يتأثر المستخدمون بزيادة الحلول الرقمية المطروحة على المستويات كافة كما هي الحال في أنظمة المصانع والشركات. ومع اختبار التحولات بشكل ملموس تثير التقنيات الحديثة ضجّة في الأسواق المحلية وحول العالم لما لها من انعكاسات على المدى القريب.
بين التحذير من عصر التكنولوجيا والدفاع عنه، يدخل العالم مرحلة جديدة بتوجهات واعدة تعتمد بشكل أساس على الأتمتة والرقمنة والسرعة والذكاء. هنا تواصل خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مسارها التصاعدي لتأخذ القسم الأكبر من الاستثمارات. ومن المتوقع أن يتجاوز الانفاق على تكنولوجيا المعلومات للمرة الأولى الانفاق على خدمات الاتصالات لهذا العام. فكيف يستوعب المجتمع هذا النمو مدفوعاً بموجة من التغييرات المستمرة وكيف يتأقلم المستخدمون مع الواقع الجديد؟
إرتفاع ملحوظ تسجّله خدمات التكنولوجيا
ينمو الانفاق على التقنيات التكنولوجية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ليبلغ 5 تريليون دولار خلال العام الجاري أي بزيادة 6.8% مقارنةً بالعام الماضي. فرغم التحذيرات من هيمنة التكنولوجيا على حياتنا لم يتراجع رجال الأعمال عن الاستثمار في هذا المجال لأسباب مرتبطة بالاستراتيجية الجديدة أولاً والرؤية المستقبلية ثانياً.
مع دخولنا عام 2024، ستشكّل خدمات تكنولوجيا المعلومات القسم الأكبر من الانفاق بزيادة نسبتها 8.7% أي ما يعادل 1.5 تريليون دولار. تتجزّأ خدمات التكنولوجيا بين خدمات الاتصالات التي يصل الانفاق عليها 2.6% تليها الأجهزة الالكترونية مع نمو 4.5%، ثم خدمات تكنولوجيا المعلومات مع نمو 8.7%، إلى جانب أنظمة مراكز البيانات التي تأخذ حصة من الانفاقات حول العالم مع نمو 7.5% وكذلك الانفاق على البرمجيات بنمو 12.7%.
تواصل التحولات السريعة في الأسواق تأثيرها المباشر على نسبة الانفاق الاستهلاكي مع الأخذ بالاعتبار الأزمات الاقتصادية. فبعد الركود المالي الذي شهده العالم في عام 2023، تعود الأسواق إلى طبيعتها مع تحسّن بنسبة الأرباح ومستوى الايرادات مما دفع المعنيين لاطلاق المبادرات الهادفة إلى تطوير القطاع والارتقاء بخدمات التكنولوجيا.
دول النفط تتصدر مجال التقنية والمعلومات
على مدار سنوات طوال، حققت دول الخليج أرباحاً من الثروة النفطية، إلا أن الثورة الصناعية الرابعة دفعتها إلى تركيز انفاقها المالي على خدمات التقنية والتكنولوجيا الذي من المتوقع أن يزيد من 16.5 مليار دولار إلى 20 مليار دولار خلال العام الجاري إلى جانب تعزيز البحث والتطوير. تأتي هذه الخطوة توازياً مع طرح عدد هائل من المشاريع الناشئة وأهداف قائمة على الصناعات الرقمية.
تلعب حكومات المنطقة دورها في دعم قطاع الاتصالات والتكنولوجيا والتقنية مع ارتفاع عدد مستخدمي الانترنت في الخليج وانتشار الانترنت على نطاق أوسع حيث تعد المملكة العربية السعودية من أكبر الأسواق في هذا المجال على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ وتهدف المملكة إلى جذب أضخم الاستثمارات الأجنبية وتعزيز مكانتها الرائدة بما يفوق التوقعات. وفقاً لتقرير وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، سيصل اجمالي متوسط الانفاق العام على تقنية المعلومات في المملكة إلى 42.6 مليار دولار بحلول عام 2025.
وأثبتت الامارات العربية المتحدة مكانتها أيضاً في هذا المجال مع ضخ استثمارات طائلة في التكنولوجيا والتقنية لدعم العمليات التشغيلية وتحسين تجربة المستخدمين. فخلال عام 2023، وصل انفاق الدولة على تكنولوجيا المعلومات إلى 12.6 مليار دولار مع تأكيد كل القطاعات حرصها على تطوير أنظمتها العملية وبرمجياتها المعتمدة بما يتوافق مع استراتيجية التحول الرقمي الذي يتنامى الانفاق عليه في المنطقة مع نمو سنوي مركّب سيصل قدره إلى نحو 74 مليار دولار بحلول عام 2026.
بدورها، تدخل قطر ضمن قائمة الدول الخليجية الأكثر اهتماماً بخدمات تكنولوجيا المعلومات مع توقع نمو الانفاق فيها على تقنية المعلومات ليبلغ 9 مليارات دولار. وفي اطار الأعمال الهادفة إلى تطوير الخدمات الرقمية، تتبنى المؤسسات القطرية نهجاً منفرداً للارتقاء في مجالات التحول الرقمي والقدرة على مقاومة التحديات الممكنة ان كانت اقتصادية أو تقنية. من هذا المنطلق، تشير التقارير إلى رغبة المؤسسات في قطر الاستثمار أكثر في مجال التنمية التقنية وتطوير التكنولوجيا لما يصل إلى معدل 60.3 مليار دولار بحلول عام 2026.
بالاضافة إلى دمج الروبوتات في المصانع واستخدام التطبيقات الرقمية لانجاز الأعمال ودعم التقنيات اللاتلامسية عن بُعد، يفتح الواقع الرقمي فرصاً جديدة للمهارات الشابة تُقدّر قيمتها بنحو خمسة مليارات دولار. وبين التحول والنمو، لا بدّ من التركيز على شبكات الاتصالات والبنية التحتية الرقمية التي من المتوقع أن يستثمر الخليج بها بشكل أكبر مع زيادة الانفاق على الألياف الضوئية وشبكات الجيل الخامس.
وتأكيداً على أهمية التكنولوجيا ومواكبةً للعصر الرقمي، يشير الخبراء إلى دور شبكة الجيل الخامس التي تضيف على الناتج المحلي نحو 8% من الأرباح.
هل المنطقة مستعدة لهذا التحول؟
سؤال يُطرح مع تنشيط أعمالنا على شبكة الانترنت حيث يطرح هذا المجال تحديات كبيرة على مستوى القدرات المالية والتنفيذية والتشغيلية. على ضوء ذلك، تحرص الحكومات المعنية على تقديم التسهيلات الممكنة بما يخدم عصر التكنولوجيا.
فبين نمط العمل التقليدي من جهة والحداثة الرقمية من جهة أخرى، تصارع المجتمعات بيئتين مختلفتين. هنا تبحث الصناعات في القطاعين العام والخاص عن كيفية تحقيق التوازن بين سرعة التطور والتقدّم وامكانية تحقيق التغييرات المطلوبة.
بناءً على المؤشرات التنموية، يؤكد الخبراء ترابط التطوّر التكنولوجي بالعقلية البشرية التي تغيّرت بعد الثورة الصناعية الرابعة. انطلاقاً من ذلك، تتعمّق الدول بخطواتها لسدّ الفجوة الرقمية من خلال: رفع مستوى التعليم، دعم المهارات الرقمية ورفع الابتكارات في السوق، الاستثمار في التكنولوجيا واعتماد الحلول الذكية في خدمات الرعاية الصحية والتجارة والنقل والصناعة.
نظراً إلى سرعة العصر الرقمي، كل تطوّر تكنولوجي هو بمثابة تحدٍ فعلي للشركات والصناعات كافة للاستجابة إلى الحلول الجديدة وامكانية التوسّع في نماذج الرقمنة والسحابة والأتمتة مع ضمان الأمن والخصوصية والتنوع والاستدامة في آن.