرات الأمنية وأن يقترحوا إجراءات معينة لتحسين الأمن السيبراني مما يساعد الشركات التقنية على تعزيز منتجاتها من الأجهزة والبرمجيات. يجب أن نعمل معاً على بناء هذه القدرات، إذ لا يمكن لمؤسسة أن توفرها بمفردها. وينبغي أن نتعاون على توحيد الجهود وتعزيز قدراتنا الجماعية بدءاً من معايير الحوكمة وصولاً إلى آليات التحقق الأمني. وتشمل هذه القدرات مشاريع تبادل المعرفة مثل "المبادئ الأساسية للأمن" والتي أطلقتها هواوي تقريرها أثناء افتتاح مركز الشفافية العالمي للأمن السيبراني وحماية خصوصية المستخدم، بالإضافة لقاعدة معلومات الأمن السيبراني للجيل الخامس والتي أطلقتها الجمعية الدولية للهاتف المحمول. ومن خلال مشاركة المعرفة والممارسات التي نتبعها، سنسهم في تعزيز أمن الفضاء الالكتروني وضمان الأمن السيبراني لكافة القطاعات والصناعات وخدمات الافراد.
ستسهم جهود التعاون والعمل المشترك في بناء تحالفات وثيقة لتعزيز التعاون بين الحكومات ومؤسسات وضع المعايير وموردي التكنولوجيا على بناء فهم موحد لتحديات الأمن السيبراني والوفاء بمتطلباته المستقبلية. ومن خلال وضع أهداف ومسؤوليات مشتركة، يمكننا توفير بيئة رقمية يمكن الاعتماد عليها لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية. ولا شك بأن الشفافية والموضوعية والانفتاح هما العوامل الأكثر أهمية لنجاح جهود بناء نظام إيكولوجي دولي شامل ومتكامل لضمان الأمن السيبراني يرتقي لمتطلبات الحقبة الرقمية الحالية.