تثير الكابلات البحرية اهتمام دول العالم بالعموم حيث تتحمل هذه الأخيرة مسؤولية نقل نحو 97% من البيانات والاتصالات عالمياً. تتمتع الكابلات البحرية بمميّزات جمّة أبرزها القدرة على نقل 1.5 تيرابايت من البيانات خلال ثانية واحدة كما أنها تتكوّن من معادن متينة تضمن لها العمر الطويل في أعماق البحار.
يصل عدد الكابلات البحرية الممتدة في مختلف بحار العالم إلى 358 كابل ويبلغ اجمالي طولها 545 ألف ميل تقريباً بعمق ثمانية آلاف قدم تحت سطح الماء. يتم تثبيت هذه الكابلات بواسطة فرق خاصة وسفن تعمل على تحديد المواقع الأنسب من خلال الأقمار الصناعية. رغم أن غالبيتنا لا يعلم أهميتها، تعتبر الكابلات البحرية القوة الخفية لسرعة الانترنت وجودة الاتصالات في يومنا هذا مع تمويل عمالقة التكنولوجيا لها.
ونظراً لتكوينها المتين، تتمتع الكابلات البحرية بثلاث مميزات أساسية تتسم بسرعة نقل البيانات وبسعة كبيرة تسمح لها بنقل كمية كبيرة من المعلومات إلى جانب المصداقية العالية. في ظلّ التحديات المتمثلة على مستوى التقنية وعملية وضع الكابلات، يسلّط الخبراء الضوء على الاضرار المالية الناجمة في حال انقطاع الكابلات فضلاً عن الحوادث الطارئة التي قد تحدث تحت الماء على مدار السنة.
كيف تتوزع الكابلات البحرية حول العالم؟
تستغرق عملية مد الكابلات البحرية سنوات طوالاً وقد تصل كلفتها إلى ملايين الدولارات، تبدأ العملية مع رسم المسار الأفضل لوضع الكابلات في المياه على عمق أمتار لتجنّب الاحتكاك بالسفن. تتشكّل الكابلات البحرية من طبقات بلاستيك مقاومة للحرارة والصدمات وأسلاك فولاذية أرق من شعر الانسان لحمايتها من التلف على مدار 25 عاماً. تعتمد الكابلات على الألياف الضوئية لنقل البيانات بالاضافة إلى المعاملات اليومية التي تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات وهي تتوزع بين مناطق عدّة على كوكب الأرض ولمسافات طويلة. ترتبط التكاليف بعوامل عدّة بدءًا من المسار المحدد والمسافة التي سيمرّ بها الكابل البحري، الأخذ بالاعتبار التصميم الخارجي للكابل والتغليف، متطلبات نقل الكابل بواسطة الوسائل المطلوبة إلى جانب عملية التركيب من خلال سفينة متخصصة ومن ثم اختبار المراحل التشغيلية للكابل البحري والتأكد من عمله الصحيح. بين جميع هذه العوامل، قد تتراوح كلفة انشاء الكابل البحري ما بين 50 إلى 60 ألف دولار لكل كلم واحد فضلاً عن عمليات الصيانة التي يجب أن تكون قائمة بشكل مستمر طيلة السنة لضمان جودة عالية في خدمة توصيل الاتصالات والانترنت.
مصر
تتميّز مصر بموقعها الاستراتيجي في مجال الكابلات البحرية حيث تعتبر قناة السويس من أفضل القنوات التي توفر مساراً أقصر لنقل المعلومات بين منطقة آسيا وأوروبا. هذا وتستفيد دول عدّة من موقها الجغرافي لترسيم خريطة الكابلات البحرية بما يخدم مصالحها الجيوسياسية ويساهم بتعزيز مكانتها الرقمية لتصبح مركزاً أساسياً للانترنت والتقنية.
الإمارات العربية المتحدة
إقليمياً تتصدر دولة الامارات العربية المتحدة في هذا المجال مع استثمارات كبيرة في الكابلات البحرية. وترتبط الامارات العربية المتحدة اليوم بأكبر شبكة كابلات بحرية لقطاع الاتصالات في وقت أثبتت فيه الدولة مركزها الرقمي ومكانتها كأهم مقر لأكبر شركات مراكز البيانات. تدعم بنية كابلات الاتصالات البحرية في الامارات شركات تكنولوجية عالية المستوى لبناء مراكز بيانات خاصة بها في الدولة مما ينعكس ايجاباً على الاقتصاد المحلي.
المملكة العربية السعودية
في اطار سعيها للتوسع في المشاريع الرقمية واستثماراتها المكثّفة لتصبح مركزاً رقمياً رائداً في منطقة الشرق الأوسط، أطلقت المملكة العربية السعودية مشروع الكابلات البحرية الذي يعتمد في الأساس على الألياف الضوئية ويتوافق مع رؤية المملكة 2030. ومن أحد مشاريع الكابلات الأكثر ثورية في المملكة العربية السعودية أطلق عليه اسم "نظام" يمتد من أوروبا إلى الهند ويمر بمصر؛ يمتد الكابل الشمالي من أوروبا تحت البحر الأبيض المتوسط ثم يعبر إلى عمّان برّاً، ومن هناك سوف يعبر شرقاً عبر المملكة العربية السعودية إلى رأس الخير في الخليج العربي. بحسب الخبراء، تحتاج المملكة العربية السعودية إلى بناء شبكة أوسع لمراكز البيانات ولجذب عمالقة التكنولوجيا أيضاً.
قطر
تهدف الدولة إلى بناء محطات للكابلات البحرية تربط قطر بالعالم عبر مجموعة من الاتفاقيات والتعاونات الرامية لهذا الهدف. تدعم مشاريع الكابلات البحرية العمليات الرقمية والاتصالات في قطر كما تساهم في تحقيق رؤية قطر 2030 مع التركيز على دور التكنولوجيا في نقل البلاد إلى مرحلة متقدّمة على مستوى المجتمع والاقتصاد الرقمي وتحسين سائر الأنظمة بما يخدم المواطنين والشركات على حد سواء.
مخاطر وتحديات تواجهها الكابلات البحرية
تتكبّد الكابلات البحرية خسائر كبيرة خلال السنوات تُقدّر بملايين الدولارات يعود سببها إلى العوامل الطبيعية (العواصف والزلازل والبراكين والتغيّر المناخي)، الأضرار البشرية أو الأعطال التقنية التي تؤدي إلى قطع الاتصالات لساعات أو حتى لأيام وضعف أداء الكوابل أو تلفها تماماً.
ولا يخلو الأمر من الهجمات المباشرة لتدمير البنية التحتية البحرية فإما تطال كابلاً واحداً أو يتم التخطيط لهجوم واسع النطاق وقطع الاتصالات شرقاً وغرباً. تصل كلفة هذه الهجمات إلى مبالغ طائلة بينما تزيد التقنيات التكنولوجية الحديثة من قدرة التحكم بالكابلات تحت سطح البحر. تتعدد أسباب الضرر التي قد تلحق بالكابلات البحرية والتي تصل إلى 200 حالة بسبب اليد العاملة البشرية. فبحسب الخبراء ثلثا أعطال الشبكات يعود إلى خلل بشري بسبب حركة السفن والصيد.
لهذه السبب تستخدم شركات التكنولوجيا مسارات عدّة لتأمين نقل المعلومات والبيانات في حال تعطل أي من المسارات لأي سبب كان. يشكّل أمن الكابلات البحرية تحدياً كبيراً خصوصاً في المناطق النائية أو المعزولة في البحار.
ماذا يحمل المستقبل للكابلات البحرية؟
طالما ستكون الاتصالات والانترنت من أولويات حياتنا في عصر الرقمنة والسرعة، يتوقع الخبراء أن تزدهر صناعات الكابلات وعمليات نشرها خلال السنوات المقبلة. هذا الواقع يفرض على الشركات الكبرى تعزيز قدرات الكابلات البحرية وزيادة سعتها لاستيعاب حركة مرور البيانات المرتفعة؛ وقد تصل سعة الكابلات إلى أكثر من 300 تيرابايت في الثانية. هذا وتعمل شركات الاتصالات على تحسين خدمة الانترنت من خلال تجديد أسلاك الألياف الضوئية المستخدمة.
مع هذا التوجّه، تعرض الدراسات نمو سوق الكابلات البحرية حيث من المتوقع أن تبلغ القيمة السوقية 32.48 مليار دولار بحلول عام 2029 بمعدل سنوي مركب 8.63% من عام 2022. على الخط نفسه، يُعد ارتفاع عدد مستخدمي الانترنت في المنطقة العربية والعالم الحافز الأول لنمو هذا المجال والسعي المتواصل لتحفيز المبادرات فيه بهدف توسيع رقعة الكابلات البحرية تحت الماء مما يرسم آفاقاً جديدة للسنوات القادمة.
يعتمد قطاع الاتصالات على البنية التحتية الرقمية والكابلات البحرية لربط نحو 99% من العالم على الأرض رغم التحديات المتمثلة على المستوى الاقتصادي والجيوسياسي.