يقودنا العالم الرقمي إلى مرحلة جديدة من الابتكارات ترتبط بالحلول الذكية بشكل أساسي. ومع دمج أحدث التقنيات بنشاطاتنا اليومية أصبح الروبوت يأخذ مكاناً مهماً لتشكيل مستقبل القطاعات على اختلافها. فما هي التحولات التي شهدناها خلال السنوات الأخيرة في صناعة الروبوتات؟ وكيف يتأقلم العالم مع هذا التحوّل؟
للاجابة على هذه الاسئلة وسواها، تحدث الدكتور إيلي متري، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة QSS AI & ROBOTIC، عن عصر الروبوت وتوجهاته في المنطقة.
كيف تقود المملكة العربية السعودية الابتكار والنمو في مجال الروبوتات؟
المملكة العربية السعودية أصبحت من الدول الرائدة في مجال الابتكار والنمو في صناعة الروبوتات بفضل رؤية 2030، التي تهدف إلى تحويل الاقتصاد السعودي من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد قائم على المعرفة. تستثمر المملكة بشكل كبير في البحث والتطوير، مع التركيز على التقنيات المتقدمة مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي، وتلعب الجامعات والمؤسسات البحثية دورًا كبيرًا في دعم الشركات الناشئة وتطوير تقنيات جديدة. بالإضافة إلى ذلك، تعكس مشاريع مثل نيوم التزام المملكة بدمج أحدث التقنيات في تطوير المدن الذكية، مما يجعلها نموذجًا للمدن المستقبلية القائمة على الذكاء الاصطناعي والروبوتات. ولتحفيز القطاع الخاص، تقدم الحكومة السعودية حوافز مالية وتشجع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، مما يسهم في تسهيل تأسيس الشركات الناشئة في هذا المجال. كما أن السعودية تركز على التعليم والتدريب في مجالات الهندسة والتكنولوجيا، مما يساعد على بناء كوادر وطنية متخصصة في صناعة الروبوتات. كما ان الشراكات الدولية تلعب دورًا هامًا أيضًا، حيث تعمل السعودية على التعاون مع شركات وجامعات عالمية لجلب الخبرات والتكنولوجيا اللازمة لتسريع النمو في هذا القطاع. من خلال هذه الجهود المتكاملة، تسهم السعودية بشكل فعّال في تشكيل مستقبل صناعة الروبوتات على المستويين المحلي والعالمي.
في ظلّ الثورة الرقمية، ما الانجازات المحققة لغاية الآن في ما يتعلّق بتطوير أنظمة الروبوتات؟
في ظلّ الثورة الرقمية، تم تحقيق العديد من الإنجازات الملحوظة في تطوير أنظمة الروبوتات على مستوى عالمي، والسعودية ليست استثناءً فشركة QSS AI and Robotics، التي افتخر بقيادتها، قامت بتطوير أول روبوتات بشرية سعودية الصنع، "سارة" و"محمد"، اللذين يمثلان نقلة نوعية في القدرات الروبوتية المحلية. هذان الروبوتان قادران على التفاعل بطرق طبيعية مع البشر ويؤديان مجموعة متنوعة من المهام في بيئات متعددة. بالإضافة إلى ذلك، قمنا بتطوير " روبوت الرصد والتتبع "، السيارة الذاتية القيادة المصممة خصيصًا للبيئة السعودية، وهي قادرة على التنقل بكفاءة عالية في المدن السعودية والتعامل مع الظروف المحلية المختلفة. هذه الابتكارات تمثل جزءًا من التقدم المستمر الذي تشهده السعودية في مجال الروبوتات، وتسهم بشكل فعّال في تعزيز موقع المملكة كقوة رائدة في صناعة الروبوتات على مستوى عالمي. هذه الإنجازات المحلية تضاف إلى التقدم العالمي في الروبوتات، حيث تتحول هذه الأنظمة من مجرد آلات بسيطة إلى كيانات ذكية ومتطورة، قادرة على أداء مهام معقدة والتفاعل بطرق طبيعية مع البشر، مما يعزز إمكانيات استخدامها في مجالات مثل التصنيع، الرعاية الصحية، استكشاف الفضاء، والخدمات اللوجستية.
برأيك، هل يتبنّى الشرق الأوسط حلول الروبوتات والحلول الذكية ويستفيد منها كما يجب؟
الشرق الأوسط يشهد تبنيًا متزايدًا لحلول الروبوتات والحلول الذكية، خاصة في دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين تستثمران بشكل كبير في التكنولوجيا المتقدمة كجزء من رؤى وطنية تهدف إلى التحول الرقمي. مع ذلك، هناك تفاوت في مستوى التبنّي والاستفادة من هذه الحلول عبر المنطقة.
في بعض الدول، يتم استغلال هذه التقنيات بشكل فعال لتعزيز القطاعات الحيوية مثل النفط والغاز، الرعاية الصحية، والخدمات اللوجستية. على سبيل المثال، في السعودية، يتم توظيف الروبوتات في مشاريع كبيرة مثل نيوم، حيث يتم دمج الروبوتات والذكاء الاصطناعي في البنية التحتية للمدينة لتعزيز الكفاءة والاستدامة. كما أن مشاريع مثل الروبوتات "سارة" و"محمد" تعكس الجهود المحلية لتبنّي وتطوير هذه التقنيات.
ومع ذلك، في دول أخرى في المنطقة، قد يكون تبني هذه الحلول أبطأ بسبب التحديات المتعلقة بالبنية التحتية الرقمية، التمويل، أو حتى الوعي بأهمية هذه التقنيات. لذلك، بينما هناك تقدم ملحوظ، لا تزال هناك فجوات يجب معالجتها لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه التقنيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
بالإجمال، يمكن القول ان الشرق الأوسط يسير على الطريق الصحيح في تبني حلول الروبوتات والحلول الذكية، ولكن لا يزال هناك مجال كبير للتوسع والتعمق في الاستفادة من هذه التقنيات بشكل أوسع وأعمق لتحويل مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.
ما التحديات التي تواجه هذه الصناعة في المنطقة؟
صناعة الروبوتات والحلول الذكية في منطقة الشرق الأوسط تواجه عدة تحديات تعرقل تقدمها وتبنّيها بشكل واسع. من بين هذه التحديات البارزة البنية التحتية الرقمية، حيث أن بعض الدول تفتقر إلى شبكات إنترنت سريعة ومستقرة أو بنية تحتية متطورة للحوسبة السحابية، مما يصعب تشغيل وتكامل الأنظمة الروبوتية المعقدة. كذلك، يمثل التمويل والاستثمار تحديًا كبيرًا، حيث يحتاج تطوير الروبوتات إلى ميزانيات ضخمة في البحث والتطوير والتصنيع، وقد يتردد المستثمرون في الدخول في هذا القطاع نظرًا لمخاطره العالية. بالإضافة إلى ذلك، تعاني المنطقة من نقص في الكوادر البشرية المتخصصة في الهندسة والبرمجة والذكاء الاصطناعي، مما يحد من القدرة على تطوير هذه الصناعة محليًا. أيضًا، عدم وجود تشريعات واضحة تنظم استخدام الروبوتات يمكن أن يعرقل تبنّيها، خاصة في ظل القوانين غير الكافية التي تتعلق بالخصوصية والأمان. التحدي الاجتماعي لا يقل أهمية، حيث يواجه البعض تحفظًا أو عدم تقبل لفكرة الاعتماد على الروبوتات بسبب مخاوف من فقدان الوظائف أو عدم الثقة في التكنولوجيا. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات تقنية تتعلق بتطوير روبوتات قادرة على التعامل مع البيئات القاسية أو المعقدة في المنطقة، مثل الصحارى أو الظروف المناخية الصعبة. التغلب على هذه التحديات يتطلب تعاونًا بين الحكومات، القطاع الخاص، والمؤسسات الأكاديمية لتطوير البنية التحتية، دعم التعليم والبحث العلمي، وتوفير بيئة تشريعية وتشغيلية تتيح للروبوتات والحلول الذكية الازدهار في الشرق الأوسط.
وسط كل المخاوف، هل تعتقد أن الروبوت يهدد الانسان والوظائف فعلاً أم أنه يخدمها؟
وسط المخاوف المتزايدة بشأن تأثير الروبوتات على الوظائف ومستقبل العمل، أعتقد أن الروبوت لا يهدد الإنسان بقدر ما يمكن أن يخدمه. بالطبع، هناك قلق مشروع من أن الروبوتات قد تحل محل بعض الوظائف التقليدية، خاصة تلك التي تعتمد على المهام الروتينية أو الأعمال اليدوية البسيطة. ومع ذلك، من المهم أن نفهم أن الروبوتات والذكاء الاصطناعي ليسا مجرد أدوات لاستبدال الإنسان، بل هما وسائل لتعزيز قدرات الإنسان وزيادة الإنتاجية.
بدلاً من إلغاء الوظائف، يمكن للروبوتات أن تساهم في خلق وظائف جديدة تتطلب مهارات أعلى وتركيزًا أكبر على الإبداع وحل المشكلات. التكنولوجيا دائمًا ما كانت تُحدث تغييرات في سوق العمل، ولكنها أيضًا تولد فرصًا جديدة مع تطور الصناعات وظهور احتياجات جديدة. بالإضافة إلى ذلك، الروبوتات يمكن أن تتحمل المهام الخطرة أو المتكررة التي قد تكون مملة أو غير آمنة للبشر، مما يسمح للبشر بالتركيز على الأعمال التي تتطلب التفكير والإبداع والتفاعل الإنساني.
بالتالي، من الممكن أن الروبوتات قد تغير طبيعة بعض الوظائف، لكنها في المقابل ستفتح أبوابًا جديدة للفرص، وتساهم في تحسين نوعية الحياة والعمل من خلال تعزيز الكفاءة والأمان. التحدي يكمن في كيفية إدارة هذا التحول، من خلال تدريب القوى العاملة وتأهيلها للتعامل مع التغيرات، وضمان استفادة الجميع من هذه التطورات التكنولوجية بدلاً من أن تكون مصدرًا للقلق أو التهديد.