تواصل المؤسسات المتمكّنة تقنياً وشركات الاتصالات جهودها لتحقيق الاتصال الشامل بالانترنت. فلغاية الآن، نحو 5.4 مليارات شخص موصولين بالشبكة أي ما يشكّل 67% من سكان العالم مقابل 2.6 مليار شخص غير موصولين بالانترنت. فهل الاكتفاء بهذه الأرقام يضمن بناء المدن الذكية أم أن مشروعها لا يزال صعب التنفيذ؟
يُقدّر الخبراء ارتفاع عدد مستخدمي الشبكات اللاسلكية حول العالم مما سيدفع كبرى شركات الاتصالات إلى تعزيز بنيتها التحتية وتوفير أعلى مستوى من الخدمات. مع تطوّر الصناعات أصبحت احتياجات المدن أكثر تعقيداً وترابطاً في وقت باتت فيه الحكومات تستند إلى تحليل البيانات لدفع الابتكار داخل الأنظمة الأساسية.
في ظلّ هذا الواقع، يلعب قطاع الاتصالات والحلول التكنولوجية دوراً محورياً في عملية تبادل البيانات والمعلومات على أن تُحقق الرقمنة الشاملة. تؤدي المدن العربية أداءً متطوّراً يواكب عصر السرعة والتقنيات العالمية على رغم التحديات المتمثلة مالياً أو لوجستياً؛ وبينما تشير الدراسات إلى أن أكثر من ثلثي سكان العالم سيقطنون المدن الذكية بحلول عام 2070 تبقى شروط نجاح هذه المدن مرهونة لعوامل عدّة سنعرض منها ما يلي.
المدن العربية الذكية بين الحاضر والمستقبل
تتقدّم المدن العربية الذكية بشكل ملحوظ مع إطلاق المشاريع المعنية بالاقتصاد الرقمي، تنظيم الحكومات الرقمية، تحسين الخدمات المتوفرّة ورسم استراتيجية واضحة تضمن مستقبلاً ناجحاً للمدن الذكية في المنطقة. تبرز في المنطقة العربية 24 مدينة ذكية لغاية الآن ومنها نذكر مدينة "ذا لاين" ضمن مشروع نيوم والرياض في المملكة العربية السعودية، دبي وأبوظبي في الامارات العربية المتحدة والعاصمة الادارية - القاهرة في مصر ومدينة مشيرب في قطر ومسقط في عمان.
بحسب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء فإن الهدف الأول اليوم هو أن تصبح الرياض ضمن قائمة أفضل عشر مدن اقتصادية في العالم ابتداءً من دعم الصناعة وتعزيز الابتكار وتطوير بنية تحتية ذكية تستجيب إلى متطلبات السكان.
عزز ظهور الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وانترنت الأشياء مشاريع المدن الذكية في المنطقة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي التي تعمل أيضاً على تحقيق التنمية والاستدامة عبر الممارسات اليومية وتطوير البنية التحتية الرقمية وتجنّب العمليات التشغيلية التقليدية للمضي بأخرى أكثر ذكاءً.
تحمل الدول العربية رصيداً كبيراً من الابتكارات والتكنولوجيات الحديثة لتجسيد رؤية المستقبل واتقان التعامل مع الواقع الافتراضي على المستويات كافة. إلى جانب تحدي الصناعة 4.0، دخلت الدول العربية سباق المدن الذكية توازياً مع التغيّر الديموغرافي والتخطيط لتبني استراتيجيات ترتكز على رأس المال التقني والمعلوماتي والبشري أي من حيث اليد العاملة المؤهلة بما يكفي للاستفادة من هذا النمو بالشكل الايجابي.
لا يقتصر مفهوم المدن الذكية على اعتماد التقنية من برامج وأنظمة داخلية بل هو مزيج من التخطيط العمراني لاستيعاب تدفق السكان، وتعزيز سعة البيانات التي ستنمو حركتها تلقائياً وتطوير سائر القطاعات منها الرعاية الصحية والتعليم والبيع بالتجزئة والنقل والزراعة والاقتصاد، مع الالتزام بشروط البيئة الخضراء للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية وهذا ما تقوم عليه المدن الذكية بالدرجة الأولى.
يجب أن تتجه الدول العربية إلى المدن الذكية لتجسيد المستقبل الرقمي بتجارب فائقة. وفي هذا الاطار، يؤكد الخبراء ضرورة وصول خدمات الانترنت إلى المناطق كافة حتى النائية منها.
كيف تساهم شركات الاتصالات في نمو المدن الذكية؟
أصبحت الحاجة إلى المدن الذكية ملحّة لما توفّره من حلول آنية لتحمّل الانفجار السكاني وتجنّب الضغوطات ومعالجة التحديات والمشاكل المرتقبة خصوصاً في ما يتعلّق بالأزمة البيئية والانبعاثات السامة. هنا تلعب التكنولوجيا دورها، ومن الأمثلة على ذلك أجندة دبي الاقتصادية "D33"، التي تهدف إلى مضاعفة حجم اقتصاد دبي على مدى العقد المقبل وتعزيز مكانتها بين أكبر ثلاث مدن عالمية. تتضمن منطقة "D33" مئة مشروع تحويلي، مع أهداف اقتصادية تصل قيمتها إلى 32 تريليون درهم إماراتي على مدى السنوات العشر المقبلة، ومضاعفة التجارة الخارجية لتصل إلى 25.6 تريليون درهم إماراتي، وإضافة 400 مدينة كشركاء تجاريين رئيسيين على مدى العقد المقبل.
ومع انتشار المدن الذكية على مستوى عالمي، أصبحت شبكات الاتصالات مهمة للغاية لربط القطاعات الفرعية المهمة مثل إدارة المعلومات، وإدارة الكوارث في حالات الطوارئ، والتعاون بين الوكالات، وإدارة البنية التحتية الحيوية، وخدمات المواطنين، وخدمات الإدارة العامة.
بدورها تركز شركات الاتصالات على تعزيز حلولها الرقمية في مجالات مختلفة لا سيّما في مساندة المدن الذكية. ولأن الاتصالات والتكنولوجيا ترتبطان بشكل مباشر، يعمل مزودو الخدمات على تطوير الشبكات اللاسلكية وتقديم الخدمات بكفاءة عالية إلى جانب باقة من المشاريع الادارية لنقل المدن إلى مستوى آخر.
على رغم التحديات التي يواجهها قطاع الاتصالات في ظلّ التداعيات الاقتصادية والتقلبات الأمنية، يوفّر هذا القطاع فرصة ذهبية لنمو المدن الذكية وتوسّعها. تستفيد شركات الاتصالات من التكنولوجيا اللاسلكية لربط المجتمعات حيث تدعم مبادرات الاتصالات بالأقمار الصناعية ودفع نطاق شبكات الجيل الرابع والجيل الخامس مع تحفيز الأعمال لسدّ الفجوة الرقمية. على رغم من أن مفهوم المدن الذكية يجذب شركات الاتصالات نظراً لإمكانات نموها، إنما العمل المطلوب منها في المقابل ليس سهلاً. وهذا يستدعي إجراء مشاورات مستمرة ومثمرة بين المشغلين ومزودي الخدمات ومتكاملي الأنظمة ومخططي المدن والمنظمين وغيرهم من اللاعبين الرئيسيين في الصناعة لتحقيق أقصى استفادة من الفرص التي يوفرها النظام الايكولوجي للمدينة الذكية المترابطة عالمياً.
تُعد شبكات الاتصالات من الأجزاء الأساسية للمدينة الذكية لتوفير حركة مرور البيانات وتحسين تدفق المعلومات خصوصاً وأن كل معالم المدينة الذكية تترابط ببعضها إلكترونياً؛ حيث يمكنك التحكم بكل أجهزتك عبر الهاتف المحمول. كذلك توفر الأقمار الصناعية الاتصال بالانترنت عالي السرعة لكل المواطنين في المناطق النائية والمحرومة كما تستخدم لتحسين الخدمات العامة ونقل البيانات ومراقبتها لمسافة طويلة بالوقت الآني.
الذكاء الاصطناعي يحسّن العمليات التشغيلية
صحيح أن المدن الذكية تمثّل أعلى مستوى من التطوّر في عصرنا هذا مع انتقالها إلى المستوى التالي من النمو مع استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لتحسين العمليات التشغيلية في المدينة ومتابعة المواطنين في حالات الطوارئ. على ضوء ذلك، ستشهد مشاريع البنية التحتية في المناطق ذات الكثافة السكانية تكاملاً متزايداً للتقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وتحليلات البيانات والتوائم الرقمية لبناء تصميمات محسنة. وتشير النتائج الحالية للصناعة إلى توحيد البروتوكول وخيارات الاتصال اللاسلكي المحدودة كحواجز أمام نشر إنترنت الأشياء؛ ومع ذلك، تبذل الصناعة جهودها لحلها. ويمكن الاستفادة من منصات إنترنت الأشياء في دعم شبكة المدينة الواسعة من الأجهزة الالكترونية وأجهزة الاستشعار المتصلة، فضلاً عن الكم الهائل من البيانات التي سيتم جمعها من خلالها. كما تعتبر المدن الذكية محطّ أنظار الأسواق الناشئة التي ستغيّر حياتنا بفضل توظيف البيانات لتنفيذ تجربة مرنة تتلاءم مع الحياة الرقمية.
تبذل المدن حول العالم جهودها لتحقيق الشمولية كجزء من استراتيجيتها الذكية والتي تهدف إلى جذب الاستثمارات والمهارات الرقمية إلى البلاد. هذا وتسعى الحكومات المركزية إلى أن تصبح أكثر مرونة من خلال تطبيق اللامركزية لكسر الحدود والانتقال إلى مرحلة جديدة من العولمة: عالم مترابط بالانترنت والتقنية والمدن الذكية.