حمل العام 2020 في طياته تحديات وصعوبات شتّى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في كافة المجالات لا سيّما في عالم الجرائم الإكترونية. مقارنةً مع سائر المناطق، تُعتبر منطقة الخليج مقراً أساسياً للإستثمارات التجارية ولإنشاء الشركات والمؤسسات فيها مما جعلها أرضاً خصبة ونقطة جذب لتنفيذ أنشطة الجرائم الإلكترونية ضمن نطاقها.
تُمثّل دول الخليج هدفاً للمجموعات المقرصنة، فخلال السنوات الأخيرة الماضية، شهدنا زيادة في عدد الهجمات الرقمية السيبرانية التي استهدفت المؤسسات والمنظمات وشركات القطاع العام والخاص. أما الغاية خلف هذه العمليات فتعدّدت بين التجسس، الاستيلاء على البيانات الشخصية أو الإبتزاز. ومع بداية عام 2021، إرتفعت وتيرة هذه الجرائم لتؤثر بشكل مباشر على مستخدمي الإنترنت في المنطقة. وبحسب شركة أمن البيانات "فارونيس" فإن 88% من الشركات العالمية واجهت هجمات إلكترونية بينما 5% منها كانت محمية. على ضوء ذلك، تبرز أهمية سوق أمن المعلومات العالمي حيث من المتوقع أن تصل قيمته الإجمالية إلى 170.4 مليار دولار بحلول عام 2022.
تهديدات مستمرة في الخليج وازدياد نسبة الجرائم الإلكترونية
تُهدد الجرائم السيبرانية الأمن الإلكتروني في كافة أنحاء العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى، فالوسائل تعددت والأجهزة المستهدفة تنوّعت بين الهواتف المحمولة أو الكمبيوتر أو الأجهزة اللوحية وغيرها الكثير.
ترتبط الهجمات الإلكترونية إجمالاً بإرسال برمجيات خبيثة تُعطّل خوادم الإنترنت أو الجهاز الذكي، مع العلم أن نسبة هذا النوع من الجرائم إرتفعت خلال فترة إنتشار فيروس كورونا مع تزايد إستخدام الشبكات اللاسليكة والمواقع الإلكترونية. وقد كان لمنطقة الخليج الحصّة الأكبر من الهجمات المقرصنة والتحذيرات حول ذلك خير دليل. ففي فبراير 2020، كشف باحثون من "Cisco Talos" فيروساً جديداً "JhoneRAT" هدد دولاً خليجية بشكل خاص واستهدف مشاريع من منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
على الخط نفسه، حذّر خبراء في مجال الأمن السيبراني من إرتفاع عدد الهجمات الرقمية المرتقب حدوثها في دول الخليج التي تهدف إلى خربطة البنية التحتية الرقمية والتعرّض لكبار المستثمرين. ولفت مدير المرونة الرقمية والأمن السيبراني في شركة "PwC" الشرق الأوسط، سيمون فيرناشيا، الى إن الجرائم الإلكترونية ستنمو بشكل مستمر في المراكز المالية في أبوظبي والبحرين. بدورهم، كشف باحثون في شركة "كاسبرسكي" عن إستهداف مستخدمي الهواتف المحمولة لسهولة إختراقها في دول الخليج، كالسعودية والإمارات وعُمان وقطر والبحرين والكويت التي تعرضّت جميعها لنحو 282 ألف هجمة بين يناير وحتى يونيو 2020. أما الهجمات التخريبية فقُدّر عددها بـ160 ألفاً في السعودية، 70 ألفاً في الإمارات، 20 ألفاً في الكويت، 5 آلاف في البحرين و12 ألفاً في قطر.
في غضون ذلك، أشار محمد الكويتي، رئيس الأمن السيبراني في دولة الإمارات العربية، إلى زيادة الهجمات في العام 2020 بنسبة 250%.
عناصر عدة تجعل المنطقة أكثر تهديداً
عدّة عناصر تجعل من هذه المنطقة الأكثر تهديداً، أولاً مع توجّه الشركات الخليجية إلى البيئة الرقمية بامتياز وبشكل جذري لتطال التكنولوجيا كل القطاعات والمستويات الاجتماعية والحكومية والاقتصادية. كما برهنت دول الشرق الأوسط نموها الرقمي وتوسّعها في البنية التحتية الرقمية. أما العامل الثاني فيعود إلى إرتفاع عدد مستخدمي الانترنت من الشرق الأوسط إلى 41% من سكّان المنطقة في عام 2020 وزيادة الانفاق على الحلول التكنولوجية بنسبة 2.4% عن العام 2019.
هذا التقدّم أربك الدول الغربية المتصدرة في هذا القطاع بعدما شكّلت دول الخليج منافساً قوياً أمامها.
خطط دول الخليج لمنع الهجمات الإلكترونية
توجّهت الحكومات في دول الخليج إلى وضع خطط إستراتيجية وتطوير برامجها وأدائها على كافة المستويات لمواجهة التهديدات السيبرانية، حيث قامت الأخيرة بشراكات مع دول غربية لتعزيز أمنها الرقمي وأنشأت بنية تحتية دفاعية متينة للتصدي لكل أنواع الهجمات. ومن الجهود المبذولة من حكومات الخليج، تعزيز قدراتها قي القطاع التكنولوجي والتوجّه نحو تطبيق التحوّل الرقمي واعتماد الإبتكارات التكنولوجية الحديثة لزيادة المرونة ورفع مستوى قدراتها في التصدي للهجمات السيبرانية كل دولة على طريقتها الخاصة. في هذا الإطار، وفقاً لمؤشر العالمي للأمن السيبراني الذي يقيس قدرات الأمن السيبراني للدولة، حلّت السعودية، الإمارات، البحرين وسلطنة عُمان في مرتبة عالية من المؤشر.
الإمارات: نجحت من خلال خططها المعتمدة في التصدي لمختلف الهجمات الرقمية التي ازدادت مع أزمة كوفيد-19 وتنوّعت بين برمجيات خبيثة بنسبة 62%، ثغرات أمنية بنسبة 31%، التصيّد الالكتروني 7%. إلى جانب ذلك أحبطت الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات 944 ألفاً و209 هجمات إلكترونية في الامارات عام 2020. هذا وقد حذّرت الهيئة من فتح الراوبط المجهولة أو المزيّفة وإبلاغ الجهات الأمنية في حل أي مشكلة للتأكد من المصدر الرسمي. كما تعاونت الهيئة مع مزودي خدمات الاتصالات في الامارات لحظر المواقع الالكترونية الاحتيالية، إلى جانب إختبار مستوى الأمان في التطبيقات الذكية لدى المؤسسات والشركات الحكومية ونشر الوعي حول عالم الأمن السيبراني. كذلك قامت الدولة عام 2020 بإنشاء "مجلس الأمن السيبراني" الذي يضع خطّة للإستجابة إلى الهجمات السيبرانية.
السعودية: كونها الأكثر عرضة للهجمات الالكترونية، تُعد من أكبر الدول في الشرق الأوسط للأمن السيبراني، هي التي ارتفع عدد محاولات الاختراق فيها إلى 260%. هذا الواقع فرض على المملكة تكثيف إستثماراتها في أنظمة الحماية وزيادة الوعي بالأمن السيبراني. من جهتها عملت شركات الاتصالات على تفعيل دورها من خلال تجهيز فريق مختص ينشر البرامج التوعوية للشركات الأكثر عرضة.
قطر: تصدّت قطر لنحو 4 ملايين هجمة إلكترونية خلال النصف الأول من العام 2020 تنوّعت بين الهجمات على البريد الالكتروني، المواقع الالكترونية URL، والبرمجيات الخبيثة. كما إرتفع عدد الهجمات مع انتشار كوفيد-19. على الرغم من ذلك، تمكّنت المؤسسات والشركات القطرية من الاستمرار بأعمالها ومواجهة التحديات من خلال ممارسة أحدث السياسات الأمنية وتطبيق أهم البرامج الخاضعة لمعايير عالمية في الأمن السيبراني، إلى جانب تعزيز الوعي لدى الموظفين لتقديم أفضل تجربة للعملاء.
كذلك البحرين التي عملت على افتتاح مراكز لإدارة عمليات أمن المعلومات تهدف إلى حماية البنية التحتية والشبكة اللاسلكية . كما عزّزت دول مجلس التعاون الخليجي تعاونها مع الولايات المتحدة في مجال الأمن السيبراني عام 2020.
نمو سوق الأمن السيبراني في الشرق الأوسط وأفريقيا بين 2020 و2025
تُدرك العديد من الدول أهمية الانخراط بمجال التكنولوجيا والأرباح التي يمكن أن تحققها المؤسسات بمجرّد تحقيق التحوّل الرقمي. في الكويت مثلاً، بدأت الخطوات لتطوير الاقتصاد الرقمي إلى جانب سياسات على المستوى الوطني لتحقيق الأمن الإلكتروني في الحكومة والمؤسسات. كذلك حصلت المملكة العربية السعودية على تقدير البنك الدولي لجهود الدولة في تنفيذ إصلاحات الأعمال الرقمية، مثل الإيداع الإلكتروني وأنظمة الدفع الجديدة.
يتميز سوق الأمن السيبراني في الشرق الأوسط وأفريقيا بقدرة تنافسية عالية كونه يتضمّن أهم روّاد القطاع الرئيسيين. من حيث الحصّة السوقية، يهيمن عدد قليل من الروّاد والقادة الرئيسيين على السوق حالياً. يركز هؤلاء اللاعبون الرئيسيون الذين يتمتعون بحصة بارزة في السوق على توسيع قاعدة عملائهم عبر البلدان الأجنبية. وتستفيد هذه الشركات من المبادرات التعاونية الاستراتيجية لزيادة حصصها وربحها في السوق.
وقد بلغت قيمة سوق الأمن السيبراني في الشرق الأوسط وأفريقيا 7.174 مليارات دولار أميركي في عام 2019، كما من المتوقع أن يسجل معدل نمو سنوياً مركباً قدره 14.08% خلال الفترة المتوقعة 2020-2025.
تُعتبر الهجمات الالكترونية من أخطر الحروب الرقمية التي يمكن أن تواجهها الدول حالياً لما تحمله من إنتهاكات لبيانات وخصوصية للأفراد والشركات والمنظّمات. من هنا يرى الباحثون ضرورة بذل الجهود الدائمة للحفاظ على الأمن السيبراني. أما مستقبل دول الخليج فلا يزال يحمل معه معارك مع القراصنة وحروباً مع البرمجيات والثغرات الخفيّة، لتدفع منطقة الشرق الأوسط بذلك ثمن الآثار السلبية للعالم التكنولوجي.