في مقابلة حصرية مع تيليكوم ريفيو، تحدّث الرئيس التنفيذي ومدير عام هيئة أوجيرو، عماد كريدية عن التحديات التي تواجه قطاع الاتصالات، تداعيات انخفاض قيمة العملة ودور شبكات الجيل الخامس وتأثيرها على مشهد قطاع الاتصالات في لبنان، بالاضافة إلى سلسلة من المواضيع.
ما التحديات التي واجهتها أوجيرو من ناحية توفير خدمات الإنترنت والهاتف، وكيف عالجتم الوضع الصعب الذي يمر به القطاع؟
يكمن التحدي الأكبر الذي نواجهه حالياً بإمكانية توفير امدادات الطاقة. في الواقع، منذ أن توقفت مؤسسة كهرباء لبنان عن تقديم الخدمة على مدار الساعة، شهدنا مشكلة بانقطاع التيّار بسبب نقص الوقود. ونتيجة لذلك، اضطررنا للاعتماد على مواردنا وتمويلنا الخاص لدعم نقاط تبادل الإنترنت ومواصلة تقديم الخدمات للمواطنين اللبنانيين. فعلياً كان ذلك التحدي الأبرز الذي واجهناه. من المهم أن نلاحظ أن شبكتنا الأساسية وتقنياتنا الخاصة تعمل بشكل جيد جداً؛ حدثت الانقطاعات أولاً في النقاط التي كان لا بد من إغلاق نقاط التبادل فيها بسبب مشاكل في الطاقة.
مع تراجع قيمة العملة اللبنانية، كيف تأثر قطاع الاتصالات، وما هي الاستراتيجيات التي تم اعتمادها للحدّ من تداعيات الأزمة؟
لا تؤثر هذه المشكلة على أوجيرو فحسب، بل تمتد إلى معظم القطاع العام. في حين تمكّنت كيانات القطاع العام الأخرى مثل مؤسسة كهرباء لبنان وغيرها من الخدمات العامة من تسعير خدماتها وتلقي المدفوعات بالدولار، لسوء الحظ، لا تزال فواتيرنا بالليرة اللبنانية. ما زلنا نستخدم سعر صرف الليرة26 ألفاً للدولار الأميركي، وهو مبلغ غير كافٍ لتغطية تكاليف تشغيل أوجيرو. لا يمكن الاستمرار بهذا الوضع، لا سيّما في ظل التقلب المستمر المتوقع للعملات الأجنبية في السوق، والذي من المرجح أن يؤدي إلى مزيد من انخفاض في قيمة الليرة اللبنانية.
نتوقع في المستقبل القريب العودة إلى المربع الأول في ما يتعلق بأزمة انخفاض قيمة العملة. للأسف، يبدو أنه ليس لدينا خيار سوى النظر في إصدار الفواتير بالدولار، أو على الأقل بالليرة اللبنانية وفقاً لمنصة سعر الصرف التي يخطط مصرف لبنان لتنفيذها.
هل لديكم أي خطط للمدى البعيد لضمان استمرار أوجيرو في تقديم خدمات مستقرة؟
في ظلّ هذا الوضع، فقدت البلاد قدرتها على التخطيط السليم. في الواقع، أدّت الأزمة السياسية والماليّة إلى تعطيل كل الامكانات لاستكمال خريطة الحلول التكنولوجية لعام 2017. توقف مشروع الألياف الضوئية بشكل مفاجئ، وتم إنجاز نصف شبكة النقل البصري (OTN) بالإضافة إلى العديد من المشاريع المهمة. تلاشت العمليات التشغيلية لتحسين القطاع، ودخلت أوجيرو في صراع للبقاء. ومع ذلك، فقد وضعنا خطة لتخفيف الضغط خلال عام 2024 من خلال استعادة السيطرة على مشكلة الطاقة وبالتالي تحسين إدارة التدفق النقدي لدينا. ستعتمد أوجيرو على التمويل الحكومي الطارئ والحصة المخصصة من تبرعات النفط العراقي والهبة الصينية بمعدات الطاقة الشمسية.
ماذا عن تفاصيل الهبة الصينية لمشروع الطاقة الشمسية وكيف تخطط أوجيرو للتحول إلى الطاقة المتجددة؟
في العام 2017، اقترحت تحويل أوجيرو إلى الطاقة الخضراء، إنما لم يكن ذلك من الأولويات في حينها. أتمنى لو أن وزارة الاتصالات تبنّت الفكرة في وقت سابق لتفادي الوصول إلى الوضع الحالي. تفتقر أوجيرو إلى القدرة المالية اللازمة لهذا المشروع، لذلك طلبنا المساعدة من مجلس الإنماء والإعمار، وحصلنا على تبرع من الحكومة الصينية لتزويد 358 موقعًا بالطاقة الشمسية، بخاصة في المناطق الريفية. إن تقدم التبرعات واعد، بالتوازي مع عملية المناقصة في الصين. ومع ذلك، نتوقع وصول المعدات ونشرها بحلول صيف عام 2024.
إن قرار الانتقال إلى الطاقة البديلة يوفر لأوجيرو مزايا عدّة، أبرزها خفض التكاليف بنسبة كبيرة، بما في ذلك خفض نفقات الوقود بمبلغ 10 ملايين دولار سنويًا، حيث نقوم بتوليد 23 ميغاوات من الطاقة يوميًا. ستعمل الألواح الشمسية والطاقة الشمسية على خفض بصمتنا الكربونية، وخفض تكاليف العمليات التشغيلية، وضمان استدامة الخدمة، والحفاظ على الاتصال وتعزيز الأرباح من خلال تخفيف قيود التدفق النقدي.
برأيكم، ما أهمية قطاع الاتصالات في لبنان، وما الخطط المستقبلية المطروحة لبناء قطاع مستدام مع الأخذ بالاعتبار سائر القطاعات؟
يتمتع لبنان بتاريخٍ حافلٍ في مجال الاتصالات والخدمات الرائدة في الشرق الأوسط. ومن الضروري أن نتذكر أننا كنّا أوّل دولة في المنطقة تطلق عمليات GSM، ولم نكن روادًا في هذا المجال فحسب، بل ساهمنا أيضًا بهذا النمو من خلال توفير القدرات البشرية والخبرة المطلوبة التي ساعدت في تطوير قطاع الاتصالات في سائر دول الشرق الأوسط. يبقى لبنان مصدراً حيوياً للمعرفة والخبرة في قطاع الاتصالات، وهذه إحدى نقاط قوتنا الرئيسية.
نظراً للمرحلة المستقبلية، ليس لدي أدنى شك في تعافي قطاع الاتصالات، إذا انخرط صنّاع القرار في وزارة الاتصالات بشكل أكبر في التخطيط الاستراتيجي على المدى المتوسط والمدى الطويل. يجب على مجلس الوزراء أن يُنفّذ تطبيق قانون الاتصالات رقم 431 بشكل عاجل. يمتلك لبنان جميع المقوّمات ليس فقط للتعافي من الأزمة بل للتفوق، كل ما نحتاجه هو رؤية مع خطة واضحة.
كيف ترى مستقبل التحول الرقمي وتكنولوجيا الجيل الخامس في لبنان؟
في لبنان، بدأت محاولات عدّة لتطبيق التحول الرقمي في الخدمات العامة. وتوصّل مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، بمساعدة الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، إلى وضع استراتيجية وخريطة طريق. لسوء الحظ، أدّت الأزمات التي اندلعت منذ أكتوبر 2019 إلى جانب الأزمة السياسية والانهيار المالي إلى عرقلة عملية إطلاق هذه الاستراتيجية. ويبقى السبب الحقيقي خلف فشل تبني الإستراتيجية هو عدم التزام مختلف الحكومات بالمشروع.
ويتجلى هذا النقص في الالتزام بوضوح بتردّد مختلف الوزارات في تعاونها مع مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية في ما يتعلق بإطلاق المبادرة ورغبتها العميقة في الحفاظ على ما يسمى بالاستقلالية في إدارة الجانب التكنولوجي وكذلك حماية بياناتها. المطلوب اليوم من الحكومة اللبنانية تفويض واضح لوزارة و/أو هيئة حكومية مخوّلة لقيادة تنفيذ الإستراتيجية.
كانت شركة Ogero Telecom سباقة في بناء العديد من مراكز البيانات بالإضافة إلى السحابة العامة، حيث تستقبل البيانات وتتيح الاتصال عالي السرعة للاعبين في السوق. والحقيقة هي أن أوجيرو تستضيف الكمبيوتر العملاق CERN بالإضافة إلى منصة "IMPACT". ما أريد أن ألفت إليه هنا هو أنه لدينا بنية تحتية قوية لتمكين التحول الرقمي في البلاد، فلا يتطلب الأمر سوى التمسّك بالإرادة والتخطيط للمضي قدمًا.
وبفضل قدراتها على استقبال البيانات، أصبحت أوجيرو مركزاً أساسياً للتحول الرقمي في لبنان. ولتحقيق التحوّل الفعّال، يجب تحديد مسؤوليات واضحة، تبدأ من قبل الحكومة، مما يتطلب التعاون بين الوزارات لتكثيف الجهود نحو التحول الرقمي.
في ما يتعلق بنشر الجيل الخامس، أعتقد أن غياب حالات الاستخدام الملموسة (المدن الذكية والصناعات الآلية وما إلى ذلك) لا يبرر النشر التجاري والمجدي اقتصاديًا لتقنية الجيل الخامس. لو كنت على رأس مشغلي الاتصالات اللاسلكية، كنت سأعمل على زيادة انتشار تقنية LTE-a، وتقليل تكلفة تشغيل شبكات الجيل الثالث وزيادة العروض الرقمية في الوقت الحالي.
لطالما رفضنا في أوجيرو إعتماد "الرفض" كإجابة. وسعينا دائمًا للمضي قدماً والتحلي بالمرونة. منذ عام 2019، مثّلنا القوة الفاعلة في لبنان، وكان هذا التصميم حاسماً في الحفاظ على القطاع. ونحن حريصون على مواصلة التقدّم وتعزيز البنية التحتية في لبنان، ونأمل أن نحصل على دعم صناع القرار لتحقيق المزيد من الانجازات في المستقبل.