في ظلّ تداعيات أزمة غير مسبوقة تهدد الاقتصاد العالمي والقطاعات، كانت شركات الاتصالات في صلب المواجهة لتأمين إستمراريتها اللوجستية والخدماتية تزامناً مع إنتشار كوفيد-19. وفي وقت يتواجد فيه ملايين العملاء في منازلهم، إرتفع الطلب على وسائل الاتصال والتواصل مما تطلّب تحديث البنية التحتية الرقمية وإغناء باقات الخدمات المتوفرة.
لم يكن من السهل على شركات الاتصالات، المزودين والمشغلين، التكيّف سريعاً مع التحولات التي أحدثها الوباء. في هذا السياق، تُظهر أبحاث EY تغيير نظرة العملاء لشركات الاتصالات التي أثبتت مكانتها حيث تعاملت مع الأزمة بذكاء وتمكّنت من تقديم خدماتها وإحياء البنية التحتية عند الحاجة. وقد تُرجمت هذه الردود بارتفاع أسهم قطاع الاتصالات بالإجمال في حين كانت شركات أخرى تعاني بشدّة. من أهم العوامل التي أدت إلى ذلك، توفّر نماذج الأعمال القائمة على الخدمات الأساسية، إلى جانب تعديل الخطط المعتمدة سريعة الاستجابة لزيادة الاستخدام.
أداء الشركات والمنصات الالكترونية خلال فترة الجائحة
يرتبط نجاح أو فشل أي قطاع بمدى رضى العملاء على الخدمات المقدمة أو عدمها. أما عام 2020 فشكّل نقطة محورية لكل من المنصات الالكترونية، شركات الاتصالات من مزودين ومشغلين بالاضافة إلى دور الأجهزة التكنولوجية. وفي هذا الاطار، أجرت شركة EY إستبياناً عن أداء كل الجهات المذكورة سابقاً في أزمة كورونا وتحديداً خلال شهر مارس 2020 في المملكة المتحدة حيث جاءت الآراء على الشكل التالي:
75% من المشاركين في المملكة المتحدة وجدوا أن أداء مقدمي النطاق العريض كان جيداً بينما 7% منهم وجدوا العكس. 73% اعتبروا أن خدمات مزودي الهاتف المحمول كانت جيدة في ظل أزمة كورونا فيما 5% فقط اعتبروا أن الخدمة المقدمة كانت سيئة. أما عن أداء منصات مواقع التواصل الاجتماعي، 55% من المملكة المتحدة أشاروا الى أن أداء هذه المنصات كان جيداً بينما 28% كان رأيهم العكس.
والسؤال نفسه تم طرحه لمشاركين في الاستبيان في الولايات المتحدة لكن للفترة المحددة في شهر أبريل 2020. 66% من الذين شاركوا في الولايات المتحدة وجدوا أن خدمات مزودي الهاتف المحمول تمتعت بأداء جيد و3% فقط هم من اعتبروا العكس. فيما 53% اعتبروا أن أداء منصات مواقع التواصل الاجتماعي كان جيداً خلال فترة الوباء وتحديداً شهر أبريل 2020 بينما 8% وجدوا الأداء سيئاً. أما عن أداء مقدمي النطاق العريض، 64% اعتبروه أداء جيد و5% اعتبروا أن الأداء كان سيئاً في ظل الوباء.
المستقبل الرقمي ما بعد الجائحة
ينظر رواد قطاع الاتصالات والمدراء التنفيذيون في هذه الشركات إلى كوفيد-19 على أنه أكثر من مجرد فيروس غيّر ملامح العالم أجمع. فالهدف الاساس اليوم هو التحضير للمرحلة المقبلة والواقع الجديد الذي تواجد ليبقى. ولتطبيق هذه الرؤية، تسعى شركات الاتصالات إلى تحديث إستراتيجية أعمالها والاستفادة من المنحى الايجابي لهذه الأزمة، فما ينتظره المستخدم من المزود أو المشغّل لن يكون لفترة مؤقتة بل يمكننا التحدّث عن تغيير جذري سيدوم إلى ما بعد كورونا حتى.
على ضوء ذلك، سارع المشغلون إلى جذب المستهلكين من خلال تعديل أسعار الخدمات المقدمة وإزالة حدود البيانات، وعدم تصنيف بعض الخدمات، إلى جانب تقديم إعفاءات من الدفع أو إجازات. كما تم دعم هذه التحركات الاستباقية بنصائح عملية حول كيفية تعظيم أداء الشبكة في المنزل، وهو أمر بالغ الأهمية خصوصاً بعد إرتفاع عدد الأشخاص في المنازل حيث يعملون ويتعلّمون عن بُعد. وفي هذا السياق، أظهرت أبحاث EY للأسر في الولايات المتحدة أن 62% راضون عن تعديلات حزم مقدمي الخدمات خلال الأزمة، بينما فقط 6% من المستجيبين غير راضين.
واقع قطاع الاتصالات محلياً وعالمياً في عام 2021
مع اعتماد أغلب الشركات على الخدمات والحلول الرقمية، يسعى مشغلو الشبكات إلى تأمين المرونة والسلاسة في التقنيات التكنولوجية المتوفرة إلى جانب إصرارهم والتركيز على سبل الاستمرارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
في هذا الاطار، يشير إيهاب كناري، نائب رئيس قطاع الأعمال لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في كومسكوب أننا سنشهد على تأقلم الشركات مع بيئة إقتصادية مختلفة تماماً إن كان لعام 2021 او ما بعده. ولفت إلى الاعتماد السريع للتحول الرقمي، ففي بعض الحالات التي كان يُفترض أن يستغرق تنفيذها خلال مدة 10 سنوات نفذت في غضون أشهر قليلة.
ووفقاً للتطلعات المستقبلية، سيحمل عام 2021 تغييرات ملحوظة إن كان في حياتنا اليومية أو العملية لا سيّما وأن العالم بدأ يتكيّف مع هذه التحولات التي سنرافقنا في المستقبل.
5 اتجاهات محتملة مؤثرة على واقع الشبكات فما هي؟
بحسب التقارير، من المرجّح أن ينمو سوق مراكز البيانات في منطقة الشرق الأوسط بمعدل نمو سنوي مركب بمقدار 3% وسيصل إلى ما قيمته 3.7 مليارات دولار بحلول عام 2025. ومع تمدد أزمة كورونا، تتجه الشركات الصغيرة إلى اعتماد السحابة بشكل أكبر. كما أن ارتفاع معدلات التسوق الالكتروني في العالم أدى الى زيادة في حركة البيانات بشكل غير مسبوق.
أما الاتجاه الثاني فهو بالاستمرار في اعتماد خدمات شبكات الجيل الخامس إلى جانب الطيف الترددي. يعتبر الخبراء أن شبكة الجيل الخامس وشبكات الطيف الترددي تحسّن وتسرّع الاتصال بين الأفراد لبناء مستقبل متصل أكثر. وقد خصص العديد من مشغلي الشبكات الطيف الترددي من النوع C-band لشبكاتهم في كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر وسلطنة عُمان، ودولة جنوب أفريقيا.
ومع الالتزام بالعمل والتعلم عن بُعد، من المتوقع أن تزداد أهمية الشبكات اللاسلكية في المكاتب والمدارس أو الجامعات إنطلاقاً من العام 2021 وما بعده. هذا الأمر سيؤدي إلى زيادة التعقيدات في الشبكات والمشاكل التقنية المحتملة، فيبقى على مؤسسات التكنولوجيا أن تستعد للهجمات المرتقبة.
وفيما أثرت الجائحة على كل نواحي الأعمال، إلا أنها سببت زيادة في حركة مرور البيانات في شبكات النطاق العريض العالمية، حيث ارتفع متوسط النطاق الترددي لسرعات التحميل ليصل في ساعة الذروة إلى 25% خلال شهر.
أما الاتجاه الأخير فيعود إلى زيادة أعداد الأجهزة المتصلة في المنازل مما أظهر أهمية الاتصال بالانترنت المنزلي والشبكات اللاسلكية التي أصبحت حاجة أساسية في ظل الجائحة.
تعليقاً على ذلك، يقول فيمي أوشيغا، نائب رئيس مقدمي الخدمات في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لدى كومسكوب ستزدهر صناعات الاتصالات السلكية واللاسلكية خلال عام 2021، لتوفر الخدمات الرقمية بجودة عالية إلى الجميع. هذا إلى جانب وصول عدد كبير من الأجهزة والهواتف الذكية الداعمة للجيل الخامس. هذه التحولات تتطلب من المشغلين البحث عن كيفية زيادة السرعات فمنهم من سيطمح إلى الوصول لسرعة 10 جيغابايت في الثانية لنقل البيانات وذلك يتحقق بالاعتماد على الشبكات الضوئية.
التغيير واضح، والانتقال إلى الواقع الجديد هو المسار الوحيد أمام أي شركة أو مؤسسة أو قطاع يريد الاستمرارية والتأقلم. فالتحولات التي شهدناها لم تتواجد لتزول بعد فترة الجائحة، بل ستتطوّر إلى ما هو أبعد من ذلك، تأكيداً على أن الاتصال والتواصل هما شريان الحياة لكل ما يحيطنا.