تحديات جمّة تواجهها القطاعات الصناعية والحيوية في ظروف حساسة على المستويات كافة. وتوجّه الشركات بوصلتها اليوم إلى قطاع التكنولوجيا والمناخ والاقتصاد الرقمي في وقت يزيد فيه الاصرار على تحقيق صفر انبعاثات كربونية ودعم الحلول الخضراء.
الحاجة مُلحّة لكن الواقع صعب. إنه توصيف لمشهد تكنولوجيا المناخ الذي تراجعت مستويات التمويل فيه إلى أكثر من 40% مقارنةً بالعام 2022. تحديات ومشاكل عدّة تقف خلف هذا التراجع من بينها تضخم الأسعار عالمياً، تدهور الأوضاع السياسية وارتفاع الفوائد المالية مع تدهور بعض الأسواق. فبعد موجة الحرّ التي طالت الأرض خلال موسم الصيف الفائت، تركز الشركات الناشئة وعمالقة التكنولوجيا على السُبل المناسبة لحلّ مشكلة المناخ علماً أننا قادمون على تغيير مناخي خلال السنوات المقبلة حيث ستزداد فيها سخونة الأرض بدرجات فارقة.
من أين تمويل قطاع تكنولوجيا المناخ؟
توسّع الحكومات مجالات استثماراتها ليس فقط لمكافحة التغيرات المناخية والوصول إلى انبعاثات صفرية بل للتصدي للتحديات المقبلة بفعل تباطؤ الحركة الاقتصادية عالمياً وتقلّب الوضع. تتفاوت نسب التمويلات المخصصة لمشاريع تكنولوجيا المناخ خصوصاً بين دول الشرق الأوسط التي شهدت تغييرات ملموسة على هذا الصعيد مع توقع ارتفاع درجات الحرارة بمعدل خمس درجات في مصر والمملكة العربية السعودية واليونان بحلول نهاية القرن الحالي. أما على المستوى العالمي، فتصدّرت الولايات المتحدة تمويل مشاريع تكنولوجيا المناخ في العام 2022 بنسبة 41% تلتها المنطقة الأوروبية مع 25% بينما وصل اجمالي التمويل حول العالم إلى 70.1 مليار دولار.
كان للتقنيات المستحدثة مساحة كبيرة في عملية تطوير العمليات التشغيلية في الصناعات الخضراء لا سيّما في الخليج الذي أثبت كفاءته في هذا المجال مع تبني التقنيات الصديقة للبيئة المميزة والفاعلة. لم يكن مُفاجئاً استعداد الخليج والمنطقة ككل إلى المرحلة المقبلة بعد التغييرات السريعة التي أكّدت ضرورة الالتزام بالحلول النظيفة والحدّ من الانبعاثات الكربونية الضارة لمعالجة مشكلة أساسية يعاني منها العالم بفعل تضخّم الصناعات والأنشطة اليومية. أما للوصول إلى الانبعاثات الصفرية فهذا يتطلّب مساراً طويلاً من الخطط المتكاملة لخفض الانبعاثات بنسبة 80% في الاقتصادات المتقدمة وبنسبة 60% في الأسواق الناشئة. بحسب التقارير من المرجّح الحدّ من مشكلة الاحتباس الحراري بحلول عام 2050 مع تكثيف الجهود على مستوى دولي لتعزيز الاستثمارات الخضراء بشكل سنوي لتبلغ قيمتها 4.5 تريليون دولار في السنة بحلول أوائل ثلاثينات القرن الحالي. فكيف تعزز دول المنطقة ريادتها في مجال التكنولوجيا الخضراء؟
استناداً إلى التقارير الأخيرة، تُكثّف دول الخليج والمنطقة ككل أبحاثها وتجاربها لتحمّل التقنيات الحديثة واعتمادها بمرونة أكبر للحدّ من عوامل تغيير المناخ.
الطاقة الخضراء تعزز الاستدامة
رغم التحديات، تواصل دول المنطقة استثمارها في التكنولوجيا الخضراء والتي وصلت قيمتها لغاية عام 2022 إلى 1.6 مليار دولار لمواكبة التغيرات المناخية. ونظراً للتقنيات المعتمدة، يمكن للخليج والشرق الأوسط منافسة العالم في ريادة الطاقة النظيفة لتطوير مزيد من المشاريع الصديقة للبيئة. لهذا الغرض، تُنشئ منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا أسواقاً مخصصة لتكنولوجيا المناخ مع تكثيف المبادرات التي تصب لمصلحة هذه المشاريع وتعزيز البحث والتطوير والاستدامة. كما تُحفّز الخطط الناجحة لتكنولوجيا المناخ على الابتكار محلياً والتميّز عالمياً لتحويل المنطقة إلى ريادية على كافة المستويات.
وفقاً للتحليلات المناخية، سترتفع نسبة الانبعاثات الكربونية 16% بحلول عام 2030 مما سيؤدي إلى ارتفاع حرارة سطح الأرض وبالتالي افتتاح أسواق جديدة لتسويق التكنولوجيا الخضراء على أنواعها. وبين دفع الحلول ومحاربة التغير المناخي، يشدد الخبراء على ضرورة دعم المواهب والقدرات البشرية والتخصصات ذات صلة لتحفيز الوظائف الجديدة وتوظيف التقنيات في خدمة النمو والاستدامة.
هي حلقة متسلسلة قائمة لحماية المناخ عبر الحلول التكنولوجية تزيد من القدرات الادارية للحكومات، تعزز الأرباح المالية، وتساهم بتطوير الحلول على المديين القريب والبعيد كما تُسرّع عملية تنفيذ الاستراتيجيات الابتكارية خصوصاً في الدول النامية والمتقدمة.
تكنولوجيا المناخ تغيّر سوق العمل
نمط جديد يستعد له العالم مع تحقيق التحول الرقمي يُعيد من خلاله رسم مستقبل البشرية على الأصعدة كافة وهذا ما يُقترن بالتحولات التي ستشهدها الشركات الناشئة مع وضع أهداف الحياد الكربوني. على ضوء ذلك، ينتظر الخبراء قفزة نوعية لصناعات الحلول الذكية التي تدفع الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الخضراء للحدّ من الانبعاثات المباشرة إلى جانب ارتفاع الطلب على الوظائف في هذا القطاع الذي سيتحمّل أكثر من 8 ملايين وظيفة جديدة مع حلول 2030.
لكن هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا مع توسيع رقعة الاستثمارات أكثر والتركيز على الصناعات الصديقة للبيئة فمرافق تصنيع تقنيات الطاقة النظيفة تحتاج إلى ما لا يقل عن ثلاثة أعوام لتصبح صالحة للاستخدام.
"لا يمكن تحقيق الحياد الكربوني دون استخدام تكنولوجيا المناخ" هذا ما يشير إليه خبراء في المجال باعتبار أنه للحدّ من انبعاثات الكربون يتطلّب ذلك قدرات صناعية ومالية كبيرة وجهوداً يومية.
تقنيات تُطرح للمرة الأولى
تتوحّد الحكومات على فكرة الوصول إلى الأهداف المناخية والحياد الكربوني وتعزيز الاستراتيجيات البيئية والاجتماعية والمؤسسية. كما تبرز تقنيات تكنولوجيا المناخ من خلال دعم قطاع الصناعة والاقتصاد والخطط التنظيمية للادارة البيئية. تماشياً مع رؤية المستقبل، تركز الدول على الدور الفعال للتقنيات لضمان النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي والاستجابة إلى متطلبات السوق الرقمي من دون التغاضي عن التحديات المتمثلة في هذا المجال. تتيح التكنولوجيا المزيد من الفرص لتمكين الأعمال منخفضة الكربون وتوظيف الصناعة 4.0 لمستقبل يضمن الحياد الكربوني.
بدورها قدّمت كل من الامارات والمملكة العربية السعودية وغيرهما من الدول الخليجية وفي المنطقة حلولها المستدامة للاستثمار في تكنولوجيا المناخ والطاقة المتجددة. كما تأخذ هذه الدول مسارها تجاه التغيير المناخي مع التركيز على الابتكارات الحديثة وتقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والروبوتات التي تعزز حياد القطاعات عن الكربون والانبعاثات السامة. كما تعتبر الزراعة الذكية والمدن الذكية من أهم العناصر المساهمة في ازدهار تكنولوجيا المناخ على رغم تراجع الاستثمارات فيها في بعض الأحيان. تزامناً مع ذلك، تضع الحكومات خطة عمل لتحسين أساليب استخدام التكنولوجيا في مختلف القطاعات للحد من الانبعاثات من جهة وتفعيل الحلول الخضراء من جهة أخرى بالاضافة إلى تعزيز المبادرات التي تصب في هذا الهدف أيضاً مع توفير الدعمين المالي والصناعي المطلوبين على أرض الواقع.